تداعيات وقف المساعدات الأميركية على شرق وجنوب آسيا

منذ ٢ شهور ٤٤

أثار قرار الرئيس الأميركي دونالد ترامب تجميد المساعدات الأميركية الخارجية لمدة ثلاثة أشهر تمهيداً لاحتمال وقفها بشكل كامل، قلق العديد من المنظمات الإنسانية في العالم من بينها تلك في شرق وجنوب آسيا. وعقب وصوله للبيت الأبيض في 20 يناير/ كانون الثاني الجاري، أمر ترامب بتجميد المساعدات الأميركية الخارجية التي تمولها عادة وزارة الخارجية والوكالة الأميركية للتنمية الدولية (يو أس إيد)، مدة 90 يوماً "للتقييم"، ولتحديد ما إذا كان ينبغي الإبقاء عليها أو تعديلها أو إلغاؤها.

في أعقاب ذلك أمرت وزارة الخارجية الأميركية، الجمعة الماضي، بتجميد شامل للتمويل الجديد لجميع المساعدات الأميركية الخارجية الأميركية تقريباً، باستثناء المساعدات العسكرية لإسرائيل ومصر. ثم عاد وزير الخارجية ماركو روبيو، وأصدر الثلاثاء الماضي، إعفاء من تعليق "المساعدات الإنسانية المنقذة للحياة"، لتشمل "الأدوية الأساسية المنقذة للحياة، والخدمات الطبية، والغذاء، والمأوى، والمساعدة المعيشية، بالإضافة إلى الإمدادات والتكاليف الإدارية المعقولة". تهدف المراجعة الأميركية تحديد أي من آلاف البرامج الإنسانية والتنموية والأمنية ستستمر في الحصول على أموال من الولايات المتحدة. وبعد يوم واحد من الإعلان عن القرار الأميركي، بدأت برامج المساعدات التي تمولها الولايات المتحدة في جميع أنحاء العالم في تسريح الموظفين وإغلاق العمليات أو الاستعداد لوقفها، كما وضعت بعض المؤسسات موظفيها بالفعل في إجازة غير مدفوعة الأجر، فيما يتوقع العديد من العمال الحصول على إجازة مؤقتة في الأسابيع المقبلة، إن لم يتم تسريحهم.

المساعدات الأميركية شرق وجنوب آسيا

من بين 68 مليار دولار أميركي من المساعدات الخارجية (حوالي 1% من ميزانية الولايات المتحدة) التي وافق عليها الكونغرس وتعهد بها في السنة المالية 2023، تم تخصيص حوالي 6 مليارات دولار أميركي لشرق وجنوب ووسط آسيا. وفي عام 2023، وهو آخر عام تتوفر عنه بيانات كاملة، شملت البلدان الرئيسية المتلقية لتلك المساعدات: أفغانستان وبنغلاديش وإندونيسيا وميانمار ونيبال والفيليبين، حيث يدعم التمويل كل شيء من تعزيز الديمقراطية إلى العلاج والمأوى.

في تعليقها على قرار تجميد المساعدات الأميركية الخارجية وتقييمها، ذكرت وسائل إعلام صينية، أن بعض الجهات المستفيدة من هذه المساعدات في شرق وجنوب آسيا، لها علاقة مباشرة بتتبع الصراعات في ميانمار، والتحقيقات في الاتجار بالبشر في جوار الصين، والرعاية الصحية للاجئين في تايلاند، وتعزيز وسائل الإعلام المستقلة في منغوليا، والحفاظ على البيئة في التبت. ولفتت إلى أن هذه ليست سوى أمثلة قليلة من البرامج التي تركز على آسيا وتعمل بأموال الحكومة الأميركية وتواجه خطر الإغلاق الدائم. وأضافت أن الناشطين وعمال الإغاثة في مختلف أنحاء آسيا يشعرون بالصدمة، ويصفون القرار بأنه فوضوي في الوقت الذي يخطر فيه المسؤولون الأميركيون جميع المؤسسات بضرورة الامتثال لأمر وقف العمل في ظل عدم اليقين بشأن التمويل المستقبلي.

