أصدرت رئاسة الجمهورية القرار السادس لعام 2025، القاضي بصرف منحة مالية لمرّة واحدة بمناسبة عيد الفطر المبارك، للعاملين في الدولة من مدنيين وعسكريين، ولأصحاب المعاشات التقاعدية المدنيين والعسكريين أيضاً، بما يعادل راتبَ شهر واحد، إذ تشمل هذه المنحة العاملين الدائمين والمؤقتين والمياومين، على أن تعفى من أي ضرائب أو اقتطاعات.
جاءت هذه المنحة في وقت يعاني فيه السوريون من ضعف كبير في السيولة المالية، لا سيّما خلال شهر رمضان، إذ لا تكفي أجور الموظفين سوى لأسبوع واحد فحسب في حال كان استهلاكهم بالحد الأدنى، إذ تتراوح بين حوالى 280 ألف ليرة (25 دولاراً) لموظفي الفئة الرابعة، إلى ما يقارب 336 ألف ليرة (31 دولاراً) للحائزين على شهادة الدكتوراه.
اعتبرت سهام حبيب وهي موظفة حكومية، أن هذه المنحة التي صُرفت لعيد الفطر، لا تكفي لكسوة أولادها الثلاثة، فراتبها يصل إلى 290 ألف ليرة، مستنكرة كيف يجري احتساب المنح بناء على الراتب المتدني باعتراف الحكومة نفسها، إذ كان من المفروض أن تُجرى جولة صغيرة على الأسواق لمعرفة متوسط أسعار الملابس والحلويات وغير ذلك من مستلزمات العيد، وبناء على النتيجة تُطرح المنحة، كي تبعث بعض الفرح في قلوب العوائل المنكوبة اقتصادياً بحسب وصفها، لتعود وتقول بأنه على الرغم من ذلك فإنّ وجودها أفضل من عدمه.
أما بالنسبة لقيس صليبي، وهو أب لطفل واحد، فلن يعتبر أن هذه النقود التي ستصرفُ له هي منحة لعيد الفطر، بل سيستغلّها لشراء ثلاث علب حليب لطفله، لأنّ ذلك أهم من أي عيد بالنسبة له، معبراً عن ذلك بقوله (بحصة بتسند جرة)، فلا يمكن أن يُنظر إلى الأمر من وجهة نظر فردية، فالموضوع أبعد من ذلك ومرتبط بإمكانيات الحكومة التي لديها حسابات أخرى مرتبطة بأعداد الموظفين والكتلة المالية التي تقدر على صرفها لهم.
ولم تكن المنحة مرضية للعائلة السورية نتيجة أولويات أخرى لديها، وزيادة عدد الأفراد، وتبين ديانا محمد، وهي موظفة في إحدى الدوائر الحكومية، وعازبة، أنها تستطيع من خلال تلك المنحة أن تشتري نصف كسوة العيد، أو أن تشتري إحدى مستلزماتها، وغير ذلك، معتبرة أنها جيدة بالنسبة لها، وقد تلبي حاجة معينة إذا قصدت ذلك.
من جهته، بيّن الأستاذ في السياسة النقدية الدكتور علي كنعان، في تصريحه لـ"العربي الجديد" أن متوسط الكتلة النقدية التي ستضخ في الأسواق جراء قرار المنحة يقدّر بحوالى 800 مليار ليرة، كونها تساوي 100% من حجم الرواتب والأجور، وهي ستحرّك عجلة الاستهلاك في الأسواق خلال هذا الشهر، فحاجيات ومتطلبات شهر رمضان وعيد الفطر تكلّف مبالغ كبيرة جداً تفوق قدرة السوريين، لذلك من الممكن أن تخفض هذه المنحة العبء الملقى على كاهل أرباب الأسر، خاصة الموظفين منهم المقيّدة أجورهم بحدود معينة، معتبراً أن هذه الخطوة تعتبر بداية مبشّرة بأن الحكومة بدأت تفكر في حالِ الأجور.
وفي سياق متصل، كشف الأستاذ الجامعي عن معلومات لديه وصلتع من مصادر مطّلعة، بأنه ستجري زيادة أجور السوريين شهرياً بنسبة 100%، لتصل الزيادة إلى 400% وذلك كما وعدت الحكومة المؤقتة منذ حوالى الشهرين، ليصل معدل الراتب إلى نحو 150 دولاراً، مؤكداً أن هذا الأمر هام جداً، ومن شأنه زيادة حجم الاستهلاك في الاقتصاد الوطني، لأن أكثر العاملين سواء في الدولة أو القطاع الخاص يتقاضون رواتب شهرية، وهذا الأمر سينعكس إيجاباً على الإنتاج المحلي، إذ سيشجع المستثمرين على القدوم والاستثمار، وقد عمدت الدول الأوروبية في السنوات السابقة على طرح زيادات مستمرة في الرواتب والأجور، لتشكل حوالى 60% من حجم الدخل القومي، وهذا ما انعكس على حياة المواطنين إيجاباً، أما الدول النامية فهي لا تؤمن بهذه النظرية، وبالتالي تقيّد الأجور في أدنى الحدود، وفي سورية عاش السوريون بأجور متدنية جداً طيلة الـ 14 عاماً الماضية وإلى الآن، إذ تراجعت نسبتها إلى 8% من حجم الدخل القومي، وذلك بالنسبة للقطاع العام، أما إذا أضيفت أجور القطاع الخاص فإن النسبة لن تتجاوز الـ20%، أما النسبة المتبقية من الدخل القومي فهي أرباح وريوع وإيجارات، لذلك فقد تراكمت الثروة بأيدي فئة قليلة من المواطنين، وحصل ما يسمى بالركود التضخمي.
