أقال البيت الأبيض، الأسبوع الماضي، حوالي 100 موظف من مجلس الأمن القومي، وذلك في إطار الإصلاحات الشاملة التي يُجريها الرئيس الأميركي دونالد ترامب في الحكومة الفيدرالية. ويسعى ترامب، بحسب تقارير أميركية، إلى تقليص العدد إلى 50 موظفاً، حيث شهد المجلس تضخماً في عهد سلفه جو بايدن تجاوز 300 موظف. وكان لافتاً أن كثيراً من الموظفين الذين تمّت إقالتهم يصنّفون على أنهم من فريق الصين (مسؤولون عن إدارة الملف الصيني ومتابعته). ففي وقت سابق من شهر مايو/أيار الحالي، تمّت إقالة مستشار الأمن القومي مايك والتز من منصبه بعد مشاركته معلومات سرّية عبر تطبيق الرسائل سيغنال، وتفيد تقارير بأنه اختلف مع ترامب بشأن بعض جوانب السياسة الخارجية. كما تمّت إعادة تعيين أليكس وونغ، وهو من المسؤولين المتشددين تجاه الصين ونائب مستشار الأمن القومي السابق، في منصب آخر.
هذه التغييرات داخل مجلس الأمن القومي الأميركي أثارت تساؤلات في الأوسط الصينية، حول تأثيرها على العلاقة مع بكين في عهد ترامب وفي ظل سياساته المتقلبة. وقالت وسائل إعلام صينية، أمس الأربعاء، إن إقالة مائة عضو من مجلس الأمن القومي قد تؤدي إلى سياسة أقل تقيداً بالمعايير الراسخة، تجاه الصين. ونقلت عن خبراء قولهم إن التغييرات التي أجراها ترامب على مجلس الأمن القومي الأميركي ربما تكون علامة على اعتماده بشكل متزايد على غريزته بدلاً من نصيحة المستشارين حوله، ما قد يزيد من عدم القدرة على التنبؤ بنهج واشنطن تجاه بكين. وأضافت أن هذه التغييرات قد تُشكّل خبراً سيئاً لتايوان، التي قد تجد صعوبة لاحقاً في التواصل مع شخصيات رئيسية في البيت الأبيض.
التغييرات قد تُشكّل خبراً سيئاً لتايوان، التي قد تجد صعوبة في التواصل مع شخصيات رئيسية في البيت الأبيض
ويُعد والتز، عضو الكونغرس الأميركي السابق عن ولاية فلوريدا، منتقداً شرساً لبكين منذ فترة طويلة ويُعتبر من صقور الصين، بينما عمل نائبه وونغ، المتخصص في الشؤون الآسيوية، في وزارة الخارجية الأميركية، مُركّزاً على كوريا الشمالية خلال ولاية ترامب الأولى (2017 -2021). بعد ذلك، ترأس لجنة المراجعة الاقتصادية والأمنية الأميركية الصينية قبل انضمامه إلى فريق ترامب الثاني في يناير الماضي.
سياسة راسخة تجاه الصين
ورأى ليو وانغ، الباحث في العلاقات الصينية الأميركية في حديث لـ"العربي الجديد"، أن إقالة والتز من منصبه، إلى جانب وونغ، المتخصص في الشؤون الصينية، هي أول تغيير كبير في البيت الأبيض بعد بدء الولاية الثانية للرئيس الأميركي دونالد ترامب، وقد جاءت هذه الخطوة قبل نحو 100 يوم من تسلم ترامب السلطة، ما يعكس حالة التخبط داخل الإدارة الأميركية. وأضاف أن ترامب سعى إلى تجنب عملية دوران الموظفين التي شهدها خلال ولايته الأولى، لكنه فشل في ذلك فشلاً ذريعاً، ولتجنب الفضيحة قام بترشيح مايك والتز لمنصب السفير الأميركي الجديد لدى الأمم المتحدة، في محاولة على ما يبدو لإنقاذ ماء وجهه، وإزاحة والتز دون الدعاية السلبية المرتبطة بالإقالة المباشرة.
وعن تأثير هذه الخطوة على العلاقة مع الصين، أوضح ليو وانغ، أنه لا شك أن مايك والتز، ونائبه، هما من صقور الصين، ولديهما مواقف متشددة تجاه الحزب الشيوعي والقيادة الصينية، ولكن هذا لا يعني بالضرورة أن المسؤولين الجدد "حمائم سلام"، فضلاً عن أن السياسة الخارجية الأميركية لا تقوم على أفراد وشخصيات محددة خصوصاً في ما يتصل بالعلاقة مع بكين، لأن هناك استراتيجيات ثابتة للتعامل مع ملفات إقليمية ودولية تقوم أساساً على فكرة التهديد الصيني، مثل الاستراتيجية الأميركية في منطقة المحيطين الهندي والهادئ، والتي تحشد الحلفاء في المنطقة لمحاصرة الصين والحد من تأثيرها الإقليمي والدولي.
نهج فوضوي
من جهته، اعتبر الأستاذ في مركز الدراسات السياسية في جامعة جينان، شياو لونغ، في حديث مع "العربي الجديد"، أن التغييرات الأخيرة التي طرأت على مجلس الأمن القومي الأميركي تعكس النهج الفوضوي الذي يتبعه ترامب في إدارة فريقه، ورسم السياسات الخارجية. وأضاف أن خصوم ترامب السياسيين سارعوا إلى انتقاد نهجه الفوضوي منذ أيامه الأولى في البيت الأبيض، لكن الحقيقة هي أنه على الرغم من أن الرئيس الأميركي قد يُمثل تطرفاً قياساً مع الإدارات الأميركية السابقة، إلا أنه ليس الوحيد الذي يُعاني من غموض في التفكير عندما يتعلق الأمر بالتعامل مع الصين، لأن الثابت الوحيد في كل هذه المتغيرات الأميركية في مدار تعاقب الإدارات بين الجمهوريين والديمقراطيين، هو العداء للصين، فكلما كنت متطرفاً تجاه بكين، ستحظى بثقة الناخبين المضللين بالدعاية الأميركية التي تصوّر الصين للمواطن الأميركي باعتبارها وحشاً وتهديداً وجودياً.
شياو لونغ: الثابت الوحيد في كل المتغيرات الأميركية، هو العداء للصين
وكانت صحيفة غلوبال تايمز الحكومية الصينية، قد اعتبرت في وقت سابق، أن مفتاح حلّ أزمة العلاقات الصينية الأميركية يكمن في العولمة نفسها، فالقوتان العظميان متشابكتان بعمق بالفعل، ولن يؤدي الانفصال القسري إلا إلى استنزاف الطرفين بلا نهاية. وأضافت أن السبيل الوحيد للمضي قدماً هو الحوار المتكافئ، واعتبرت أن الاحترام المتبادل ليس شعاراً دبلوماسياً، بل قاعدة أساسية للبقاء يجب على كلا البلدين الالتزام بها، مشدّدة على أن الصين الحقيقية ليست غامضة ولا مُهددة، وبالتأكيد ليست مُلتزمة بنصّ كتبه آخرون. والمطلوب، برأي غلوبال تايمز، "إزالة الفلاتر الأيديولوجية لبعض السياسيين الأميركيين، ورؤية الصين على حقيقتها".
