الهند ترد على تأييد تركيا لباكستان بتعليق التجارة وتقييد السياحة

منذ ٢ ساعات ٧

علّقت الهند علاقاتها التجارية والتعليمية مع تركيا، وفرضت قيوداً على السياحة والمنتجات التركية، رداً على موقف تركيا المؤيد لباكستان، وإدانة أنقرة في مطلع الشهر الجاري القصف الهندي على منطقة آزاد كشمير الخاضعة لسيطرة باكستان.

وقد شهدت العلاقات بين الهند وباكستان توتراً جديداً بسبب أزمة كشمير، إلا أن تداعيات هذه الأزمة تجاوزت حدود الدولتين، لتصل إلى تركيا التي أعلنت دعمها باكستان، ما دفع الهند إلى اتخاذ سلسلة من الإجراءات العقابية ضد أنقرة، من بينها فرض مقاطعة على المنتجات التركية وقطاع السياحة، حيث بدأت بإلغاء الرحلات السياحية، وفرضت حظراً على شركة "تشيلبي" التركية التي تدير عمليات مطار مومباي. كما جرى تعليق بعض الشراكات في مجالات متعددة، وانتهى الأمر بإعلان الهند رسمياً مقاطعة البضائع التركية.

وكانت وزارة الخارجية التركية قد أدانت الهجوم الصاروخي الذي شنته الهند على باكستان، ووصفت الخطوة بأنها استفزاز يستهدف البنى التحتية والمدنيين، مؤكدة أنه أثار خطر اندلاع حرب شاملة، داعية الطرفين في بيان لها إلى التصرف بحكمة وتجنب الأعمال أحادية الجانب. وقد جاءت هذه التصريحات في أعقاب القرار الهندي بتعليق العمل بمعاهدة مياه نهر السند، الخاصة بتقاسم المياه، التي يعتبرها مراقبون سبباً رئيسياً للأزمة الأخيرة.

لكن الهند لم تمرر الدعم التركي لباكستان ودور الأسلحة والمسيرات التركية، بل تسعى للرد عبر الاقتصاد، بحسب ما صرّح به المحلل التركي سمير صالحة لـ"العربي الجديد"، الذي أوضح أن الهند أعلنت مقاطعة البضائع التركية وقطاع السياحة، وبدأت بزيادة القيود على السفر والصادرات التركية.

وأضاف صالحة أن بلاده لا تسعى إلى قطع العلاقات مع أي طرف، لكنها في الوقت ذاته تؤيد حقوق الشعوب، ومن ذلك جاء تأييدها للحق الباكستاني. ومع ذلك، إذا استمرت الهند بقطع العلاقات مع تركيا، فإن لدى أنقرة بدائل عديدة، خاصة أن حجم التبادل التجاري مع الهند محدود، وميزان التجارة يميل لصالح الهند، كما أن السياح الهنود ليسوا ضمن أولويات الترويج السياحي التركي.

واستدرك صالحة بأن تركيا تحرص على تحسين علاقاتها مع الهند، وكان هناك تطلع، بعد توقيع اتفاق حسن النوايا، لرفع حجم التبادل التجاري إلى 20 مليار دولار سنوياً. فالهند تُعد من الدول الاقتصادية الكبرى عالمياً وتشهد منذ سنوات أعلى معدلات النمو، إلا أن تركيا ترى أن مواقفها المبدئية تجاه حقوق الدول والشعوب لا يمكن أن تخضع لحسابات التجارة فقط. وأشار إلى أن الهند لا تُعد شريكاً تجارياً رئيسياً لتركيا، إذ لم تتجاوز قيمة الصادرات التركية إلى الهند العام الماضي 1.3 مليار دولار، في حين بلغت الواردات التركية من الهند نحو 6.4 مليارات دولار. وبذلك، فإن صادرات تركيا إلى الهند شكّلت فقط 0.5% من إجمالي صادراتها البالغة 261.9 مليار دولار، في حين تمثل الهند 2% فقط من إجمالي واردات تركيا.

