تظهر الخريطة التفاعلية للمرصد التونسي للمياه أن شكاوى المواطنين في عدد من الجهات بشأن مشاكل المياه لا تزال مستمرة في تونس، رغم تحسن إيرادات السدود التي وصلت نسبة امتلائها إلى نحو 32% من طاقتها الإجمالية، بعد سنوات عجاف أجبرت السلطات على تقسيط الموارد المائية. ومنذ بداية العام الحالي، سجّل المرصد التونسي للمياه 115 احتجاجاً عن مشاكل تتعلق بالمياه سجّل أعلاها في محافظة المنستير شرق البلاد، تلتها محافظات قابس وصفاقس وبنزرت وجندوبة.
وتظل مشاكل المياه قائمة في تونس بالرغم من تحسن إيرادات السدود بعد شتاء ممطر مقارنة بالسنوات الماضية، إذ ارتفعت نسبة امتلاء السدود التي تعد أكبر خزان للمياه السطحية من 19.6% (459.4 مليون متر مكعب) مطلع ديسمبر/ كانون الأول الماضي إلى 31.9% (747.4 مليون متر مكعب) بتاريخ 22 يناير/ كانون الثاني الجاري.
لكن التبليغ عن مشاكل المياه وفق بيانات مرصد المياه أخذ منحى تنازلياً مقارنة بالأشهر الماضية، إذ سجل الشهر الجاري تراجعاً في عدد المشاكل المرصودة إلى 115 مشكلاً مبلغاً عنه مقارنة بـ166 تبليغاً في شهر ديسمبر/ كانون الأول الماضي. ويقول الخبير في التنمية والمياه، حسين الرحيلي، إن "تحسن الموارد المائية خلال فترة الشتاء الحالية ساعد على خفض وتيرة المشاكل المتعلقة بالمياه التي يصل صداها إلى المرصد التونسي للمياه"، مؤكداً أن "الفترات التي تقل فيها الأمطار تشهد معدلات قياسية في الشكاوى والاحتجاجات بسبب نقص الماء". ويضيف الرحيلي في تصريح لـ"العربي الجديد " أن التبليغات عن مشاكل المياه لا تتعلقّ فقط بنقص الموارد بل تعود أيضاً إلى الانقطاعات المفاجئة التي تنجم عن أعطاب الشبكة، وهي متواترة بسبب اهتراء قنوات نقل الماء الصالح للشرب".
وأشار في سياق متصل إلى أن "13 محافظة تونسية فقط من مجمل 24 محافظة تعتمد على مياه السدود للتزود بالماء الصالح للشرب، بينما تعتمد باقي المحافظات على مياه الآبار العميقة والسطحية، وهي أيضا موارد تعززت بالتساقطات المطرية الأخيرة" . ويُرجّح الرحيلي أن يتواصل المنحى التنازلي للتبليغ عن مشاكل المياه، غير أنه مرتبط بقدرة شركة توزيع المياه الحكومية على الحد من الأعطاب والقيام بالأشغال اللازمة لصيانتها قبل قدوم فصل الصيف وارتفاع الحاجيات الوطنية لمياه الشرب.
ووفق سيناريوهات متفائلة، يتوقّع الخبير في التنمية والمياه حسين الرحيلي، أن تسجل سدود تونس زيادة هامة في مخزون المياه قد يصل إلى 45 % من نسبة امتلائها العامة. وأضاف: "لم تعلن السلطات رسمياً عن رفع التدابير التقشفية في إدارة الموارد المائية لكنها لم تعد تنفذ القطع الدوري لمياه الشرب، وسيساعد ذلك على تراجع الاحتجاجات والمشاكل التي يسببها نقص الماء صيفاً".
ومن المتوقع أن تزيد النسبة أكثر بفضل أمطار مرتقبة نهاية الشهر الحالي، وفق إحصائيات الإدارة العامة للسدود والأشغال المائية الكبرى. وتأتي هذه التطورات الإيجابية بينما تتبع تونس إجراءات حازمة أقرتها الحكومة منذ 6 مارس/آذار 2023 لترشيد استهلاك المياه، في ظل تهديدات جدية بعطش كان على الأبواب جراء تعاقب سنوات الجفاف. وعادت الحياة إلى السدود بفعل الأمطار الأخيرة، التي زادت في نسبة امتلاء سدود الشمال إلى 38% وهي سدود هامة في توفير حاجيات البلاد من مياه الشرب وري القطاع الزراعي وتنقل مواردها إلى الشريط الساحلي ووسط البلاد.
يُذكر أن المرصد التونسي للمياه هو مشروع جمعياتي يُعنى بالنظر في كلّ الإشكاليات والقضايا المتعلقة بحق الولوج للمياه في تونس واستنادا على العديد من الآليات، ويتجسد دور المرصد أساسا في التأثير في السياسات والممارسات المتبعة، إضافة إلى رصد و متابعة مدى تطبيق الالتزامات الوطنية والدولية لكافة الأطراف المتدخلة في قطاع المياه بهدف العمل على تحسين ظروف ولوج مختلف الفئات الريفية والحضرية للخدمات المائية والصرف الصحي.
