بيت حانون... عودة إلى الحياة رغم المأساة والدمار والخطر

منذ ٢٣ ساعات ١٩

كان حجم الدمار في مدينة بيت حانون صادماً معظمَ الفلسطينيين العائدين إليها، إلا أن ذلك لم يمنعهم من البقاء رغم المعاناة، بل إنهم باتوا يرفضون مغادرتها

رغم الدمار الهائل الذي تعرضت له مدينة بيت حانون أقصى شمال شرق قطاع غزة، إلا أن الآلاف من قاطنيها عادوا إليها بعد توقف الحرب، وأقاموا الخيام على أنقاض بيوتهم المدمرة، في محاولة لبعث الحياة فيها مجدداً. ويقولون إنها رسالة تحدٍّ للظروف القاسية التي لحقت بهم جراء العدوان الإسرائيلي.

وكانت بيت حانون أولى البلدات الفلسطينية في القطاع التي عاشت العدوان الإسرائيلي منذ بدايته في السابع من أكتوبر/ تشرين الأول 2023. وكانت البوابة الأولى التي انطلق منها جيش الاحتلال في العملية العسكرية البرية نحو بقية محافظتي الشمال وغزة، وعاث فيها دماراً كبيراً، ما أجبر سكانها على النزوح خلال الأيام الأولى إلى أماكن متفرقة في محافظات غزة والوسطى والجنوب.

وتعرضت المدينة إلى أكثر من عملية عسكرية خلال الحرب، كان آخرها في الخامس من أكتوبر/ تشرين الأول 2024 في محافظة الشمال، واستمرت لمدة مائة يوم، وكان نصيب بيت حانون منها خلال الأسبوعين الأخيرين. أحكم الاحتلال قبضته على ما تبقى منها، وارتكب فيها مجازر عدة بحق عدد من العائلات الفلسطينية، ما أسفر عن ارتقاء عشرات الشهداء والجرحى، وتدمير أكثر من 95% من المباني فيها، كما ذكرت بلدية بيت حانون في إحصائية لها.

ومنذ دخول اتفاق التهدئة حيز التنفيذ في التاسع عشر من يناير/ كانون الثاني 2025، عاد آلاف السكان إلى المدينة ليُفاجؤوا بحجم الدمار الذي أصابها، فقد دمرت البنية التحتية وباتت المباني عبارة عن أكوام من الحجارة سبّبت إغلاق شوارع رئيسية وفرعية، ما أعاق حركة المواطنين. 

ورغم مرور أكثر من 40 يوماً على اتفاق وقف إطلاق النار، ما زالت قوات الاحتلال المتمركزة على الأطراف الشرقية لبيت حانون تُطلق النار عشوائياً تجاه المواطنين خارقة الاتفاق، ما أسفر عن ارتقاء أكثر من 6 شهداء وإصابة آخرين خلال الأسبوع الماضي، الأمر الذي يزيد مخاوف المواطنين خصوصاً القاطنين داخل خيامهم.

وتقع بيت حانون في أقصى شمال شرق القطاع وتتميز بطبيعتها السهلية التي تضم العديد من الوديان والأراضي الزراعية الخصبة، وتبلغ مساحة أراضيها 17.603 دونماً، منها 12.100 دونم ضمن نفوذ بلدية بيت حانون، و5000 دونم مناطق حدودية، و503 دونمات مخصصة للطرقات والوديان. وكان يمر عبر المدينة خط سكة حديد يربط جنوب فلسطين ببيروت ودمشق وإسطنبول وبغداد والقاهرة.

يؤكّد الناشط أحمد حمدان الذي يقطن في بيت حانون، أن السكان يعيشون ظروفاً صعبة، خصوصاً في الخيام، حيث لا تتوفر أدنى مقومات الحياة، عدا عن استمرار الاحتلال في اختراق الاتفاق في المناطق الشرقية لها، ما يزيد مخاوفهم من أي تقدم مفاجئ لآليات الاحتلال. ويقول لـ"العربي الجديد" إن أكثر من 10 آلاف نسمة على الأقل عادوا إلى بيت حانون منذ دخول اتفاق وقف إطلاق النار حيّز التنفيذ، وأقاموا خيامهم على أنقاض منازلهم في المناطق الواقعة منتصف بيت حانون، حيث يعانون أوضاعاً مأساوية بسبب عدم توفر مياه الشرب الصالحة للاستخدام الآدمي، كما يعتمدون في طعامهم على التكيّات الخيرية بشكل أساسي.

فوجئ الفلسطيني محمد حمد بحجم الدمار الذي ضرب بيت حانون، لكنه رفض الاستسلام وترك منزله المدمر. نصب على أنقاضه خيمة لإيواء عائلته المكونة من ثمانية أفراد. يقول: "اختلفت معالم المدينة بالكامل بسبب الدمار الكبير الذي أصابها، كأن زلزالاً ضربها وقلبها رأساً على عقب". يضيف لـ"العربي الجديد": "نعيش ظروفاً مأساوية وصعبة بسبب عدم توفر أدنى مقومات الحياة. نعتمد على شاحنات المياه التي تأتي إلى المدينة بين فترات متباعدة. وفي بعض الأحيان، أضطر إلى السير قرابة كيلومتر في سبيل الحصول على غالونين من المياه. ورغم كل ذلك، لن نتركها".

