ترشيح عرّابة الاستيطان وأمّ الإرهاب دانيلا فايس لجائزة نوبل للسّلام

منذ ١ أسبوع ١٠

"مات تاجر الموت. توفي أمس الدكتور ألفريد نوبل، الذي جمع ثروة طائلة باكتشافه أسرع طريقة لقتل أكبر عدد من الناس". هكذا أخطأت صحف فرنسية في نعي مخترع الديناميت يوم توفي شقيقه لودفيغ عام 1888، فخلَطَت هذه الصحف بينه وبين المخترع. نعيٌ أحزن الأخير كثيراً، خصوصاً حين وُصم بـ"تاجر الموت"، وهو الذي اعتبر نفسه محباً للسلام رغم اختراعه للديناميت عام 1867 وإنشائه 90 مصنعاً للأسلحة.

لا يعرف الدكتور نوبل أن إمبراطوريات السلاح بعد قرنين من مماته امتدت على قارات العالم السبع، وأن تُجار الموت بإمكانهم القضاء على البشرية بمجرد كبسة زر، حتّى إنّ عقله المتفوق في ذلك الحين كان عاجزاً عن تصوّر مشهد سيتشكل بعد مضي كل هذه العقود الطويلة، تستخدم فيه دولة نووية كإسرائيل، برامج لإبادة الفلسطينيين، مثل "لافندر" و"أين أبي؟" المشغّلَين بالذكاء الاصطناعي.

على أيّة حال، أوصى نوبل قبل مماته بتخصيص معظم ثروته لصندوقٍ يمنح خمس جوائز في مجالات الطب، والفيزياء، والكيمياء، والآداب، والسلام، على أن تسهم جميعها في نفع البشرية. ومنذ عام 1901، بدأ أولئك الذين "ينفعون البشرية" في تسّلم جوائزه، التي لم تتوقف سوى خلال الحربَين العالميتين، وطبقاً لوصية نوبل، فإن جائزته للسلام تُمنح لأولئك الذين "قاموا بأكبر قدر أو أفضل عمل للتآخي بين الأمم، من أجل إلغاء أو تقليص الجيوش الدائمة، ومن أجل الحفاظ على السلام وتعزيزه". اليوم، رُشحت الإسرائيلية دانيلا فايس، وفقاً لما أوردته صحيفة "يسرائيل هيوم"، لجائزة نوبل للسّلام.

ليس الحديث هنا عن امرأة تكد بجهد للتوفيق بين الفلسطينيين والإسرائيليين الذين احتلوهم وسرقوا أراضيهم، وهي ليست "مدماكاً" في "اتفاقيات أبراهام"، ولم تخرج ضدّ حكومتها وجيشها اللذين يبيدان الفلسطينيين، وإنما امرأة تُعدّ من مؤسسي الاستيطان في الضفة الغربية المحتلة، فضلاً عن عملها الدؤوب منذ اندلاع الحرب في الدفع نحو تهجير الفلسطينيين من غزة، وإقامة المستوطنات على أراضيهم.

أمّا من رشّح فايس، الرئيسةُ السابقة لمستوطنة كدوميم، وتلميذةُ منظّري الصهيونية الخلاصية؛ الأب والابن الحاخامان كوك، لنيل جائزة نوبل للسّلام، فهما البروفيسور عاموس عزاريا، والبروفيسور شالوم تساديك، الذين يستوفيا المعايير الصارمة للجنة جائزة نوبل للسّلام. أمّا السبب وراء ترشيحها فلا يقلّ صدمة عن مجرد ورود اسمها في قائمة المرشحين، فبحسب الصحيفة، السبب الذي دفع الأستاذين إلى ذلك، كان حقيقة أن "فايس تقود المصنع الاستيطاني في يهودا والسامرة"، في إشارة إلى جهودها وراء التوسع الاستيطاني في الضفة الغربية المحتلة. في تبريرهما يمعن عزاريا وتساديك في الشرح، ويشيرا إلى أن فايس، التي تُكنّى بـ"الأم الأيديولوجية لشبيبة التلال" الإرهابية، تعمل من أكثر من خمسة عقود "على إقامة وتعزيز المستوطنات اليهودية في أرجاء يهودا والسامرة"، ويتابعان بالاتساق مع المثل القائل: "إن لم تستحِ فافعل ما شئت"، ليشيرا إلى أن أعمال فايس هذه "أسهمت في الحفاظ على الاستقرار الإقليمي، وحالت كثيراً دون خسارة الأرواح".

في رسالتهما التي بعثا بها إلى اللجنة ليوضحا سبب ترشيحهما فايس، شدّد الأستاذان على أنه "في حين يصعب قياس مدى تأثير جهود السلام على التاريخ، فإن المقارنة بين يهودا والسامرة وقطاع غزة تتحدث عن نفسها"، وأوضحا أنه "في حين أن هناك وجوداً يهودياً كبيراً في يهودا والسامرة، إلا أنه في غزة، حيث طُرد اليهود خلال الانسحاب عام 2005، سقط آلاف القتلى اليهود وعشرات الآلاف من القتلى العرب"، على حد توصيفهما، متجاهلين لحقيقة أن التوسع الاستيطاني في الضفة، و"الإرهاب اليهودي" كما يوصفه القانون الإسرائيلي بنفسه لدى الإشارة إلى اعتداءات المستوطنين على الفلسطينيين وأملاكهم، أفضى إلى استشهاد آلاف الفلسطينيين، وكان سبباً لتصاعد أعمال المقاومة. ويتابع البروفيسوران في رسالتهما: "على الجهة الأخرى، في يهودا والسامرة، كانت البيانات (بخصوص القتلى) أقلّ بكثير، ما يوضح كيف أنّ الاستيطان، الذي قادته فايس، كانت عاملاً لمنع الاحتكاك ومنع الحروب على نطاق واسع في الممارسة العملية".