أبرز المتأثرين

في هذا الصدد اعتبر الخبير في العلاقات الدولية بمركز تايبيه (تايوان) للدراسات السياسية، وان زانغ، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن قرار تجميد المساعدات الأميركية "يهدد بوقف كامل للعديد من البرامج التي تمولها الولايات المتحدة في جميع أنحاء العالم، وتقدر بمليارات الدولارات، في مجالات شتى من بينها الصحة والتعليم ومكافحة الفساد والقضايا الأمنية". حول تأثير المدة الممنوحة لتقييم تلك المساعدات، أوضح أنه "على الرغم من أن القرار مؤقت، لكن التوقف لمدة 90 يوماً دون تمويل بالنسبة للمؤسسات الإغاثية يصعّب من فرص استئناف العمل في وقت لاحق بسبب تسريح العمال وعدم اليقين بشأن العودة، الأمر الذي ستكون له تداعيات خطيرة تمس شرائح اجتماعية كبيرة في دول ومناطق مختلفة".

وان زانغ: الفيليبين إلى جانب تايوان، قد تكونان أكثر المتضررين بسبب القرار الأميركي

وعن أبرز المتأثرين في جنوب وشرق آسيا، ذكر وان زانغ، أن "الفيليبين إلى جانب تايوان، قد تكونان أكثر المتضررين بسبب القرار الأميركي، لأنه سيشمل المساعدات العسكرية لكلا البلدين، في شكل منح وقروض للمعدات والخدمات والتدريب. ولفت إلى أنه في عام 2023، قدّمت الولايات المتحدة 135 مليون دولار أميركي في شكل ائتمان لتايوان و40 مليون دولار أميركي للفيليبين بموجب برنامج وزارة الخارجية المسمى "التمويل العسكري الأجنبي". وبيّن أن "وقف هذا الدعم يعني رفع الغطاء الأمني الأميركي عن المنطقة مع تعاظم التهديدات الصينية سواء في بحر الصين الجنوبي (المتنازع عليه) أو في مضيق تايوان (التي تعدها الصين جزءاً من أراضيها)". بالتالي فباعتقاد وان زانغ "سيمثل ذلك ضربة للمصالح الجيوسياسية لواشنطن، وفي الوقت نفسه قد يحفز بكين على المضي قدماً في استعراض القوة وإطلاق المزيد من المناورات العسكرية"، مشيراً إلى أن "تايبيه تنتظر من الولايات المتحدة توضيحاً بشأن الضمانات الأمنية في ظل إدارة ترامب، وإن كانت ستلتزم بما تعهدت به إدارة الرئيس الأميركي السابق جو بايدن".

لين وي: القرر امتداد لسياسة ترامب الخارجية تحت شعار أميركا أولاً

من جهته، اعتبر الباحث في معهد جيانغ شي للدراسات(الصين)، لين وي، في حديث لـ"العربي الجديد"، قرار وزارة الخارجية الأميركية تجميد المساعدات الخارجية "امتداداً لسياسة ترامب الخارجية التي انتهجها خلال ولايته الأولى (2017-2021) والمتمثلة في تكريس شعار أميركا أولاً من خلال اتخاذ سلسلة من القرارات الأحادية، بما في ذلك الانسحاب من اتفاق باريس للمناخ، ومنظمة الصحة العالمية". ورأى أن ذلك "يشير إلى أن إدارة ترامب الثانية ماضية في إعادة إنتاج سياساتها العبثية والعشوائية".

وقال لين وي إن "الولايات المتحدة لطالما تشدقت بأنها أكبر مانح للمساعدات الخارجية في العالم، لكن يبدو في الواقع، أن هذه المساعدات كانت مرتبطة بمصالح استراتيجية، إذ تستطيع واشنطن من خلالها التأثير على الدول الأخرى والأوضاع الإقليمية والدولية بما يخدم مصالحها الخاصة، ويعزز نفوذها على الساحة العالمية". في هذا السياق لفت إلى أن "إحدى الدول المتضررة من القرار هي أوكرانيا التي تم دعم قطاع الطاقة فيها خلال العام الماضي بميزانية تجاوزت 800 مليون دولار أميركي". وأوضح أنه "بالتالي يأتي قرار التجميد في هذا التوقيت كورقة ضغط ومساومة، ربما لدفع كييف نحو تسوية سياسية مع موسكو من أجل وقف الحرب المستمرة منذ سنوات، على غرار ما حدث في غزة وجنوب لبنان، وهذا هدف يسعى إليه ترامب شخصياً، لتقديم نفسه على أنه صانع سلام، أملاً في الظفر بجائزة نوبل (للسلام)".

قراءة المقال بالكامل