وتتمتع تركيا بالقدرة على تعويض الخسائر الناجمة عن المقاطعة بسهولة، بحسب ما نقلته صحيفة "يني شفق" عن ممثلي اتحاد المصدرين الأتراك، الذين أكدوا أن المتضرر الأكبر سيكون الاقتصاد الهندي. وأضافت مصادر الاتحاد أن الأرقام ليست ضخمة، لكن تركيا تستورد من الهند أكثر مما تصدر لها بستة أضعاف. وإذا قررت تركيا الرد بالمثل، فإن العجز التجاري البالغ نحو 5 مليارات دولار قد ينخفض، إذ يمكنها تعويض المنتجات المستوردة من الهند إما من خلال الإنتاج المحلي أو من خلال الاستيراد من أسواق بديلة. أما من حيث السياحة، فلن يكون لغياب السياح الهنود أثر كبير، حيث لم يتجاوز عددهم في عام 2024 نحو 330 ألف سائح، من أصل إجمالي 62.2 مليون سائح زاروا تركيا خلال العام الماضي.

ورغم كل ذلك، لا تزال تركيا تؤثر عدم تصعيد التوتر مع الهند، وتسعى إلى تطوير العلاقات والتبادل التجاري. وقد سعت قبل أعوام من خلال اتفاق نوايا حسن، وُقّع بين مجلس العلاقات الاقتصادية الخارجية التركية (DEİK) وأحد المصارف، إلى تسهيل وتحسين العلاقات التجارية والاستثمارية بين تركيا والهند. وقد أعقب هذا الاتفاق تصريح للسفير الهندي في تركيا، فيراندير باول، أعرب فيه عن تفاؤله الكبير بشأن مستقبل العلاقات بين نيودلهي وأنقرة، مشيراً إلى أنهم يستهدفون بلوغ 20 مليار دولار من المبادلات التجارية.

وأضاف أن تركيا والهند تمتلكان إمكانات هائلة ورغبة مشتركة في توسيع التعاون عبر جهود مشتركة وحوار مستمر. وأشار السفير إلى أن الموقع الجغرافي لتركيا، وهويتها الأوروبية-الآسيوية، يفتحان آفاقاً جديدة للتعاون بين البلدين، على أساس الثقة والتفاهم والاحترام المتبادل.

من جهته، يرى الباحث في مركز "إكوبلتيك" في إسطنبول إسلام أوزجان في حديث لـ"العربي الجديد"، أن تركيا تفضل عدم تصعيد الحروب لما لها من آثار إنسانية واقتصادية تمتد لسنوات، وهي حريصة على التقارب والحلول، كما هو الحال في علاقاتها مع أوكرانيا وروسيا. لكنها في الوقت ذاته، تتمسك بحلفائها وحقوقهم، حتى قبل النظر إلى العلاقات التجارية أو حجم التبادل. وفيما يتعلق بالعلاقة مع باكستان، أضاف أوزجان أن إسلام أباد تُعد شريكاً استراتيجياً لتركيا، رغم أن حجم التبادل التجاري والاستثمارات لا يزال محدوداً وأقل من التبادل مع الهند، لكنه أكد أن المسألة لا تُقاس دائماً بالمصالح المادية فقط.

وكان رئيس مجلس الأعمال التركي-الباكستاني في مجلس العلاقات الاقتصادية الخارجية، أتيلا دمير يرلي قايا، قد أكد أن تركيا تُعد من أكبر المستثمرين الأجانب في باكستان، بعد أن تجاوزت استثماراتها المباشرة هناك مليار دولار. وأضاف يرلي قايا، بعد زيارة الرئيس التركي إلى باكستان في فبراير/شباط الماضي، أن الهدف هو رفع حجم التجارة الثنائية إلى 5 مليارات دولار، مشيراً إلى استمرار جهود بناء جسور التعاون بين رجال الأعمال الأتراك والباكستانيين لتحقيق هذا الهدف، وخاصة في قطاعات الصحة، والخدمات الطبية، والصناعات الدوائية، والتكنولوجيا، والبرمجيات، وتكنولوجيا المعلومات.

قراءة المقال بالكامل