ورغم أنّ أنشطة فايس وتطرفها خلال هذه العقود حظي بانتقادات وجّهها مجلس "يشع" الاستيطاني نفسه لها، إلّا أنّ الموصين بترشيحها للجائزة تابعوا بالقول: "إلى جانب جهودها الاستيطانية، فإن وجود المستوطنات اليهودية يتيح حضوراً أمنياً (الحضور العسكري الإسرائيلي)، ما يمنع تدهوراً أمنياً خطيراً مثل الذي حدث في غزة عقب الانسحاب. وبذلك، فإن أنشطة فايس عززت الأمن والاستقرار، وبالتالي ساهمت في الحد من إراقة الدماء في المنطقة".

المرأة التي ظهرت في ديسمبر/ كانون الأول على القناة السابعة الإسرائيلية، لتنظر لتسوية مباني غزة بالأرض لكي يتسنّى لمستوطني "غلاف غزة" الاستمتاع بمشهد غروب الشمس في بحر غزة، وأقامت بعد ذلك مؤتمرات عدة بقيادة حركتها الاستيطانية "نحالا"، لتهجير الفلسطينيين من غزة والاستيطان على أراضيهم، اعتبرها من أوصى بترشيحها أنها "تستوفي معايير من تمنح لهم الجائزة"، معللين ذلك بأن "التزامها طويل الأمد بالاستيطان، وضمان الاستقرار الأمني، حدّ من العنف في المنطقة، وأسهم في إنقاذ أرواح اليهود والعرب على حد سواء. ولذلك فهي تستحق أن تكون مرشحة جديرة لجائزة نوبل للسلام".

وعلى الرغم من أنهما غير متفائلين بفوزها في الجائزة التي سيُعلن عنها في خريف 2025، قرر المرشِّحان، وفقاً للصحيفة، خوض "المسار الشاق" بغية نقل الرسالة التي تفيد بأن "المستوطنات جيدة للسلام والأمن والاستقرار".

"عودة صهيون" الحديثة

أمّا السبب الآخر وراء ترشيح فايس، فكان كما أوضح المرشِّحان لها: "يقدم ترشيحها الرّد الأمثل على مرشح وكالة الأونروا الداعمة للإرهاب، إذ اخترنا شخصية عامة إسرائيلية تفعل نقيض ذلك تماماً"، على حد تعبيرهما. وفي تعليقها على ترشيحها للجائزة، رأت فايس أن "عملية جمع المنفيين والمشتتين في أرض إسرائيل، في السهل والجليل والنقب، ثم بعد حرب الأيام الستة (النكسة العربية الكبرى) الاستيطان في جبال يهودا والسامرة، ملأت المساحات الشاسعة القاحلة من أرض إسرائيل بالرخاء، والزراعة المزدهرة، والاستيطان الواسع النطاق الذي استوعب الملايين من اليهود"، واعتبرت أن "نجاح عملية العودة إلى صهيون الحديثة أثر على جميع السكان بين نهر الأردن والبحر الأبيض المتوسط".

وأضافت، حسب ما تنقل الصحيفة عنها: "لقد وصلت إلى السامرة في ديسمبر 1975، عندما كانت المنطقة تُدعى "تلال الظلام"، كانت جبال السامرة خالية من أي علامات حضارية، واليوم أصبحت المنطقة مصدر فخر وطني لإنجازاتها في الاستيطان والزراعة والصناعة، وحتى واحدة من أكبر مناطق زراعة العنب في العالم. يمتلك الفرنسيون منطقة بوردو، والإيطاليون لديهم توسكانا، ولدينا كروم العنب والمنبذات في جبال السامرة، كما تنبأ أنبياء إسرائيل"، وتابعت أن "إنشاء مستوطنات جديدة في جبال السامرة وجبال يهودا هو إنتاج يومي بدأ مع الخطوات الأولى لحركة غوش إيمونيم، ويستمر حتى اليوم في الإجراءات القوية التي تدفع بها حركة نحالا للاستيطان في غزة".

وختمت فايس قائلة "قطعت مع شركائي في حركة غوش إيمونيم، واليوم مع شركائي في حركة نحالا، شوطاً من الحلم والإنجاز. نحن منخرطون باستمرار في الإبداع الإيجابي لبناء أرض إسرائيل. ومن دواعي سروري أن أرى أن هناك أساتذة مرموقين على مستوى العالم يعرفون كيف يقدّرون معنى تحويل أرض قاحلة إلى حديقة مزهرة"، على حد تعبيرها.

قراءة المقال بالكامل