بنك ثري متعدد الأنشطة داخل بيت نوال الدجوي

منذ ٣ ساعات ٦

تتداخل الخيوط والأبعاد وتتلخبط الأوراق في قضية سرقة ما يزيد عن 300 مليون جنيه، أي نحو ستة ملايين دولار، من أموال د. نوال الدجوي رئيسة مجلس أمناء جامعة 6 أكتوبر للعلوم الحديثة والفنون MSA من داخل مسكنها، ما بين ما هو إنساني وأمني وقضائي ومالي ومصرفي، بل وسياسي، إذ إن السيدة نوال من القيادات البارزة بحزب "مستقبل وطن" الحاكم ورئيس لجنة التعليم قبل الجامعي في أمانة الحزب وواحدة من أبرز رواد التعليم في مصر لسنوات طويلة، ولديها سمعة متميزة في هذا المجال.

لكن ما يلفت النظر هنا في سرقة هذا المبلغ الضخم هو أن بيت د. نوال الدجوي أو "ماما نوال"، كما يُطلق عليها، تحول إلى ما يشبه بنكاً ثرياً لكن بلا موظفين وعملاء، بنك تتوافر به كل أنواع العملات والمعادن والخزن الحديدية والشيكات المصرفية وفق وسائل إعلام ومواقع مصرية أسهبت في سرد تفاصيل السرقة، وإن كان هذا البنك لا يتعامل مع مودعين ومستثمرين، ولا يتلقى ودائع أو يمنح قروض، بل يمول ذاتياً من الأرباح الرأسمالية التي تحصل عليها السيدة من مشروعاتها واستثماراتها الخاصة والمتنوعة.

فوفقاً لما تلقته الأجهزة الأمنية من معلومات فإن المبالغ المسروقة توزعت ما بين سيولة نقدية بالعملة المحلية بقيمة 50 مليون جنيه، وسيولة بالعملات الأجنبية منها ثلاثة ملايين دولار، و350 ألف إسترليني، بالإضافة إلى المعادن النفيسة فقد ضمت قائمة المسروقات 15 كيلوغراماً من الذهب، هذا ما كُشف حتى الآن.

وإذا كان من المنطقي أن يدخر تاجر جملة في سوق السادس من أكتوبر أو العبور مبلغاً مالياً ضخماً في بيته بسبب طبيعة عمله التي تحتاج إلى سيولة نقدية حالة لسداد قيمة التعاقدات اليومية التي يبرمها، فمن غير المنطقي أن تدخر رئيسة جامعة خاصة عريقة وثرية هي نوال الدجوي كل هذه الأموال في بيتها، وأن تعزف سياسية مصرية مرموقة عن التعامل مع القطاع المصرفي في المحافظة على أموالها الشخصية واستثمارها بشكل آمن. علماً بأن المبلغ المسروق قد يمثل جزءاً صغيراً من ثروتها حيث أن لديها استثمارات ضخمة في مجال التعليم، ومن الرواد الذين استثمروا مبكراً في أنشطة التعليم الخاص والمدارس والجامعات والمستشفيات.

ولا نعرف ما الذي دفعها إلى ادخار كل هذه الأموال في بيتها على الرغم من زيادة المخاطر واحتمالية تعرضها للسرقة وهو ما حدث بالفعل، إلا إذا كان الهدف هو المحافظة على أموالها من الملاحقة القانونية، خاصة أن هناك أكثر من 20 قضية متداولة في درجات تقاضٍ مختلفة منذ أكثر من ثلاث سنوات، على خلفية نزاعات متشابكة تتعلق بإرث العائلة، وأن معظم تلك الدعاوي مقامة من أحفادها الثلاثة الذين يسعون للحصول على نصيبهم من الثروة في وجود الجدة.

حالة رئيس الجامعة الخاصة والثرية نوال الدجوي ليست فريدة من نوعها، فقد كشفت وقائع مختلفة عن تعرض عدد من رجال الأعمال المصريين لسرقة أموال ونهب سيولة نقدية كبيرة من داخل مسكنهم الخاص، وكذا احتفاظ ملايين المصريين بسيولة ضخمة بالجنيه المصري واستثمارها لدى شركات توظيف الأموال والتسويق الإلكتروني التي مارست عليهم جرائم النصب والاحتيال. وكذا استثمارها لدى ما يعرف بظاهرة "المستريح" التي انتشرت في مصر في السنوات الأخيرة وخسر المصريون فيها مليارات الجنيهات.

وهذا ما يجعلنا نطرح هذا السؤال: لماذا يحتفظ بعض رجال الأعمال في مصر وكبار الأثرياء بسيولة نقدية ضخمة خارج القطاع الصرفي ولا يتعامل هؤلاء مع البنوك، لا أظن أن الأمر يرجع لأسباب دينية، إذ إن هناك بنوكاً إسلامية عدة يمكن التعامل معها، كما أن البنوك التقليدية لديها مئات الفروع والنوافذ الإسلامية.

والغريب أن هذا العزوف يحدث على الرغم من أن البنوك تدفع أسعار فائدة عالية سواء على العملة المحلية أو حتى العملات الأجنبية، وأن لديها من الخزن الحديدية ما يكفي لتخزين عشرات الأطنان من الذهب، وليس 15 كيلوغراماً سُرقت من منزل نوال الدجوي، كما أن البنوك تمنح عائداً مرتفعاً على الأموال المودعة لديها بسبب التضخم المرتفع ومحاولة إبعاد المدخرين عن ظاهرة "الدولرة" واكتناز أموالهم بالدولار والنقد الأجنبي.

هل قضية نوال الدجوي هي بمثابة إدانة لبعض المصرفيين أصحاب الياقات البيضاء الذين يفضلون استثمار أموال البنوك في أدوات لا تجلب "وجع الدماغ" وليس بها أي نوع أو درجة من درجات المخاطرة ولا تحتاج أي مجهود في تشغيلها، وفشل للقطاع المصرفي الذي لم يستطع توفير الفرص الاستثمارية المناسبة لتعبئة أموال المجتمع وتنميتها، بل وحمايتها من مخاطر الجرائم المالية وتأكل العملة المحلية المتواصل التي فقدت الجزء الأكبر من قيمتها خلال السنوات الأخيرة بسبب التضخم الجامح والإفراط في الاستدانة الخارجية، بل راح القطاع يركز على إقراض الحكومة والاستثمار في أدوات الدين باعتبارها الأكثر ربحية وضماناً من وجهة نظره، وأكبر دليل على ذلك ما كشفته المراكز المالية لمعظم البنوك واستثماراتها الضخمة في أذون وسندات الحكومة وأن معظم أرباحها ناتج عن هذا النوع من الاستثمار.

قراءة المقال بالكامل