ترقّب حذِر في الجزائر لتطورات سورية: لا تواصل مع أحمد الشرع

منذ ٢ شهور ٣٤

تراقب الجزائر التطورات السياسية في سورية منذ إسقاط نظام بشار الأسد، دون أن تعبّر عن موقف واضح إزاء القيادة السورية الجديدة برئاسة أحمد الشرع، إذ لم ترسل حتى الآن أي مسؤول سياسي لزيارة دمشق، ولم تهنئ الشرع بصفته الرئيس السوري الذي سيقود الفترة الانتقالية، كما نقلت سفيرها في دمشق إلى بيروت. وبخلاف مجموعة من الدول العربية والإقليمية، لم تبادر الجزائر حتى الآن إلى إجراء أي اتصال سياسي مع السلطة الجديدة في دمشق، في موقف يشير إلى أن "دمشق ليست أولوية بالنسبة إلى الجزائر في الوقت الحالي"، وأنها ليست في عجلة من أمرها للمشاركة في الترتيبات الجديدة والتسويات القائمة في المنطقة، يضاف إلى ذلك سبب آخر يرتبط بطبيعة العلاقة القوية التي كانت تجمع الجزائر بنظام الأسد.

وفي الثالث ديسمبر/ كانون الأول الماضي، أي قبل خمسة أيام من إسقاط نظام الأسد، جرى اتصال هاتفي بين وزير خارجية النظام المخلوع بسام الصباغ، ووزير الخارجية الجزائري أحمد عطاف، استخدمت فيه الخارجية الجزائرية في بيانها وصف "التهديدات الإرهابية" للإشارة إلى قوات المعارضة التي كانت على أبواب دمشق، وجدّدت دعمها لنظام الأسد. كما كان يجري الترتيب لزيارة الأسد إلى الجزائر في مايو/ أيار العام الماضي، إلا أن الزيارة لم تتم.

ولا تُبدي الجزائر حتى بعد سقوط الأسد أي تردد في الإقرار بمواقفها السالفة، إذ إنه خلال آخر حوار صحافي نشرته صحيفة فرنسية الأحد الماضي، تبدو القراءة الجزائرية للحالة السورية متوقفة عند الخريطة السياسية لما قبل الثامن ديسمبر/ كانون الأول الماضي، حيث رد الرئيس عبد المجيد تبون على سؤال حول سورية قائلاً "خلال قمة الجامعة العربية في الجزائر (نوفمبر/ تشرين الثاني 2022)، حاولتُ إعادة سورية إلى الجامعة، لكن دولتين عارضتا ذلك، رغم أنهما دعتا الرئيس بشار الأسد إلى القمة التالية في الرياض. لا يوجد دائماً تضامن في العالم العربي. أما بالنسبة لنا، فقد كنا دائماً على تواصل مع الرئيس السوري السابق، مع التمسك بموقفنا الرافض للمجازر ضد شعبه... قبل سقوطه، وأرسلت له مبعوثاً خاصاً، وعرضت الجزائر أن تكون وسيطاً للحوار بينه وبين المعارضة، بموافقة الأمم المتحدة، لكن المبادرة لم تنجح، والبقية نعرفها جميعاً".

وتُفسر هذه المعطيات طبيعة الموقف السياسي الجزائري الداعم للنظام السوري المخلوع، وعدم التوفيق من الجانب الجزائري في قراءة سليمة للحالة السورية عشية سقوط دمشق، كما تفسر في المقابل موقفها المتحفظ من السلطة الجديدة في دمشق، وبخاصة حساسيتها للنموذج الذي تركزه الإدارة السياسية بقيادة الشرع، ما يعني الحاجة إلى فترة من الزمن وحدوث احتكاك واتصالات مباشرة بين دبلوماسية البلدين في محطات إقليمية لاحقاً، لإزالة وترتيب إطار علاقة جديدة، على الرغم من أن الجزائر تصر على استمرار تعاطيها مع سورية الدولة بغض النظر عن طبيعة النظام القائم. 

ولم تبد الجزائر حتى الآن تحمساً سياسياً للتعامل مع السلطة الجديدة في سورية، ولم يرسل الرئيس تبون رسالة تهنئة إلى الرئيس السوري الجديد، وليس وارداً فعلُ ذلك، إذ يتعين الانتظار حتى تاريخ 17 إبريل/ نيسان المقبل، في عيد استقلال سورية، لرصد ما إذا كانت الرئاسة الجزائرية سترسل برقية تهنئة، عدا عن الصيغة التي ستستخدم في مخاطبة الشرع، خاصة بالنظر إلى تحفظات مبدئية تبديها الجزائر بشأن الاعتراف بقادة الدول الذين يصلون إلى السلطة بالقوة أو الانقلابات، وخارج صناديق الاقتراع أو التفاهمات الوطنية.

ما يمكن أن يعزّز التحفّظ الجزائري بشأن التطورات والسلطة السياسية الجديدة في دمشق قرارُ نقل السفير الجزائري في دمشق كمال بوشامة إلى العاصمة اللبنانية بيروت سفيراً مفوضاً، بعد أقل من سنة على تعيينه للمرة الثانية سفيراً في دمشق. وتقرر نقله إلى بيروت خلفاً للسفير رشيد بلباقي، حيث لا يُعرف ما إذا كانت الجزائر ستقرر تعيين سفير جديد لها في سورية، أم ستُبقي السفارة تحت إشراف القائم بالأعمال، إلى غاية اتضاح الأمور واستقرار الأوضاع الحكومية في سورية.

ويعتقد مراقبون أن التحفظات الجزائرية وعدم المبادرة إلى التواصل مع السلطة الجديدة في سورية، ترتبط بعدة أسباب، يشرح المحلل السياسي خليفة عابد أبزرها خلال حديث مع "العربي الجديد" بالقول إنّ "سورية ليست على أولوية الجزائر في المرحلة الحالية، مقارنة مع قضايا وأوضاع إقليمية تبدو أكثر إلحاحاً، كليبيا ومالي والنيجر، إضافة إلى أن الخلفية السياسية للسلطة القائمة في دمشق (الإسلاميين) قد يكون لها دور في الموقف الجزائري الذي يريد أخذ مسافة إلى حين اتضاح الأوضاع على نحو جيّد في دمشق".

دعوة لتعامل الجزائر بواقعية مع أوضاع سورية

لكن عضو لجنة الشؤون الخارجية في البرلمان عبد السلام بشاغا لا ينظر بارتياح إلى التحفظ الجزائري القائم إزاء سورية الجديدة، ويؤكد في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن "الجزائر لديها تقاليد في العمل إزاء التعامل مع الدول، والتغيير الذي حصل في سورية بغض النظر عن سياقاته وإراحة الشعب السوري من أزمة دامية، قد يبعد الجزائر عن المشهد السوري، وبالتالي سيبعدها أكثر عن أي دور فاعل في المنطقة العربية"، داعياً إلى "التعامل بواقعية أكبر مع الحالة السورية، فهناك واقع سوري جديد يتأسس، وعلى الجزائر أن تتعامل مع هذا الواقع بغضّ النظر عن أي اعتبارات تخصّ خلفية السلطة الجديدة في سورية".

قراءة المقال بالكامل