المجلات العربية.. أراشيف مبعثرة تبحث عمن يجمعها

منذ ٣ أيام ٢٧

تخسر الثقافة العربية ومشتغلوها كثيراً بسبب غياب المراكز الأرشيفية الرصينة، إذ إن جزءاً هائلاً من نتاجها الفكري والبحثي والإبداعي ظلّ حتى اليوم حبيس عدد غير محدد من المجلات الدورية، التي صدرت في أوقات شتى من تاريخ البلاد العربية، لكنها انطفأت واختفت من مواعيد الصدور، وتلاشى حضورها من الذاكرة، واستحال اليوم العثور على أعدادها.

إذا اضطر أحد الباحثين إلى مراجعة مقالٍ أو بحثٍ منشور في إحدى الدوريات، فإنه سيحاول الحصول عليه عبر شبكة الإنترنت أولاً، وحين لا يجده، سيكون مجبراً على اللجوء إلى وسائل مختلفة وصعبة كي يحصل على مبتغاه. وفي النتيجة، لا بد من طرح السؤال الذي لا مفر منه: ألا يمكن حل هذه المشكلة؟

وزارات الثقافة العربية لا تستطيع الإجابة عن هذا السؤال، حيث إن كثيراً منها لا يبدو منشغلاً بهذه القضية، وربما يحتاج الشروع في البحث عن حلّ إلى جهود وموافقات إدارية معقّدة. لكن بعض الوزارات اجتهدت في غير مرة وحاولت تقديم أرشيف المجلات التي تصدرها كهدايا للقارئ. وهذا ما فعلته وزارة الثقافة السورية قبل الثورة، حين أهدت قرّاء "مجلة المعرفة" و"جريدة شرفات الشام" بأعدادهما الكاملة عبر قرصين ليزريين. وفي وقت لاحق، جرت رقمنة مجلتي "الحياة المسرحية" و"الحياة السينمائية"، وهو ما وفر محتوياتهما للباحثين.

ازدياد حاجة الدارسين إلى مراجع بحثية في الفضاء الأكاديمي

وفي الفضاء الأكاديمي العربي، حيث تزداد حاجة الدارسين إلى المراجع البحثية، وجد المهتمون غايتهم في مواقع تُشرف عليها وزارات التعليم العالي، وتجمع في صفحاتها روابط الأعداد الكاملة لأي مجلة علميّة تصدر في البلد. نرى هذا الأمر في موقع ASJP؛ وهو المنصة المتخصّصة بالنشر الإلكتروني للمجلات العلمية الجزائرية، وكذلك في أرشيف المجلات العلمية العراقية وغيرهما. لكن هذه الخدمة تقتصر فائدتها على البحث في المجلات الجامعية، ولا تمتد إلى الفضاءات الثقافية الأخرى.

كما أن بعض مراكز الأبحاث العربية المواظِبة على إنتاج المعرفة تضع أرشيفاتها في متناول من يرغب في الاطلاع عليها، سواء كانوا أكاديميين أو قراءً عاديين. ومن الجهود المعتبرة في هذا السياق، ما يقدّمه "المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات"، حيث يتيح لزوار موقعه تصفّح الإصدارات الحديثة من مجلاته، إضافة إلى إمكانية تحميلها على أجهزتهم دون مقابل.

وكذلك يفعل "مركز دراسات الوحدة العربية"، لكنّه، على النقيض من سابقه، لا يتيح مطالعة الأعداد الجديدة من مجلاته دون دفع رسوم محددة، كما أن الحصول على الأعداد السابقة منها غير متاح للباحثين.

حاول بعض الناشطين رقمنة المطبوعات ونشرها عبر الإنترنت

وفي موقع خاص بمجلتها الشهيرة، تقدّم "دار الآداب" فرصةً مهمة للاطلاع على منجزها الثقافي الراسخ في المشهد العربي، دون الحاجة إلى البحث عنها في أماكن أخرى. غير أن هذا الجهد لا يجد له نظيراً لدى مؤسسات مُشابهة، فعندما يسعى أحد إلى العثور على أرشيف "مجلة الناقد"، التي أصدرها الصحافي الراحل رياض نجيب الريس في تسعينيات القرن الماضي، لا يجدها في موقع الريس، ولا يعثر كذلك على شقيقتها النقاد!

وفي غياهب الأزمات السورية، اختفت آثار "مجلة ألف" للكتابة الجديدة، التي ترأس تحريرها الشاعر الراحل محمود السيد، وأشرف عليها الناشر والقاص سحبان السواح. ورغم أن أغلب الأسماء الإبداعية السورية وبعض العربية قد ساهمت في الكتابة على صفحاتها، فإنّها مفقودة تماماً، حتّى في الموقع الذي يحمل الاسم نفسه، ويرأس تحريره السواح!

وكانت "شركة صخر" لبرامج الحاسب الآلي والمعلومات قد قامت بإطلاق أرشيف المجلات الثقافية والأدبية منذ أكثر من عشر سنوات، ثم أعادت إطلاقه لاحقاً باسم صاحبها محمد الشارخ، ليصبح أكبر موقع أرشيفي متخصّص بالمجلات الثقافية، والأدبية، والفكرية، والفنية. وبحسب إحصائيات الموقع، فإنه يضم: 329.522 عددًا من 274 مجلة، تحتوي على 2.126.611 مقالاً كتبها 52.704 كاتباً.

غير أنَّ كثافة المحتوى هنا، رغم دعمها بمحرّك بحث جيد، لا تتوفّر دائماً بجودة تصوير عالية، حيث يواجه القارئ صعوبة في بعض المجلات. كما أنَّ الموقع لا يتيح تحميل المجلات بالكامل، بالإضافة إلى افتقاره إلى عدد من المجلات المهمة، مثل "مجلة الوحدة"؛ التي كان يصدرها المركز القومي للثقافة العربية في ثمانينيات وتسعينيات القرن العشرين، قبل أن تتوقف بسبب حل المركز (الذي كان ممولاً ليبياً). كذلك، فإنَّ الباحث الذي يرغب في الاطلاع على مجلتي "الفكر العربي المعاصر" و"العرب والفكر العالمي"، اللتين كان يصدرهما مركز الإنماء القومي، بإشراف المفكر السوري الراحل مطاع صفدي، لا يجد لهما أثراً في الأرشيف، وما ينطبق على هذين المثالين ينسحب على غيرهما.

وحاول بعض الناشطين في مجال رقمنة المطبوعات ونشرها عبر الإنترنت سدّ الفراغ الحاصل في هذا المجال. فظهرت في تطبيق تليغرام عدّة مجموعات قام منشؤوها بتصوير عشرات المجلات الفنية "الخفيفة"، وحين لاحظوا الطلب الواسع على المجلات الفكرية والثقافية غير المتوفرة في أرشيف الشارخ، قاموا بتوفير إمكانية تحميل بعضها، ونشروا بعضاً من تلك المطبوعات التي لا يمكن مطالعتها إلا عبر تصفحها في الموقع مقالة مقالة! وفي هذا السياق، أصبح موقع أرشيف الإنترنت العالمي محطة رئيسة لكل من يرغب في الاطلاع على المتوفر من المجلات العربية.

لكن هذا النشاط، إلى جانب كونه غير قانوني، لا يضمن للمهتمين الحصول على المحتوى وفق معايير الجودة المطلوبة. كما أن قيامه على جهود تطوعية يجعله غير مستدام، فضلاً عن إمكانية حذفه من المنصّات المختلفة بناءً على معايير حقوق الملكية الفكرية.

قراءة المقال بالكامل