ترامب يربك لندن: مخاوف من تأثير الرسوم على النمو والإنتاج

منذ ٢ أسابيع ٢٩

سجّلت الأسواق المالية البريطانية موجة انتعاش ملحوظة، بعد إعلان الصين استعدادها للتفاوض مع الولايات المتحدة الأميركية في العلاقات التجارية، عقب فرض رسوم متبادلة ضخمة جداً بين عملاقي الاقتصاد، مما عزّز ثقة المستثمرين وأضفى قدراً من التفاؤل الحذر على المشهد الاقتصادي.

ورغم التحديات الداخلية والخارجية التي لا يزال يواجهها الاقتصاد البريطاني، توفر هذه التهدئة المؤقتة فرصة لالتقاط الأنفاس، لا سيما للشركات الكبرى ذات الروابط الوثيقة بالأسواق العالمية. بيد أنّ محللين حذروا من أن عدم اليقين بشأن النظام التجاري العالمي لا يزال يشكل عامل ضغط قد يقوّض ثقة المستثمرين على المدى المتوسط. ويعزز هذه المخاوف تقرير حديث لمنظمة أوبك، خفّض توقعات الطلب العالمي على النفط في عام 2025، مرجعاً ذلك إلى استمرار التوترات التجارية وتباطؤ النمو في عدد من الاقتصادات الكبرى.

وكشفت مؤسسة أكسفورد إيكونوميكس، في تقريرها الأخير بعنوان "التعرفات الجمركية المرتفعة تُلحق الضرر بآفاق النمو" عن مراجعة توقعاتها للنمو في المملكة المتحدة والعالم، في ضوء القرارات الجمركية الأخيرة التي اتخذتها الإدارة الأميركية. وتوقعت المؤسسة نمو الاقتصاد البريطاني بنسبة 1% في عام 2025 و0.9% في 2026، مقارنة بتوقعات سابقة بلغت 1% و1.5% على التوالي.

ووفق المؤسسة تمثل صادرات السلع إلى الولايات المتحدة نحو 7% من إجمالي صادرات بريطانيا، ويخضع ثلثا هذه السلع حالياً لرسوم جمركية بنسبة 10%، إضافة إلى رسوم إضافية على السيارات. ومن المتوقع أن يؤدي رفع متوسط الرسوم على الواردات البريطانية من 1.3% إلى 12.1% إلى انخفاض حاد في الطلب الأميركي عليها. وتشير تقديراتها إلى أن صادرات بريطانيا من السلع غير المرتبطة بالطاقة ستتراجع بأكثر من 5% عن التقديرات السابقة بحلول نهاية 2026.

تداعيات الرسوم

ويرى كبير الاقتصاديين في المؤسسة، أندرو غودوين، في تصريحات لـ"العربي الجديد"، أن ارتفاع أسعار الفائدة الحالي مقارنة بالمستوى "المحايد" المستهدف من بنك إنكلترا يشكل مبرراً لتسريع وتيرة خفضها، خاصة في ظل تباطؤ الطلب المتوقع بفعل الرسوم الجمركية. ورغم هذه الدوافع، تواصل لجنة السياسة النقدية تبني نهج حذر، نتيجة استمرار الضغوط التضخمية ومشاكل ضعف العرض.

ويُظهر تقريرها الصادر في فبراير/شباط الماضي استمرار القلق من آثار الرسوم الجمركية على سلاسل التوريد، وهي تجربة تستدعي إلى الأذهان أحداث 2023، عندما تسبب اضطراب الإمدادات وتوقعات التضخم المرتفع في ارتفاع الأسعار. في ظل حالة التذبذب التي يعيشها الاقتصاد البريطاني بين آمال التعافي ومخاطر التباطؤ، بدأت آثار النزاع التجاري المتصاعد بين الولايات المتحدة والصين تظهر بوضوح في عدد من القطاعات الحيوية داخل المملكة المتحدة. قطاع التأمين من أبرز القطاعات التي تأثرت بشكل غير مباشر بهذه التوترات.

ويوضح رئيس قسم التأمين في شركة "برايس ووترهاوس كوبرز" (PwC) في المملكة المتحدة، أليكس بيرتولوتي، في تصريحات لـ"العربي الجديد"، أن الزيادات الجمركية لا تؤثر مباشرة على شركات التأمين على الحياة في بريطانيا، لكنها قد تُحدث تحديات من خلال تأثيرها على عوائد الاستثمار وتكاليف الرعاية الصحية والتشغيل. ويشير بيرتولوتي إلى أن مستوى التأثر يختلف تبعاً لحجم الشركة وانتشارها الجغرافي، موضحاً أن الشركات المدرجة ضمن مؤشر "فوتسي 100"، التي تستثمر في أسواق متعددة، معرضة بشكل أكبر للمخاطر مقارنة بالشركات التي تركز نشاطها داخل السوق المحلية.

أما محمد خان، شريك التأمين في PwC، فقد لفت إلى أن بعض شركات التأمين على الحياة التي تملك انكشافاً واسعاً على الأسواق الأميركية، قد تواجه تراجعاً في عوائدها إذا أدى النزاع التجاري إلى تباطؤ الاقتصاد الأميركي، ما سينعكس على نتائجها المالية. وفي تقرير أصدرته PwC في إبريل/نيسان الحالي، تم تسليط الضوء على أن تداعيات النزاع تمتد إلى قطاع الرعاية الصحية الخاص أيضاً. فعلى الرغم من أن كثيراً من المنتجات الطبية لا تخضع لرسوم مباشرة، فإن الاعتماد على سلاسل الإمداد الدولية يجعل القطاع عرضة لتقلبات الأسعار.

ويؤكد خان أن ارتفاع تكاليف المواد والمكونات المستوردة قد يرفع أسعار بعض العلاجات، الأمر الذي سينعكس بدوره على منتجات تأمينية مثل تغطية الأمراض الحرجة. أما صناعة السيارات البريطانية، فهي من أكثر القطاعات تأثراً بتغير السياسات التجارية، نظراً لاعتمادها الكبير على التصدير. وتشير بيانات جمعية مصنعي وتجار السيارات (SMMT) إلى أن الولايات المتحدة تعد ثاني أكبر سوق لصادرات السيارات البريطانية، حيث تم تصدير أكثر من 101 ألف مركبة إلى السوق الأميركية خلال عام 2024.

وبالنظر إلى أن القطاع يشغّل أكثر من 180 ألف موظف في المملكة المتحدة، فإن أي تراجع في الطلب نتيجة للرسوم الجمركية قد تكون له تداعيات كبيرة.

وفي مواجهة هذه التحديات، بدأت بعض الشركات بإعادة تقييم استراتيجياتها، بما في ذلك توسيع وجودها الإنتاجي في الولايات المتحدة أو إنشاء خطوط إنتاج هناك بهدف تجاوز العقبات التجارية، لا سيما إذا استمرت السياسات الحمائية الأميركية. مع تصاعد التوترات الجيو-اقتصادية، تتجه عدة شركات بريطانية إلى إعادة النظر في سلاسل التوريد الخاصة بها. فارتفاع تكاليف الاستيراد، إلى جانب حالة عدم اليقين المرتبطة بالتقلبات التجارية، يدفع نحو تنويع مصادر التوريد وتقليل الاعتماد على الأسواق الخارجية، في محاولة لبناء أنظمة توريد أكثر مرونة واستقراراً.

قراءة المقال بالكامل