انطلاق العلاقات السورية ـ الأميركية: ما حدودها وبأي شروط؟

منذ ٢ ساعات ١٥

شكّل إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترامب خلال زيارته إلى السعودية رفع العقوبات المفروضة على سورية، ومن ثم اجتماعه مع الرئيس السوري أحمد الشرع يوم الأربعاء الماضي، نقلة نوعية ليس في مسار العلاقات السورية ـ الأميركية بل في التفكير الأميركي، وترامب بالذات، حيال الملف السوري بعدما كانت خطته الوحيدة حيال سورية تتجلى في الإسراع في سحب القوات الأميركية من هذا البلد، وتركه وشأنه. وبرز قول ترامب، أمس الجمعة للصحافيين على متن الطائرة الرئاسية بعد مغادرته أبوظبي، إنه لم يستشر إسرائيل في قرار الاعتراف بالحكومة السورية الجديدة. واستطرد قائلاً: "لم استشرهم في ذلك، اعتقدت أنه كان القرار الصحيح، وحظيت بالكثير من الإشادة عليه، نريد النجاح لسورية".

لقاء روبيو والشيباني

وبعد تصريحات ترامب في السعودية يومي الثلاثاء والأربعاء الماضيين، تسارعت خطوات المسؤولين الأميركيين، الذين فوجئوا كما يبدو بقرار رفع العقوبات، للعمل على ترجمته على أرض الواقع، فيما التقى وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو، الخميس الماضي، في أنطاليا التركية، نظيره السوري أسعد الشيباني بحضور وزير الخارجية التركي هاكان فيدان، الذي غادر الاجتماع الثلاثي تاركاً الوزيرين الأميركي والسوري بمفردهما، بحسب ما ذكرت وكالة الاناضول التركية. وفي تصريح للصحافيين، قال الوزير الأميركي إن بلاده ستصدر إعفاءات أولية من العقوبات القانونية المفروضة على سورية، مضيفاً أن الولايات المتحدة تسعى إلى دعم جهود السلام والاستقرار في سورية، ومساعدة السوريين على إعادة بناء بلادهم. ولفت روبيو إلى أن "الإدارة السورية الجديدة تريد السلام مع جميع جيرانها وطلبت منا المساعدة في بعض القضايا وسنقدمها لها". وأضاف: "في حال أحرزت سورية تقدماً، سنطلب من الكونغرس إلغاء العقوبات بصورة دائمة".

ملفات مطلوب إحراز تقدم فيها

وفي إشارة إلى الملفات المطلوب من الإدارة السورية إحراز تقدم فيها للمضي في رفع العقوبات بوتيرة أوسع، رحب روبيو بـ"دعوات الحكومة السورية للسلام مع إسرائيل"، و"الجهود المبذولة لإنهاء النفوذ الإيراني في سورية" و"الالتزام بالكشف عن مصير المواطنين الأميركيين المفقودين أو القتلى في سورية" و"القضاء على جميع الأسلحة الكيميائية". وقالت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الأميركية تامي بروس، في بيان عقب اللقاء، إن روبيو شدد على الأهمية الحاسمة لحماية حقوق الإنسان لجميع السوريين بغض النظر عن عرقهم أو دينهم.

رضوان زيادة: تطبيع العلاقات السورية ـ الأميركية يحتاج إلى فتح السفارات

بدوره، علق الشيباني على اللقاء معتبراً، في تغريدة له على "إكس"، أنه كان اجتماعاً "مثمراً وبنّاء". وأضاف: "وضعنا لبنة مهمة في بناء علاقات استراتيجية متقدمة مع الولايات المتحدة بما يخدم مصالح شعبنا ويعزز حضورنا الإقليمي والدولي". وفي تصريحات أخرى لـ"الإخبارية السورية"، قال الشيباني إن روبيو أبلغه أن ترامب "رجل عملي، وهو مهتم بالوضع في سورية"، مشيراً إلى الاتفاق مع الجانب الأميركي على تشكيل فرق تقنية ستجتمع بعد أسبوع لتُزال العقوبات بشكل سريع. وقال الشيباني إن الجانب الأميركي أبلغهم أنه يريد سورية "دولة موحدة وقوية"، وأنهم يريدون قبل نهاية ولاية ترامب أن يروا سورية قد انتهت من إعادة الإعمار، وعاد إليها السوريون المهجرون. وحول تفسيره التحوّل الأميركي حيال سورية، قال الشيباني إن سورية ليست دولة هامشية، ولديها مصالح مشتركة مع الجميع بمن فيهم الولايات المتحدة.

