أطلقت بلدة «بيني» الإيطالية الواقعة في قلب منطقة أبروتسو وسط البلاد، والتي يعود تاريخها إلى قرون مضت، مبادرة فريدة لبيع منازلها المهجورة بسعر رمزي يعادل «يورو واحد» فقط - أي ما يوازي ثمن فنجان قهوة «إسبريسو»- في محاولة لجذب سكان جدد وإعادة الحياة إلى شوارعها القديمة، والتي تبرز كمثال حي على المبادرات الجريئة التي تتبناها البلدات الريفية لمواجهة أزمة هجرة السكان وإحياء جذورها التاريخية.
تعاني «بيني» مثل العديد من القرى الإيطالية، من تراجع عدد سكانها بسبب الهجرة المستمرة نحو المدن الكبرى أو الخارج، وبعد الحرب العالمية الثانية، دمر القصف جزءًا من تراثها المعماري، مما دفع العديد من العائلات الزراعية إلى البحث عن فرص أفضل في أماكن مثل الولايات المتحدة وبلجيكا وفنزويلا، وفي سبعينيات القرن الماضي، شهدت البلدة موجة هجرة أخرى، تاركة وراءها منازل حجرية مهجورة تحكي قصص أجيال مضت.
وتتميز عملية بيع المنازل الرخيصة بكونها أفضل للمشترين، إذ ليس هناك حاجة لدفع ضمان، بل التزام المشتري فقط بإعادة تصميم المنزل الذي سيشتريه، ومنذ انطلاق برنامج بيع المنازل الرخيصة في عام 2022، بيعت 6 منازل، غالبيتها لأشخاص من الجنسية الإيطالية.
وذكر عمدة بلدة بيني وأحد أبناء البلدة «جيلبرتو بيتروتشي» أنه اتخذ خطوة استباقية لإنقاذ مسقط رأسه، واصفا الحي القديم بـ«متحف في الهواء الطلق» مشيرا إلى جمال العمارة التي تمزج بين الطراز القوطي والعصور الوسطى، ومن هنا، جاءت فكرة بيع المنازل المهجورة بسعر زهيد لتشجيع الوافدين على الاستثمار في ترميمها وإعادة إحيائها.
ما يميز مبادرة «بيني» عن غيرها من المبادرات المشابهة في إيطاليا هو مرونة شروطها، على عكس البلدات الأخرى التي تطلب عادةً دفع عربون يراوح بين 2000 و 5000 يورو كضمان للترميم، إلا أنه تكتفي «بيني» بالتزام المشتري بإعادة تصميم المنزل خلال ثلاث سنوات دون أي ضمانات مالية مسبقة، وهو ما وصفه عمدة البلدة قائلا: «نريد دعم أولئك الذين يأتون لإحياء الحي القديم، وليس تعقيد الأمور عليهم».
أما بالنسبة لمن لا يرغب في تحمل عبء الترميم، تقدم البلدة أيضا منازل صالحة للسكن بأسعار تبدأ من 40 ألف يورو (نحو 42 ألف دولار أمريكي)، مما يجعلها وجهة جذابة للباحثين عن حياة هادئة وسط الطبيعة والتاريخ.
رغم جاذبية العرض تواجه المبادرة تحديات، أبرزها حالة بعض المنازل التي تحتاج إلى استثمارات كبيرة لتجديدها، ومع ذلك، يبقى الأمل معلقًا على نجاح هذه الخطوة في جذب أفراد وأسر جديدة، خصوصا مع الترويج للبلدة كوجهة سياحية وثقافية تحتفظ بتراثها الروماني والعصور الوسطى، مما يجعل قصة بلدة «بيني» تمثل نموذجًا ملهمًا لكيفية استغلال المبادرات الاقتصادية البسيطة للحفاظ على الهوية الثقافية ومواجهة التحديات الديموغرافية.