ترتيبات دمج الضباط المنشقين في الجيش السوري لا تبدد الهواجس

منذ ١ شهر ٤٥

واصلت وزارة الدفاع في حكومة تسيير الأعمال السورية بذل الجهود من أجل تشكيل الجيش السوري الوطني، الذي يضم الفصائل والتشكيلات التي قاتلت قوات النظام على مدى سنوات وصولاً إلى الثامن من ديسمبر/كانون الأول الماضي، حيث التقى وزير الدفاع مرهف أبو قصرة، السبت الماضي، لجنة عن الضباط المنشقين بهدف بحث دمج الضباط المنشقين في الجيش السوري الجديد. 

وأعلنت الوزارة، أول من أمس السبت، أنها عقدت اجتماعات موسعة شملت أكثر من 60 تشكيلاً عسكرياً منذ بدء عملية تأسيس الجيش الوطني، مؤكدة أنه "اتُّفق على انخراط جميع التشكيلات العسكرية الحاضرة في الإدارة الجديدة"، مشيرة إلى أن وزير الدفاع مرهف أبو قصرة عقد 47 اجتماعاً موسعاً "شملت قادة وضباطاً من مختلف الفصائل، وأن المرحلة المقبلة هي مرحلة تثبيت الهيكلية". وأوضحت أنه ستُعقد جلسات جديدة مع التشكيلات لتثبيت الهيكلية وتعيين القيادات "بعد انتهاء عمل اللجنة العليا لتنظيم بيانات القوات المسلحة"، موضحة أنه ستُشكَّل لجنة خاصة لصياغة النظام الداخلي لوزارة الدفاع.

دمج الضباط المنشقين في الجيش السوري

وفور تسلمها مقاليد الأمور في دمشق في 8 ديسمبر الماضي، باشرت الإدارة الجديدة وضع "خريطة طريق" لتأسيس الجيش السوري بعد انهيار الجيش السابق بشكل كامل. وتعمل وزارة الدفاع على حل جميع الفصائل والتشكيلات العسكرية ودمجها في هيكلية واحدة ضمن جيش واحد، بعيداً عن المحاصصة المناطقية أو الفصائلية. ويبدو أن الإدارة الجديدة تعوّل على دور واسع ومؤثر للضباط الذين انشقوا عن قوات النظام في السنوات الأولى من عمر الثورة، والمقدر عددهم بنحو ستة آلاف، بينهم من يحمل رتباً عسكرية رفيعة ومن مختلف صنوف القوات المسلحة، بهدف دمج الضباط المنشقين في الجيش السوري الجديد.

رياض الأسعد: سيُدمج الضباط المنشقون في الجيش على مراحل

والتقى أبو قصرة، السبت الماضي، لجنة تمثل الضباط المنشقين، ضمت ثمانية منهم، أبرزهم العميد عبد الله الأسعد، والعقيد رياض الأسعد مؤسس الجيش السوري الحر. وفي حديث مع "العربي الجديد"، أوضح رياض الأسعد أنه "يمكن القول إن المرحلة التحضيرية لتشكيل البنية التنظيمية للجيش تقوم على أسس سليمة"، مضيفاً: "توضع الآن اللمسات الأخيرة قبل الدخول في المرحلة التنفيذية". وبيّن أنه سيتم دمج الضباط المنشقين في الجيش السوري الجديد "على عدة مراحل، موضحاً أن الأولوية في المرحلة الأولى للضباط الذين يقودون الآن فصائل، ومن ثم ستُحدّد توصيفات بقية الضباط مع الأخذ بعين الاعتبار الفترة الزمنية التي انشقوا فيها عن قوات النظام المخلوع، ومكان وجودهم الآن. وأشار إلى أن بعض الضباط المنشقين لا يريد العودة إلى الخدمة، و"هؤلاء لهم ترتيبات مختلفة وخاصة لجهة تصفية أوضاعهم ومنحهم التعويضات المستحقة".

وأبدى الأسعد تفاؤلاً وصفه بـ"الكبير" بتشكيل الجيش السوري الجديد خلال فترة زمنية قريبة، مشيراً إلى أن "الجميع متحمس للمشاركة في التأسيس للبنية التنظيمية القائمة وفق الأسس المتبعة في العالم لبناء الجيوش". وأضاف: "نعمل على تشكيل جيش محترف مهني يعتمد على التقنيات الحديثة". وأكد أنه سيجرى التعاون مع جميع الدول "بما فيها روسيا" من أجل بناء الجيش السوري الجديد، مشيراً إلى أنه "ربما في المستقبل، يُستعان بالسلاح الغربي، وناقشنا هذا الأمر مع وزير الدفاع"، مضيفاً: "جيش سورية القادم لن يعتمد على الكم كما كان يفعل النظام المخلوع، بل على النوع".