ويروي أن الاحتلال لم يترك شبراً في بيت حانون إلا وألحق به الدمار. دمّر البنية التحتية بالكامل وجميع آبار المياه وكل الشوارع الرئيسية والفرعية. ويتحدث عن جهود لحفر آبار مياه جديدة من أجل الحصول على المياه، لافتاً إلى أننا "نعتمد على التكيّات الخيرية للحصول على الطعام، وتزداد المعاناة أكثر مع هطل الأمطار، خصوصاً أن الشوارع طينية".

وما يزيد شعور أحمد بالقلق، اختراق الاحتلال لاتفاق التهدئة وإطلاق النار بشكل شبه يومي، ما أدى إلى ارتقاء عددٍ من الشهداء وإصابة آخرين. يصر الفلسطيني رامي أبو عمشة على البقاء في مدينة بيت حانون التي اختلفت تفاصيلها بالكامل جراء الدمار الذي أصاب كل أبنيتها ومرافقها، فنصب خيمته أمام منزله المدمر. يقول: "لم أكن أتخيل هذا المشهد المُخيف من الدمار في بيت حانون. دمر الاحتلال كل المحلات التجارية والشوارع والأسواق ومناحي الحياة.

يقطن أبو عمشة برفقة عائلته المكونة من ستة أفراد داخل الخيمة، ويوضح في حديثه لـ"العربي الجديد": "الأوضاع مأساوية داخل بيت حانون، وهناك نقص شديد في مياه الشرب والأخرى الخاصة بالاستخدام الآدمي. أضطر إلى قطع مسافة طويلة للحصول على 4 غالونات من المياه، وأنتظر التكيّات الخيرية للحصول على الطعام". يتابع: "ما زلنا نعيش في خطر ونتعرض لإطلاق نار كثيف بشكل شبه يومي وكأن الحرب لم تنتهِ بعد، في اختراق واضح للاتفاق الذي لا يزال سارياً حتى الآن. مع ذلك، لن أنزح أو أترك بيتي المُدمر بالكامل، وسأبقى في الخيمة".

من جهته، يقول الفلسطيني إبراهيم الشنباري: "مدينة بيت حانون أصبحت منكوبة جراء حجم الدمار الذي أحدثه الاحتلال فيها، خصوصاً بعد الاجتياح الأخير الذي طاولها في شهر يناير الماضي. إثر ذلك، نعيش معاناة لا يمكن وصفها نتيجة انعدام مقومات الحياة الأساسية، سواء المياه أو الطعام أو البنية التحتية".

يضيف الشنباري الذي اضطر إلى المبيت في مدرسة بيت حانون الإعدادية التابعة لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا" بعد تدمير منزله بالكامل، لـ"العربي الجديد": "الأوضاع كارثية في بيت حانون والبنية التحتية مُدمرة بالكامل. هناك جهود تبذلها البلدية وبعض المؤسسات الأخرى لحفر آبار مياه جديدة من أجل تلبية احتياجات السكان وتخفيف المعاناة التي يعيشونها".

ويقول: "تزداد الأوضاع صعوبة مع هطل الأمطار، كونها تُغرق بعض الخيام والمدارس المُدمرة جزئياً، يُضاف إلى ذلك حالة عدم الاستقرار التي نعيشها بسبب إطلاق النار الكثيف يومياً، ما يزيد مخاوفنا من عودة اجتياح المدينة مرّة أخرى بشكل مفاجئ". ويأمل أن "تنتهي الحرب بشكل كامل، وتكون الأيام المقبلة مليئة بالأمن والاستقرار بدلاً من الخطر الذي نعيشه حالياً".

وجد المواطن خليل قاسم غرفتين من منزله المُدمّر، وأحاطهما بشوادر من النايلون واضطر إلى المبيت فيهما برفقة عائلته المكونة من سبعة أفراد. يقول: "لم أجد مأوى سوى البقاء في بيتي المدمر الذي لا يصلح للسكن، لكن سأبقى فيه ولن أترك مدينتي التي ترعرعت فيها". ويحكي قاسم لـ"العربي الجديد" عن "الأوضاع المعيشية الصعبة في بيت حانون، وقد ازدادت أكثر مع إغلاق المعبر ومنع إدخال المساعدات إلى قطاع غزة، خصوصاً أن العامل الإغاثي هو الأهم الذي يعيننا على الاستمرار في بقائنا، بسبب تردي الظروف الاقتصادية التي خلّفتها الحرب".

ويؤكد أن مختلف مناطق بيت حانون، خصوصاً الواقعة في المناطق الشرقية، تتعرض لإطلاق نار كثيف يشكّل خطراً كبيراً على جميع القاطنين فيها، خصوصاً النازحين في مخيمات النزوح، الأمر الذي سبّب عودة مسلسل النزوح للعائلات التي تسكن في المناطق الشرقية للمدينة، والقريبة من المنطقة الحدودية.

ويوضح أن منزله يبعد قرابة كيلو و200 متر عن الحدود الفاصلة مع الأراضي المحتلة والتي تتمركز فيها قوات الاحتلال، حيث تعاني تلك المنطقة نقصاً حادّاً في مياه الشرب والأخرى الصالحة للاستخدام الآدمي، ما يدفعه إلى التواصل مع بعض المؤسسات المحلية بغرض إرسال شاحنات مياه إلى السكان في تلك المنطقة.

تجدر الإشارة إلى أن الاحتلال ارتكب مجازر مروعة بحق عائلات بيت حانون مثل عائلات شبات، والمصري، والكفارنة، والزعانين، وغيره، ما أسفر عن ارتقاء عشرات الشهداء والجرحى، كما أدى الحصار والدمار الذي عاشته المدينة إلى خلق ظروفٍ قاسية مع نقص حاد في الاحتياجات الأساسية.

قراءة المقال بالكامل