على الرغم من دخول اتفاق وقف إطلاق النار في قطاع غزة أسبوعه الثاني على التوالي بين الفصائل الفلسطينية والاحتلال الإسرائيلي، إلا أن آلاف الصيادين الفلسطينيين لا يزالون غير قادرين على الولوج إلى البحر لممارسة مهنتهم التي حرمهم الاحتلال منها على مدار أكثر من 15 شهراً هي عمر حرب الإبادة.
وفور الإعلان عن اتفاق وقف إطلاق النار في غزة، أصدر الاحتلال سلسلة من القرارات الموجهة للفلسطينيين في القطاع، من أبرزها منع السباحة عند شاطئ البحر أو الغوص أو النزول لممارسة مهنة الصيد خلال عملية تنفيذ الاتفاق في مرحلته الأولى، فيما يبقى مصير المرحلتين المقبلتين غامضاً إلى الآن.
وحرم الاحتلال آلاف الصيادين الفلسطينيين على مدار فترة الحرب من العمل في مهنتهم التي كانت تشكل مصدراً أساسياً لهم في إعالة عائلاتهم، وحولتهم إلى الاعتماد على المساعدات التي تقدمها الجهات الإغاثية والأممية، التي لم تكن تلبي الحد الأدنى.
وبحسب نقابة الصيادين الفلسطينيين في القطاع، فإن إجمالي عدد العاملين في مهنة الصيد قبل 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023 يبلغ خمسة آلاف صياد، يعملون جميعهم عبر قوارب متعددة الشكل والحجم أو بنظام تشاركي أو من خلال الصيد اليدوي.
ولم يكن الاحتلال الإسرائيلي يسمح قبل حرب الإبادة للصيادين الفلسطينيين بحرية العمل، إذ كان يضع اشتراطات متعلقة بمساحة الصيد، من أبرزها التضييق في المسافات الشمالية بحيث لا تتجاوز مساحة الصيد ستة أميال بحرية، فيما ترتفع إلى 12 في مناطق غزة والوسط وإلى 15 جنوباً في رفح، وهي نسب قليلة للغاية مع متطلبات الصيادين.
ونصت اتفاقية أوسلو، الموقعة بين منظمة التحرير والاحتلال الإسرائيلي عام 1993، على حرية الملاحة البحرية للصيادين الفلسطينيين على مساحة 22 ميلاً بحرياً، غير أن الاحتلال منذ توقيع الاتفاقية لم يلتزم بها، وعمد إلى تقليص مساحات الصيد وملاحقة الصيادين الفلسطينيين في البحر وقتلهم وإغراق مراكبهم.
ورغم التفاهمات التي جرت عدة مرات قبيل الحرب الإسرائيلية المدمرة على القطاع في أكتوبر 2023، إلا أن الاحتلال لم يكن يلتزم بها كثيراً، حيث أبقى على ملاحقة الصيادين، ما تسبب في استشهاد وإصابة العشرات منهم في الفترة ما بين 2017 و2023.
وخلال الحرب الإسرائيلية، دمر الاحتلال عشرات القوارب وأحرقها بالقصف البحري والمدفعي والجوي، فضلاً عن الأضرار التي لحقت بمناطق رسو هذه القوارب والدمار الذي حل بميناء غزة البحري.
وخلال شهور الحرب، كان عدد بسيط لا يتجاوز العشرات من الصيادين يجازف بالعمل عبر الشباك البسيطة من أجل صيد ما يمكن صيده من الأسماك لتوفيرها غذاءً للعائلات، في ظل التجويع الذي استخدمه الاحتلال ضد سكان القطاع.
منع صيادي غزة من نزول البحر
في الأثناء، يقول منسق اتحاد لجان الصيادين في غزة زكريا بكر إن واقع الصيادين بعد الحرب لم يختلف كثيراً بالرغم من دخول وقف إطلاق النار حيز التنفيذ، بسبب منع الاحتلال الإسرائيلي الصيادين من نزول البحر.
ويضيف بكر لـ"العربي الجديد" أن الاحتلال أصدر تعليمات مشددة بعدم الاقتراب من شاطئ البحر، سواء للصيد أو السباحة، وهو ما يبقي قطاع الصيد متوقفاً حتى الآن، وسط ترقب من الصيادين للعودة إلى مهنتهم.
ويوضح منسق اتحاد لجان الصيادين في غزة أن قطاع الصيد شهد توقفاً كاملاً على مدار عام ونصف عام تقريباً، وهي المدة الأطول في تاريخ هذا القطاع من ناحية التوقف عن العمل بشكل كلي جراء حرب الإبادة.
وحسب بكر، فإن الاحتلال دمر كل مقومات الحياة للصيادين الفلسطينيين عبر تدمير بيوتهم وممتلكاتهم ومراكبهم، فضلاً عن أن 85% من الصيادين الفلسطينيين نزحوا من مناطق غزة والشمال باتجاه المناطق الوسطى والجنوبية للقطاع.
وبشأن الخسائر التي طاولت قطاع الصيد، يلفت منسق اتحاد لجان الصيادين إلى أن الخسائر غير المباشرة بفعل التوقف عن العمل تقدر بنحو 120 مليون دولار، فضلاً عن تدمير الاحتلال 95% من ممتلكات الصيادين وجميع المعدات المتعلقة بقطاع الصيد.
ويرجح أن يصل إجمالي خسائر قطاع الصيد بعد انتهاء مرحلة حصر الأضرار إلى أكثر من 200 مليون دولار، حيث دمر الاحتلال ميناء غزة البحري وغرف ومخازن الصيادين والمرافق المرتبطة بهذا الميناء الوحيد في القطاع.
ووفقاً لبكر، فإن القطاع يوجد فيه 96 قارباً كبيراً، ما يعرف فلسطينياً بـ"اللنش"، دمرت جميعها، ولم يبق منها إلا قارب كبير واحد، جراء حرب الإبادة الإسرائيلية وعمليات القصف التي طاولت قطاع الصيد خلال 15 شهراً.
وحسب منسق اتحاد لجان الصيادين، فإن قطاع الصيد سيحتاج إلى سنوات طويلة للعودة إلى نفس المستوى الذي كان عليه قبل الحرب الإسرائيلية، وسيعتمد على وسائل بدائية وبديلة للتعامل مع الواقع الذي أفرزته الحرب.
ووفقاً لإحصائيات اتحاد لجان الصيادين في غزة، فإن 150 صياداً فلسطينياً قضوا خلال حرب الإبادة الإسرائيلية، منهم 45 كانوا يعملون على مراكب صغيرة قرب شواطئ مدينة غزة خلال العدوان الإسرائيلي على القطاع من أجل تأمين بعض الغذاء لهم ولعائلاتهم.
