يضع الرئيس الأميركي دونالد ترامب عينه على تريليونات صناديق الثروة السيادية الخليجية خلال زيارته للمنطقة المقررة هذا الأسبوع، وتقترب ثروات تلك الصناديق من خمسة تريليونات دولار وتتوزع استثماراتها بين أسواق عدة في العالم، ووفق كبار مسؤوليها فإن تلك الصناديق تبحث دوماً عن فرص استثمار آمنة وشبه مضمونة وذات ربحية عالية، ومن أبرز الأسواق التي توجد فيها الولايات المتحدة وبريطانيا وأوروبا والصين.
ومن المقرر أن يزور ترامب منطقة الخليج في الفترة من 13 إلى 16 مايو/ أيار الحالي، وسيلتقي في العاصمة السعودية الرياض قادة الدول الست لمجلس التعاون. وقالت مصادر إن على رأس أولويات ترامب، إبرام "اتفاقيات اقتصادية" مع السعودية وقطر والإمارات، وهي محطاته الثلاث في الرحلة، التي من شأنها أن تعزز استثمارات تلك الدول في الولايات المتحدة. ويتوقع أن تبرم الدول الثلاث صفقات مع إدارة ترامب تشمل مجالات الدفاع والنقل الجوي والطاقة والذكاء الاصطناعي. وتؤشر زيارة ترامب على الدور الجيوسياسي المتزايد الذي تحظى به هذه البلدان الثرية.
ووفق تقارير لوكالة بلومبيرغ، 10 مايو الجاري، Alnvest وRoic.ai، في 8 مايو الحالي وصحيفة نيويورك تايمز، فإن ترامب يضع عينه على تريليونات الدولارات في صناديق الثروة السيادية الخليجية خلال زيارته، الأسبوع الجاري، إلى السعودية والإمارات وقطر، وإن وزارة الخزانة الأميركية تعمل على تسريع عملية فحص الاستثمارات الأجنبية في الولايات المتحدة لتسهيل زيادة الاستثمارات الخليجية، بعدما وعدت السعودية والإمارات باستثمارات في الولايات المتحدة بقيمة 2.4 تريليون دولار بواقع تريليون دولار للسعودية و1.4 تريليون دولار للإمارات.
وأكدت أن إدارة ترامب تدرس إنشاء "قناة استثمارية سريعة" لصناديق الثروة السيادية الخليجية من الإمارات والسعودية وقطر، بهدف تسهيل استثمارات كبيرة من هؤلاء الحلفاء الرئيسيين. ويُقدر حجم صناديق الثروة السيادية لدول الخليج بقرابة 4.9 تريليونات دولار، واقتصاداتها تحتل المرتبة الـ12 عالمياً، وحققت نمواً يتجاوز سبع مرات الاقتصاد العالمي، وفقاً لتقرير شركة الاستشارات ومزود البيانات "غلوبال إس دبليو إف" (Global SWF). .
وقد أكدت استثمار صناديق الثروة السيادية في منطقة الخليج مبلغ 55 مليار دولار في 126 صفقة عام 2024 وحده، ذهب جزء كبير منها إلى الولايات المتحدة والمملكة المتحدة، وبرزت الصين وجهة مفضلة جديدة باستثمارات بلغت 9.5 مليارات دولار. ووفقاً لبيانات شركة الاستشارات البحثية "غلوبال إس دبليو إف"، شكلت صناديق الثروة السيادية في الشرق الأوسط خمسة من بين أكثر عشرة صناديق استثمارية عالمية نشاطاً العام الماضي.
وشملت القائمة ثلاثة صناديق من الإمارات: شركة مبادلة للاستثمار، وهيئة أبوظبي للاستثمار، والقابضة (ADQ)، بالإضافة إلى صندوق الاستثمارات العامة السعودي، وهيئة قطر للاستثمار. وقالت شبكة "سي أن أن" إن صهر ترامب، جاريد كوشنر، مستشاره السابق الذي أبرم العديد من الصفقات التجارية مع جهات في المنطقة، يُقدّم المشورة لترامب سراً قبل رحلته هذا الأسبوع إلى منطقة الخليج في أول زيارة خارجية له إلى المنطقة منذ دخوله البيت الأبيض مرة ثانية في يناير/ كانون الثاني الماضي.
وقبل الزيارة المرتقبة لترامب إلى الخليج، توجّه نجله إريك إلى إمارة دبي ليروج لشركته المتخصصة في العملات المشفرة. وأعلن إريك وزاك ويتكوف نجل مبعوث ترامب إلى الشرق الأوسط ستيف ويتكوف، خلال مؤتمر "توكن 2049" للعملات المشفرة في دبي في إبريل/ نيسان، أن صندوق الاستثمار "إم جي إكس" (MGX) ومقرّه الإمارات سيستخدم USD1، وهي عملة مشفرة مستقرة طوّرتها شركة مدعومة من ترامب وعائلته، لاستثمار ملياري دولار في منصة بينانس لتداول العملات الرقمية.
وقالت هاجر الشمالي، المسؤولة في مجلس الأمن القومي في البيت الأبيض في إدارة أوباما، لبرنامج "توازن القوى" على قناة بلومبيرغ الاقتصادية الأميركية: "هناك العديد من المكاسب التي يمكن للرئيس تحقيقها في السعودية"، أبرزها "زيادة تجارة الدفاع معها وإبعاد المنطقة عن الصين".
