بلال شلش.. محاكمة بتُهمة المسّ بأمن الاحتلال

منذ ٢ أيام ٢٦

يبحث بلال شلش، الذي اعتقلته قوات الاحتلال الإسرائيلي من منزله في حيّ عين مصباح بمدينة رام الله الأربعاء الماضي، في أرشيف منسيّ من الوثائق والمذكرات والمقابلات الشخصية، وغيرها من النصوص الأولية بموازاة دراسته للمصادر التاريخية المدوّنة، سعياً إلى بناء سردية لتاريخ فلسطين المعاصرة وحركتها الوطنية خلال أكثر من قرن مضى. 

أولى جلسات التحقيق مع شلش كانت أمس الأحد، وفي حديثه إلى "العربي الجديد"، يشير المحامي خالد محاجنة إلى أنه سيمثُل أمام محكمة "سجن عوفر" بعد غدٍ الأربعاء لتمديد فترة اعتقاله غالباً، حيث وُجّهت إليه تهمة "المسّ بأمن المنطقة" (الضفة الغربية)، علماً بأن ظروف الاعتقال غير إنسانية حيث لم يتناول الطعام حتى اليوم بسبب سوء نوعية الغذاء المقدّم لجميع المعتقلين.

استعادة ذاكرة الأفراد ومخطوطاتهم عند الباحث في "المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات" والمؤرخ الفلسطيني، تنطلق من رؤيته في فهم تاريخ المقاتلين الفلسطينيين الذي واجهوا الاستعمار البريطاني منذ عام 1917، من خلال مسارين أساسيّين؛ استمرارية الفعل المقاوم ضمن أجيال متعاقبة داخل العائلة الواحدة في امتداد لـ"ميراث الدم والسلاح"، كما يطلق عليه شلش، وانبعاث المقاومة في لحظة استثنائية من الرماد مثلما حدث في ثورة القسام وانتفاضة الأقصى سنة 2000.

وثّق في مؤلفاته مواجهة شرسة خاضها الفلسطينيون والعرب عام 1948

في أثناء إعداده لأطروحة الماجستير في التاريخ عام 2015، ينتبه شلش خلال قراءته ليوميات بن غوريون التي تورد إخفاقات العصابات اليهودية وتعرّضها لخسائر أمام مقاومة أهل عدد من المدن والبلدات الفلسطينية لم يتمّ توثيقها، مثلما وقع في مدينة يافا التي فشل الصهاينة في احتلالها نتيجة قتالٍ بدأ في ديسمبر/ كانون الأول 1947 واشتدّ في فبراير/ شباط من العام اللاحق، وهو يعيد التساؤل حول كتابة تاريخ النكبة التي ركّزت على التهجير والتطهير العرقي ولم تدوّن تفاصيل مواجهة طويلة وشرسة خاضها الفلسطينيون والعرب وتضحياتهم الكبيرة.

منعطف قاد الباحث المعتقَل إلى العودة إلى وثائق تاريخية منها رسائل وتقارير وتعميمات، وتصريحات وبيانات، وشكاوى ومطالبات، وسجلات تضم قوائم بأسماء المقاومين والشهداء في معارك استمرت نحو ثلاثة أشهر، ضمّنها في كتابه "يافا دمٌ على حجر... حامية يافا وفعلها العسكري دراسة ووثائق" (جزآن/ 2019)، مبيّناً أن المدينة شهدت عشر جبهات قتال ضدّ العدو في ذروة مقاومتها، وأن معظم الوقائع تتقارب في سردها سواء في أرشيف العدو، أو في الوثائق الفلسطينية المقابِلة.

ويخلص شلش في قراءته المجهرية للتاريخ إلى أن هناك روايات متعدّدة ومتوازية تشكّل في مجملها حرب النكبة، وبذلك لا يمكن الركون إلى أن الهزيمة كانت حتمية وقدرية بالنظر إلى تعرُّض الصهاينة لهزائم في مناطق مقابل احتلالهم مناطق أُخرى، وأن هناك أسباباً مادية لدراسة مآلات كلّ معركة، وأن مجريات المعارك لم يوضع خلال سياق متكامل، إذ إن قدرة حامية يافا على الصمود وتأخر سقوطها حتى مطلع مايو/ أيار 1948، حال دون احتلال القدس بحسب مراجع تاريخية عدّة، وأن دولة الاحتلال فور إنشائها لم تمتلك القوة والاستعداد لاستكمال قتالها، فلجأت إلى توقيع الهدنة في إبريل/ نيسان 1949.

منهجيةٌ يتّبعها الباحث الفلسطيني في اشتغاله أوراقاً ومذكّرات شخصية من خلال استقصائه للأحداث والشخصيات التي أضاءتها، في مصادر تاريخية موثقة، من أجل الانتقال بنصوصها السيرية لتصبح تأريخاً مدوّناً، كما في مؤلفاته: "إلى المواجهة... ذكريات عدنان مسودي عن الإخوان المسلمين في الضفّة الغربية وتأسيس حماس" (2013)، و"سيدي عمر... ذكريات محمد أبو طير في المقاومة وثلاثة وثلاثين عاماً من الاعتقال" (2017)، "داخل السُّور القديم... نصوص قاسم الريماوي عن الجهاد المقدّس، تحقيق ودراسة" (2020)، وكتاب "شيءٌ عابر... نابلس تحت الاحتلال (حزيران/ يونيو 1967 - آذار/ مارس 1969): مذكرات ووثائق حمدي طاهر كنعان" (2023).

مشروع آخر انخرط فيه شلش يتمثّل في عمله في مشروع بحث القضية الفلسطينية وتوثيقها الذي أطلقه "المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات" عام 2016، ويشتمل على أرشيف رقمي متكامل يضم مجموعة من الصور والبيانات والوثائق والصحف والمجلات والدوريات، ومئات الشهادات والتسجيلات الصوتية والمرئية لمحطات مهمة في تاريخ فلسطين وحركتها الوطنية في جغرافيا البلاد وشتاتها عبر الزمن الممتد، ويخضع لتحديث مستمر. وتطوّر العمل في المشروع وصولاً إلى إطلاق موقع "ذاكرة فلسطين" في يناير/ كانون الثاني 2023، والذي يضمّ أكثر من مليون وثيقة تاريخيّة ومن حقبٍ مختلفة.

قراءة المقال بالكامل