بالتزامن مع تجاهل واشنطن لتل أبيب في سلسلة مواقف متتالية، أبرزها التفاوض مع إيران وحماس ورفع العقوبات عن سورية، بدأ قادة الاحتلال يتحسّبون من قطع المساعدات الأميركية ويتساءلون: هل من الممكن فطام إسرائيل وتخلّيها عن المعونة والمساعدات المليارية الأميركية؟
خرج رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في نوبة غضب من التصرفات الأميركية التي تتجاهله، ليقول يوم 11 مايو/ أيار الجاري، إن إسرائيل يجب أن "تفطم" نفسها عن المساعدات العسكرية الأميركية، رغم أنها تخوض حربًا ممولة أميركيًّا في غزة، ما أثار سخرية محللين واقتصاديين إسرائيليين لصعوبة تحقق ذلك.
وقال نتنياهو: "نتلقى ما يقارب 4 مليارات دولار من أميركا لشراء الأسلحة، وأعتقد أننا سنصل إلى مرحلة نتوقف فيها عن الاعتماد عليها، كما توقفنا عن الاعتماد على المساعدات الاقتصادية" متجاهلًا مليارات الدولارات التي تدفقت من أميركا على إسرائيل منذ نشأتها، والتي تقدرها تقارير دولية بأكثر من 250 مليار دولار.
المحلل الاقتصادي الإسرائيلي حجاي عميت كتب في صحيفة هآرتس ذي ماركر في 14 مايو أن إسرائيل لا يمكنها الفطام عن المعونة الأميركية، لأن وقف هذه المساعدات عن تل أبيب معناه "ألم كبير لاقتصاد إسرائيل، ويمكن أن يؤثر على كل الشرق الأوسط ويجعله مختلفًا". وقال إن "الحرب المستمرة في غزة ومع جبهات أخرى، كانت الدليل الدامغ على اعتماد إسرائيل على الولايات المتحدة، عسكريًّا واقتصاديًّا".
وأوضح أنه ما بين الأعوام 1950 – 2022 اشترت إسرائيل سلاحًا أميركيًّا بمبلغ 53 مليار دولار، ولم تدفع ثمنه، بل دفعته الإدارة الأميركية بواسطة مساعدات وأموال حولتها الولايات المتحدة لإسرائيل، وهو رقم يختلف عن إجمالي المعونة التي حصلت عليها إسرائيل في الفترة نفسها. حيث قدر "مشروع تكاليف الحرب" التابع لمعهد "واتسن للشؤون المحلية والدولية" بجامعة براون الأميركية، أن إسرائيل حصلت على 251.2 مليار دولار منذ عام 1959، وأكد أنها أكبر متلق للمساعدات العسكرية الأميركية في التاريخ.
وأبدى المحلل الإسرائيلي انزعاجه من قول نتنياهو إن على إسرائيل الفطام من المعونة العسكرية الأميركية، في الوقت الذي تشتري فيه السعودية أكبر صفقة سلاح في تاريخها، بمبلغ 142 مليار دولار من أميركا، وهي ليست في حالة سلام مع إسرائيل. وقال إن حجم هذه الصفقة يعادل تقريبًا كل ما اشترته السعودية من سلاح في الأعوام 1950 – 2022، حيث اشترت المملكة سلاحًا أميركيًّا بمبلغ 164 مليار دولار في هذه الفترة، وفق "هآرتس".
وهذا بخلاف شراء قطر والإمارات سلاحًا أميركيًّا في الأعوام 1950 – 2022 بقيمة 70 مليار دولار. وبينت التقارير الإعلامية أن حرب غزة أظهرت أن إسرائيل في حاجة إلى مساعدات أميركية أكبر بكثير، حيث أنفقت الولايات المتحدة 23 مليار دولار على مساعدات لإسرائيل ونشاطات تتعلق بالحرب، وهو مبلغ يعادل تقريبًا ستة أضعاف المساعدات العادية التي تحصل عليها إسرائيل سنويًّا.
وأكدت أن الحديث لا يدور فقط عن مساعدات مالية مباشرة، حيث تم فتح مخازن السلاح التي تمتلكها أميركا في إسرائيل خلال الحرب، وشمل ذلك سلاحًا وذخيرة بمبلغ 4.4 مليارات دولار. كما تم تزويد إسرائيل بمنظومات دفاع مثل الصواريخ بمبلغ 4.5 مليارات دولار، ومنظومة القبة الحديدية والذخيرة لها بمبلغ 1.2 مليار دولار، وسرّعت الولايات المتحدة إنتاج القنابل لصالح إسرائيل بمبلغ مليار دولار تقريبًا، وعززت القوات الأميركية التي واجهت الحوثيين لمنعهم من قصف إسرائيل بمبلغ 5 مليارات دولار.
وتؤكد "هآرتس ذي ماركر" أن 70 % من نشاطات إسرائيل الأخيرة في الحرب تم تمويله من الولايات المتحدة، وأن حجم المساعدات الأميركية الحالي هو الذي مكن إسرائيل من إدارة الحرب لسنة ونصف السنة بدون أن تسعى إلى اتفاق لوقف النار. وكتب عميت: "لو كانت إسرائيل تطمح إلى إدارة الحرب الحالية بدون هذه المساعدات، أي على حسابها، لوجدت نفسها غارقة في ديون ضخمة، من شأنها أن تدخلها إلى أزمة اقتصادية عميقة، وترفع الفائدة بشكل حاد على ديونها، ويتدهور اقتصادها لسنوات عديدة".
وتابع أن الشروط المالية للمساعدات السنوية العادية التي تعطيها الولايات المتحدة لإسرائيل هي "شروط حالمة"، فهناك "خط نقدي مرن وقابل للوصول إلى إسرائيل" فورًا. والمساعدات الثابتة يتم تحويلها دفعة واحدة في بداية السنة المالية، ما يوفر على الدولة دفع الفائدة، كما أن إسرائيل تشتري طوال سنوات صفقات ضخمة لشراء الطائرات والمروحيات، وهي تعتمد على المساعدات لدفع ثمنها.