وكان الضباط المنشقون عن قوات النظام المخلوع شكلوا، منتصف العام 2011، الجيش السوري الحر الذي أخذ على عاتقه الدفاع عن المتظاهرين في مختلف المدن السورية. وخاض هذا "الجيش" معارك مع جيش النظام المخلوع واستطاع السيطرة على مساحات كبيرة من الأرض، لا سيما في 2012، لكن سرعان ما ظهرت فصائل محلية شكلها مدنيون، وأخرى ذات توجه إسلامي متشدد، ما أدى إلى تراجع دور الجيش السوري الحر وطغيان الفصائلية المناطقية أو الدينية، وخاصة أن أبرز ضباطه إما قتلوا في المعارك، مثل العقيد يوسف الجادر المعروف بـ"أبو فرات"، أو أصيبوا مثل العقيد رياض الأسعد مؤسس هذا "الجيش". وانقسم الضباط المنشقون إلى عدة فئات، الأولى ضمت أولئك الذين شكلوا فصائل مقاتلة، أو انخرطوا في فصائل، والثانية ضمت ضباطاً اختاروا الخروج من البلاد لاجئين، وخاصة في تركيا، والثالثة ضمت أولئك الذين يعملون في مهن مدنية.

هواجس الضباط المنشقين

ويبدو أن لدى الضباط المنشقين هواجس من استمرار تهميش دورهم في المرحلة المقبلة، وخاصة أن الإدارة الجديدة سارعت إلى منح رتب عسكرية لقادة في الفصائل، أغلبهم من المدنيين، ولأشخاص ليسوا سوريين، ولم تولِ الضباط المنشقين ما كانوا يتوقعونه من اهتمام. وبعد أيام قليلة من سقوط نظام بشار الأسد، أصدر عدد من الضباط المنشقين بياناً أعلنوا فيه عن استعدادهم لـ"وضع أنفسنا وخبراتنا العسكرية لإعادة تشكيل جيش سورية الحرة على أسس وطنية موحدة". وأضاف البيان: "نمد أيدينا لكل القوى الوطنية الشريفة للعمل معاً من أجل تأسيس جيش قوي يعبر عن تطلعات السوريين نحو الحرية والعدالة".

مصطفى فرحات: أعتقد أن الدمج سيكون بشكل إفرادي للضباط

ورأى العميد مصطفى فرحات، وهو أحد الضباط المنشقين، أنه "حتى اليوم، لا يوجد تصور لدى الإدارة الجديدة، وحتى لدى الضباط المنشقين، عن موقعهم في الجيش السوري الجديد"، مضيفاً في حديث مع "العربي الجديد": "أعتقد أن دمج الضباط المنشقين في الجيش السوري سيكون بشكل إفرادي للضباط". وتابع: "لدينا تحديات كثيرة، فأغلب الأسلحة شبه مدمرة، وخاصة سلاح الجو، والإمكانات العسكرية مدمرة بشكل كامل". وأعرب فرحات عن اعتقاده أن الإدارة الجديدة "لا يمكن أن تتجاوز الذين خدموا الدولة مدة طويلة"، مضيفاً: "أعتقد أن كل ضابط منشق في سن الخدمة قادر على العمل سيُستفاد منه. تجب الاستفادة حتى من الضباط الذين باتوا في سن التعاقد في إنشاء مراكز دراسات عسكرية لتقديم الاستشارات".
من جانبه، رأى العقيد يوسف أبو عرة، وهو الناطق باسم "غرفة عمليات الجنوب"، في حديث مع "العربي الجديد"، أن "الأمور مبشرة" لجهة إشراك الضباط المنشقين في الجيش السوري ووزارة الدفاع "حسب ظروف المرحلة"، مضيفاً: "ننتظر صدور تعليمات واضحة بهذا الخصوص".

وفي السياق نفسه، أعرب الباحث العسكري رشيد حوراني (وهو ضابط منشق)، في حديث مع "العربي الجديد"، عن اعتقاده أنه لن يُهمّش الضباط المنشقون في بنية وهيكلية الجيش السوري الجديد لأسباب متعددة. وقال: "هناك الآن عدد جيد من الضباط المنشقين ضمن الفصائل التي ستكون ضمن القوام الرئيس للجيش، فضلاً عن وجود اختصاصات تحتاج لتأهيل وتدريب كوادرها، كالدفاع الجوي والطيران، وهذه الوحدات بحاجة للضباط المنشقين. وأوضح أن عدداً من الضباط المنشقين "شارك في هيكلية وزارة الدفاع الجديدة، وسيُوسَّع عملهم مع الدخول في مرحلة تأسيس إدارات القيادة التي تخطط لبرامج الوحدات الميدانية، على غرار كل الجيوش، فهذه الخبرات لا يملكها إلا الضباط المنشقون". وأضاف: "لدى الإدارة الجديدة الرغبة في تطوير الجيش السوري في ما يتعلق بالأسلحة الإستراتيجية، كالصواريخ والطيران، التي تحتاج إلى مختصين وخبرات لا تتوفر إلا لدى الضباط.

قراءة المقال بالكامل