مركز ثقل جيوسياسي ومالي
عن مغزى تلك الزيارة وسبب اختيار دول الخليج لتكون المحطة الأولى لزيارة ترامب الخارجية، تقول الباحثة في معهد دول الخليج العربي في واشنطن، آنا جايكوبز "يأتي ترامب الى الخليج أولاً لأن المنطقة أصبحت مركز ثقل جيوسياسي ومالي". وقالت "بلومبيرغ نيوز"، 8 مايو الجاري، إن الولايات المتحدة تعمل على تطوير عملية سريعة لفحص الاستثمارات الأجنبية في الولايات المتحدة، وهو الجهد الذي يتوقع مسؤولو إدارة ترامب أنه قد يمهد الطريق أمام مليارات الدولارات من صناديق الثروة السيادية في الإمارات والسعودية وقطر.
وقالت وزارة الخزانة الأميركية، في بيان يوم الخميس الماضي، إن هذه الجهود تتضمن جمع المعلومات من المستثمرين المقيمين في الدول الشريكة قبل تقديم طلبات الحصول على الموافقات على الصفقات من الجهات التنظيمية الأميركية، وإطلاق بوابة المستثمر المعروف التي تديرها لجنة الاستثمار الأجنبي في الولايات المتحدة.
وتقول "بلومبيرغ" إن من شأن تصحيح المسار السريع للاستثمارات أن يساعد في إزالة عقبة رئيسية أمام صناديق الثروة السيادية في الشرق الأوسط، والتي تدير تريليونات الدولارات وتعرضت للتدقيق من قبل لجنة الاستثمار الأجنبي في الولايات المتحدة خلال إدارة بايدن بسبب علاقاتها الوثيقة المزعومة مع الصين.
وفي مؤتمر عقد في واشنطن أواخر الشهر الماضي، أشار مسؤولون في وزارة الخزانة الأميركية إلى أن أحد العناصر الرئيسية لإصلاح لجنة الاستثمار الأجنبي في الولايات المتحدة، سيكون إنشاء "قاعدة معرفية" للكيانات الاستثمارية الخليجية الرئيسية لتقليل كمية المعلومات الجديدة التي تقدمها للصفقات المستقبلية، وفقاً لأشخاص مطلعين على الأمر.
ومنذ عودة ترامب إلى منصبه، عرضت السعودية والإمارات تعهدات استثمارية ضخمة، تلبية لمطالب ترامب بالحصول على النقد الأجنبي وجذب الاستثمارات الخارجية. ومع ذلك، قد يواجه أي تخفيف للقيود المفروضة على دول الخليج معارضة داخل الولايات المتحدة، وسيتعين على مسؤولي ترامب تسوية هذه التفاصيل، وفق التقديرات الأميركية.
وتخطط إدارة ترامب الآن لإلغاء بعض القيود المفروضة على شرائح الذكاء الاصطناعي في عهد بايدن واعتبار ذلك جزءاً من جهد أوسع لمراجعة القيود التجارية العالمية لأشباه الموصلات، وقد تركز على المفاوضات المباشرة مع دول مثل الإمارات أو السعودية.
الخليج متذبذب في الاستثمار بأميركا
وكانت البيانات الصادرة خلال الشهور الأولى من عام 2025 من وزارة الخزانة الأميركية، أظهرت وجود تذبذب وتحول في حجم استثمارات دول مجلس التعاون الخليجي في سندات الخزانة الأميركية، وبروز اختلاف واضح بين الدول بحسب مراكزها الاستثمارية العالمية، خاصة السعودية والإمارات باعتبارهما الأكثر استثماراً في أدوات الدين الأميركية بين دول الخليج الست.
وأظهر تقرير الوزارة بشأن الدول حائزة السندات الدولية أن قيمة حيازات السعودية انخفضت إلى حوالي 126.4 مليار دولار في شهر فبراير/شباط الماضي، بتراجع 481 مليون دولار مقارنة بشهر يناير/كانون الثاني. وهذا الانخفاض هو الثاني توالياً على أساس شهري منذ بداية العام، بعد أن قلصت المملكة حيازتها في يناير بنحو 10.6 مليارات دولار، ليصل إجمالي الخفض خلال أول شهرين إلى 11.1 مليار دولار.
وعلى أساس سنوي، تقلصت الحيازات السعودية في السندات الأميركية بنسبة 3.6% ما يعادل 4.7 مليارات دولار مقارنة بشهر فبراير 2024، ما يعزوه مراقبون إلى إعادة توازن المحافظ الاستثمارية في ظل تقلبات الأسواق العالمية ومخاوف الدخول في حالة ركود اقتصادي.
في المقابل، ارتفعت الحيازة الإماراتية في أدوات الدين الأميركية بقيمة 27.3 مليار دولار على أساس شهري، وبنسبة تصل إلى 29.5%، وهو أعلى مستوى تاريخي لها، ما يعكس اتجاهاً جارفاً نحو زيادة الاستثمار في أسواق المال بالولايات المتحدة. ومع ذلك حافظت السعودية على موقعها في المرتبة 17 ضمن قائمة أكبر الدول المالكة لأدوات الدين الأميركية، وفقاً لتصنيف وزارة الخزانة الأميركية، وتوزعت حيازاتها بين 104.7 مليارات دولار في أدوات دين طويلة الأجل، تشكل ما نسبته 83% من الإجمالي، و21.7 مليار دولار في أدوات قصيرة الأجل، بنسبة 17%.
