المخرج البريطاني مايك ليه: تمويل الأفلام يزداد صعوبة

منذ ٢ أيام ١٥

على غرار قصة فيلمه الجديد "هارد تروثس" (Hard Truths) الذي نال استحساناً واسعاً، يتأرجح المخرج البريطاني المخضرم مايك ليه بين الامتنان واليأس عندما يتأمل حياته ومسيرته الفنية. فالمخرج البالغ 82 عاماً يُدرك أنه حظي بفرصة كبيرة تتمثل في كون رصيده يضم أكثر من 12 فيلماً على مدار خمسة عقود من التألق، من أبرزها "سيكرتس أند لايز" (Secrets and Lies) و"فيرا دريك" (Vera Drake).

لكنه يعي أيضاً الصعوبات التي تواجهها الأجيال الشابة، ويخشى التغييرات "المقلقة جداً" التي يشهدها العالم في عهد الرئيس الأميركي دونالد ترامب. وقال ليه لوكالة فرانس برس خلال عرض استعادي لأعماله في "سينماتيك" في باريس: "إن تمكني من إخراج الأفلام امتياز، وهو امتياز يزداد صعوبة". وأضاف: "أعتبر نفسي محظوظاً جداً. إخراج الأفلام تجربة ممتعة". وأوضح ليه، الذي شرعَ في العمل على مشروعه التالي رغم مشاكله الحركية المتزايدة الناجمة عن مرض عضلي وراثي، أنه قَلِق من شعوره بأن العالم على شفا الهاوية. ولاحظ أن "ثمة شعوراً بأن الحرب العالمية الثالثة على الأبواب"، مضيفاً: "لم أتخيل يوما أنني سأقول ذلك، ولي من العمر ما يكفي لأتذكر نهاية الحرب العالمية الثانية تقريباً، إذ وُلدتُ في زمن الحرب". ورأى أنه "لأمرٌ مُقلقٌ جداً، والمرء يشعر بالعجز" حياله.

ويتناول فيلم "هارد تروثس"، الذي وُصِف بأنه أحد أقوى أفلام ليه الأخيرة، قصة مؤثرة وفي بعض الأحيان كوميدية قاتمة عن شقيقتين، تُحدث لدى المشاهدين مشاعر متناقضة مشابهة. فالشخصية الرئيسية بانسي، التي تُجسّدها ببراعة الممثلة البريطانية ماريان جان باتيست، امرأة متزوجة وأمٌّ لطفل واحد، تعاني الاكتئاب والقلق، وهي عدوانية الطباع. أما شقيقتها شانتيل (ميشيل أوستن) فودودةٌ واجتماعيةٌ وذات شخصية هادئة، على نقيض حياتها المنزلية والأسرية.

ويجمع الفيلم الممثلتين البريطانيين السوداوين بعد نحو 30 عاماً من فوز فيلم "سيكرتس أند لايز" Secret and Lies الذي شاركتا فيه بالسعفة الذهبية في مهرجان كانّ السينمائي، وحصوله على ترشيحات عدة لجوائز أوسكار.

وفيما كان الفيلم الناجح عام 1996 يتمحور حول مسألتَي العائلة والهوية، يُعد "هارد تروثس" بمثابة دراسة عمّا يجعل بعض الناس متشائمين بائسين، بينما يبدو الآخرون وكأنهم يجتازون صعوبات الحياة باسمين.

وجريا على عادته، لم يعط مايك ليه إجابات واضحة على الشاشة، وتجنب الرد على سؤال عن رأيه في هذا الموضوع. وقال: "تسألونني ما سر الحياة؟ أنا لست مدّعياً أو مغروراً لكي أتحدث بغطرسة عن كيفية العيش". وأضاف: "لقد عملت بجدّ. استخدمت خيالي (...). بالنسبة لي، الأمر يتعلق بالتفاعل مع الناس".

وعمل مايك ليه في "هارد تروثس" للمرة الأولى مع طاقم ممثلين جميعهم تقريباً من السود، إذ يتناول الفيلم اللندنيين ذوي الأصول الكاريبية. ولم يرَ أي سبب لكي يتردد، كونه مخرجاً أبيض البشرة، في خوض مثل هذا التحدي. ووصف توليه إخراج الفيلم بأنه "أمر طبيعي، وليس نقلة نوعية". وقال: "لقد ربّيتُ أطفالي في شمال لندن، وكانوا يقصدون المدرسة هناك، وكان الأطفال السود يركضون باستمرار داخل منزلنا وخارجه (...). لكن من ناحية أخرى، غني عن القول إني لم أستطع الجلوس في غرفة وكتابة سيناريو تقليدي لمثل هذا الفيلم".

واستخدم النهج التعاوني نفسه الذي اتبعه طوال مسيرته المهنية، وهو يبدأ بفكرة ثم يتواصل بإقامة ورش عمل تضم الممثلين لتطوير الشخصيات والحوار والحبكة. وانطلاقاً من ذلك، اتخذ "قرار التركيز على الشخصيات السوداء". وقال: "من الأمور المتعمدة التي فعلتها بوعي تام هي القول إنه لن يكون فيلماً يتناول الصور النمطية والمشاكل القانونية وقضايا المخدرات وكل ما يتعلق بالعصابات". وشدّد على أن "المسائل الرئيسية في الفيلم تصلح لكل زمان ومكان وليست محلية أو حكرا على السود".

ورفض مايك ليه التحدث عن مشروعه المقبل، لكنه لاحظ إن إيجاد التمويل يزداد صعوبة لأن الداعمين، وخصوصاً منصات البث التدفقي، يرغبون في أن يكون لهم رأي كبير في المنتَج النهائي، معتبراً أنه "أمر محبِط ومقلِق جداً". وأضاف: "أتحدث إلى الداعمين المحتملين، فيقولون: (نحترم ما تفعله، ونحب ما تفعله، لكنه ليس مناسباً لنا)". وأوضح أن "عبارة "ليس مناسباً لنا تعني لن نشارك في مشروع لا نستطيع التدخل فيه، ولا أن نختار النجوم الهوليووديين، ولا أن نُفسِد النهاية (...)، وسوى ذلك".

(فرانس برس)

قراءة المقال بالكامل