ورأى الناشط السياسي السوري المقيم في الولايات المتحدة أيمن عبد النور، في حديث مع "العربي الجديد"، أن الملفات العالقة بين الطرفين الآن هي النقاط الثماني التي قدمتها الولايات المتحدة للجانب السوري الشهر الماضي، وتتعلق عموماً بما تحدث عنه روبيو، إضافة إلى موضوع المقاتلين الأجانب والفصائل الفلسطينية في سورية، فضلاً عن الطلب الذي تحدث عنه ترامب خلال لقائه مع الشرع، وهو تولي دمشق الإشراف على السجون في شرق سورية التي تضم مقاتلي وعائلات تنظيم داعش والتي تتولاها الآن قوات سوريا الديمقراطية (قسد). وأضاف عبد النور أن الولايات المتحدة تريد جواباً بالإيجاب على هذه النقاط، وأن تُنفَّذ جميعاً قبل نهاية يونيو/حزيران المقبل، أي قبل اجتماع اللجنة المقرر أن تجتمع مطلع يوليو/تموز للنظر في مدى استجابة الحكومة السورية لهذه المطالب، كما كان مقرراً سابقاً، أي قبل قرار ترامب رفع العقوبات.

وأعلن وزير الخزانة الأميركي سكوت بيسنت، عبر حسابه على منصة "إكس" في 14 الشهر الحالي، أن وزارته تتخذ خطوات لتخفيف العقوبات بهدف استقرار الوضع، و"مساعدة سورية على التحرك نحو السلام".

وضع العلاقات السورية ـ الأميركية في مسار ثنائي

من جهته، قال الباحث السوري رضوان زيادة إن قرار رفع العقوبات يضع العلاقات السورية ـ الأميركية في مسار ثنائي، لكن رفع العقوبات مسار مختلف عن تطبيع العلاقات. وأضاف زيادة لـ"العربي الجديد": "رفع العقوبات يحتاج إلى قرارات تنفيذية، وبدأت وزارة الخارجية ومجلس الأمن القومي ووزير الخزانة أخذ إجراءات من أجل تنفيذ هذا القرار". وتابع: "أما تطبيع العلاقات السورية ـ الأميركية فإنه يحتاج إلى إجراءات أخرى مثل الاعتراف وفتح السفارات، وهذه قضايا قد تسير بشكل متوازٍ أو متتابع، بناء على ما يتحقق في المسار الأول".

غازي دحمان: ترامب وجد في الملف السوري فرصة استثمارية على صعيد السياسة الخارجية بلا مخاطر

ورأى مراقبون أن قرار الإدارة الأميركية الانفتاح على الحكم في سورية ينسجم مع رغبة ترامب في تحقيق "إنجازات" سريعة في السياسة الخارجية، بعد التعثر الحاصل في جهوده لوقف الحرب في أوكرانيا، وفي غزة، فضلاً عن إخفاقات أخرى في سياسته الخارجية. وقال المحلل السياسي غازي دحمان، لـ"العربي الجديد"، إن الملف السوري الذي كان مهملاً في تفكير ترامب لوقت قصير، وجد فيه اليوم "فرصة استثمارية" على صعيد السياسة الخارجية، بلا مخاطر، باستثناء اعتراضات إسرائيل المعهودة. ولفت دحمان إلى أن توتر العلاقة بين ترامب ورئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو ربما أسهم في اتخاذ قرار رفع العقوبات وتجاهل التحذيرات الإسرائيلية في هذا الصدد. واعتبر أن السياستين الأميركية والإسرائيلية غير متطابقتين في سورية، ولدى واشنطن اعتبارات ومصالح أوسع من التقييدات التي تحاول إسرائيل حصرها فيها. وتوقع أن يُحرَز تقدم خلال الفترة المقبلة في العلاقات السورية ـ الأميركية، لكن الوصول إلى علاقات متميزة واستراتيجية سوف يحتاج إلى سنوات إذا سارت الأمور على وتيرة حسنة بين الطرفين.

قراءة المقال بالكامل