دفعت الحرب المستمرة إلى فقدان السودان موارد متعددة، من بينها تحويلات المغتربين التي تناقصت كثيراً بسبب النزوح واللجوء وآثار الحرب على المؤسسات المصرفية، ويقدّر جهاز تنظيم المغتربين السودانيين ما فقده السودان من تحويلات سنوية بحوالى ستة مليارات دولار منذ بدء الحرب في أبريل من العام 2023.
وساهمت الحرب في انخفاض التحويلات إلى داخل السودان، لأن المغتربين أصبحوا يحوّلون لأسرهم في الدول التي لجأوا إليها، كما أن توقف العمل الاستثماري والتجاري ساهم في انخفاض التحويلات في بقية المجالات.
وظل المغتربون السودانيون يلعبون دوراً كبيراً في دعم أسرهم داخل السودان، وتعاظم دورهم نتيجة للمسؤولية الكبيرة التي أصبحت على عاتقهم بعد أن فقد كثيرون وظائفهم في السودان، بجانب عدم انتظام صرف الرواتب، وقد أقام بعضهم مبادرات لجمع المساهمات وتوفير الطعام والاحتياجات الأخرى للمناطق التي تسكنها أسرهم ومراكز النزوح.
ورغم أن هناك فئة مقدّرة ظلت بالداخل تتلقى أموالاً من ذويها بالخارج، إلا أن الفجوة بين سعر الجنيه في السوق الرسمية والموازية جعلت كثيرين يلجؤون إلى القنوات غير الرسمية.
وبحسب جهاز المغتربين السودانيين، فقد تقلصت تحويلات المغتربين، التي كانت تُقدَّر بما يتراوح بين أربعة إلى ستة مليارات دولار في السنة قبل الحرب، لتتراجع إلى ملياري دولار.
وأشار مواطنون إلى أن مواجهة تكاليف المعيشة والتعليم والعلاج، سواء في داخل السودان أو خارجه، ظل يعتمد كثيراً على السودانيين العاملين في الخارج بديلاً يُعتمد عليه في دعم الأسر والأهل في حدوده الدنيا.
الاعتماد على المغتربين
وقال المواطن شرف الدين السيد لـ"العربي الجديد" إنه وأسرته ظلوا على مدى العامين يعتمدون على تحويلات ذويهم في الخارج عبر التطبيقات البنكية، التي أصبحت طوق نجاة لهم، وأضاف: "مع انقطاع الاتصالات، فإن الغالبية العظمى يتعرضون لابتزاز من أصحاب الأموال في الداخل السوداني، إذ تحكم عناصر الدعم السريع في مناطقهم بسوق التحويلات، وقد انسحب ذلك على مناطق السودان كافة التي تشهد انعداماً للسيولة وابتزاز المواطنين، نتيجة للخصم الكبير عند تحويل المبالغ إلى نقود كاش، والذي يصل إلى 20%، ما يؤثر على الأوضاع المعيشية كثيراً".
أما فيصل إسحاق، مغترب سوداني لسنوات في دولة أوروبية يعمل في مهنة طبية، فقال لـ"العربي الجديد" إنه، ومنذ اندلاع الحرب، تعرضت أسرته لفقدان ممتلكاتها ومصدر رزقها الوحيد، ولم يتبقَّ لها سوى الاعتماد على تحويلاته. ورغم إطالة أمد الحرب، فإنه يقول: "لقد وهبت راتبي الشهري لهم، وبالتأكيد هذا أثّر على وضعي المالي والاجتماعي، ولكن لا توجد بدائل أخرى متاحة، حتى إن كثيراً من الأصحاب أصبحوا يعتمدون على راتبي".
وأضاف: "صحيح أن الأمر أصبح مزعجاً وفوق الاستطاعة، ولكن مع تزايد الاحتياجات وإطالة الحرب، فإن أوضاع المغتربين تدهورت بصورة كبيرة، وأصبحنا في بلاد المهجر نبحث عن بدائل أخرى".
ووفقاً لبعض التقارير "غير الرسمية"، قُدّرت أعداد السودانيين في الخارج بنحو 15 مليوناً، يشكل الشباب نسبة مقدّرة منهم، لأنهم أكثر الفئات حظاً في سوق العمل، كما أن 10% من سكان الخرطوم تقريباً سافروا إلى الخارج، بينما نزحت النسبة الأكبر إلى الولايات.
وبعد نحو عام من الحرب، استطاع عدد من الشباب الذين استقروا في السودان بلا عمل البدء في السفر إلى دول الجوار للبحث عن عمل، في ظل ظروف استثنائية لمساعدة أسرهم. وقال الطيب محمود لـ"العربي الجديد" عن هول البحث عن العمل في دولة مجاورة لتغطية نفقات أسرته في السودان، بعد أن توقفت الرواتب أصبحَ البحث عن عمل أو وظيفة من المستحيلات في ظل ظروف الحرب، وتابع: "ظللت أعمل في المزارع في ظروف قاسية لأجل مساعدة أسرتي، ومع ذلك، لا يكفي الدخل حتى للإعاشة وبعض الخدمات الضرورية".
مصرفيون قالوا لـ"العربي الجديد" إن الدولة، في ظل ظروف الحرب، غير معنية بالتحويلات التي تأتي من الخارج، لأنها تجري خارج النظام المصرفي الذي انهار تماماً، مع تراجع قيمة الجنيه السوداني إلى مستويات كبيرة، وفقدان السودان معظم أنشطته المصرفية في أنحاء البلاد، وحتى التطبيقات البنكية مثل "بنكك" و"فوري" لا تعني الدولة في شيء.
وتعرض الجنيه السوداني لهزّة عنيفة منذ اندلاع الحرب في إبريل/ نيسان من العام قبل الماضي، وفقد قيمته بنسبة 300%، إذ ارتفع سعر الصرف من 600 جنيه إلى 2700 جنيه، دون تدخلات من الدولة، سواء إيجاباً أو سلباً.
