اعتبر الرئيس الأميركي دونالد ترامب الاثنين أنّ نموذج الذكاء الاصطناعي منخفض التكلفة الذي طورته شركة ديبسيك الصينية، هو بمثابة "جرس إنذار" للشركات الأميركية في سيليكون فالي، بعدما أحدث إطلاق التطبيق الصيني المشابه لـ"تشات جي بي تي" تراجعاً كبيراً في أسهم شركات التكنولوجيا العالمية.
لم يحظ إطلاق آخر نموذج لـ"ديبسيك" بداية باهتمام كبير إذ هيمن عليه تنصيب ترامب في اليوم ذاته. لكن روبوت الدردشة الصيني المعتمد على الذكاء الاصطناعي حقق انتشاراً كبيراً، نهاية الأسبوع، ليصبح التطبيق المجاني الأكثر تحميلاً في سوق التطبيقات التابع لشركة آبل في الولايات المتحدة، ليحل مكان "تشات جي بي تي" الذي طورته شركة أوبن إيه آي.
وكانت المفاجأة الأكبر التي هزّت القطاع إعلان "ديبسيك" أنها طورت نسختها الأخيرة "آر1" بجزء صغير من الكلفة التي تتكبدها الشركات الكبرى في تطوير الذكاء الاصطناعي، خصوصاً على شرائح "إنفيديا" الإلكترونية وبرامجها.
تنافسية ديبسيك
يحمل الأمر أهمية بالغة نظراً إلى أن ازدهار الذكاء الاصطناعي الذي لعب إطلاق "تشات جي بي تي" أواخر العام 2022 دوراً أساسياً فيه، حوّل "إنفيديا" إلى إحدى شركات العالم الأعلى قيمة. أحدثت التطورات الأخيرة هزة في قطاع التكنولوجيا الأميركي وطرحت سؤالاً مهماً: هل يتعين على كبرى شركات التكنولوجيا مواصلة إنفاق مئات مليارات الدولارات على الاستثمار في الذكاء الاصطناعي بينما بإمكان شركة صينية إنتاج نموذج مواز بكلفة أقل بكثير على ما يبدو؟ يسدد التقدم الذي حققته "ديبسيك" ضربة لواشنطن وأوليتها المتمثلة بالمحافظة على تفوق الولايات المتحدة تكنولوجيا.
سارع ترامب للتعليق الاثنين قائلاً "نأمل أن يكون إطلاق ديب سيك للذكاء الاصطناعي من شركة صينية بمثابة جرس إنذار لحاجة صناعاتنا إلى التركيز الحاد على المنافسة للفوز". لكن ترامب استطرد معتبراً أن هذه الصدمة قد تكون أيضا "إيجابية" بالنسبة لكبرى شركات التكنولوجيا الأميركية، قائلاً "بدلاً من إنفاق المليارات والمليارات، ستنفق أقل على أمل أن تصل إلى الحل نفسه". من جانبه، أفاد الرئيس التنفيذي لـ"أوبن إيه آي" سام ألتمان، في منشور على "إكس"، بأنّ "وجود منافس جديد هو أمر محفّز".
ووصف "آر1" بأنه "نموذج مثير للإعجاب، خصوصاً في ما يتعلق بما تمكنوا من إنجازه مقابل الثمن" الزهيد، متعهداً تسريع عمليات إطلاق "أوبن إيه آي" لنماذج جديدة. تأتي التطورات على خلفية مساعي الحكومة الأميركية لحظر تطبيق تيك توك الصيني في الولايات المتحدة أو إجبار الشركة المطورة له على بيعه.
وفي هذا السياق، لفت ترامب الاثنين إلى أنّ شركة مايكروسوفت تجري مفاوضات لشراء تيك توك. وقال مستشار ترامب في مجال الذكاء الاصطناعي والذي يعد مستثمراً بارزاً في مجال التكنولوجيا ديفيد ساكس إنّ نجاح "ديبسيك" يبرر قرار البيت الأبيض إلغاء أوامر تنفيذية صدرت في عهد الرئيس السابق جو بايدن والتي حددت معايير سلامة لتطوير الذكاء الاصطناعي. وكتب ساكس على منصة "إكس" أن القواعد "كانت لتعيق شركات أميركية للذكاء الاصطناعي من دون أي ضمانة بأن الصين ستقوم بالخطوة ذاتها".
وعبّر الرئيس التنفيذي لاتحاد قطاع التكنولوجيا "تشيمبر أوف بروغرس" آدم كوفاسيفتش عن رأي مشابه قائلاً "تتمثل الأولوية الآن في مجال الذكاء الاصطناعي في ضمان انتصار" الولايات المتحدة. من جانبه، اعتبر مارك أندريسن، المستثمر في مجال التكنولوجيا والمتحالف مع ترامب، أنّ "آر1 التابع لديب سيك هو الذكاء الاصطناعي يعيش لحظة سبوتنيك"، في إشارة إلى إطلاق الاتحاد السوفييتي أول قمر اصطناعي في الأرض عام 1957 في خطوة أثارت دهشة الغرب.
وقبل ساعات على فتح الأسواق، اعتبر الرئيس التنفيذي لشركة مايكروسوفت ساتيا ناديلا أن تراجع كلفة الذكاء الاصطناعي يصب في مصلحة الجميع. لكن ناديلا نفسه حذر، الأسبوع الماضي، أثناء المنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس من أن "علينا أخذ التطورات القادمة من الصين على محمل الجد بشكل كبير". تخطط شركة مايكروسوفت لاستثمار 80 مليار دولار في الذكاء الاصطناعي هذا العام، بينما أعلنت "ميتا" عن استثمارات بقيمة 60 مليار دولار على الأقل الجمعة.
بيع تيك توك
وسيذهب الجزء الأكبر من هذه الاستثمارات إلى خزينة "إنفيديا" التي تراجعت أسهمها بنسبة 17% الاثنين. ولعل اللافت على وجه الخصوص في ما يتعلق بالتطورات الأخيرة هو أنّ "ديبسيك"، على اعتبارها شركة صينية، لا يمكنها الوصول بسهولة إلى شرائح "إنفيديا" الإلكترونية المتطورة بموجب القيود التي تفرضها الولايات المتحدة على تصديرها.
ويشتبه إيلون ماسك الذي استثمر بشكل كبير في شرائح "إنفيديا" الإلكترونية من أجل شركته "إكس إيه آي" بأن تكون "ديبسيك" تمكنت من الوصول سرّاً إلى شرائح "إتش100" H100 المحظورة، وهو اتهام صدر أيضاً عن الرئيس التنفيذي لشركة "سكيل إيه آي" ScaleAI الناشئة في سيليكون فالي والمدعومة من "أمازون" و"ميتا". لكن المستثمر جين جو سكوت المقيم في هونغ كونغ اعتبر على "إكس" أن هذا النوع من الاتهامات "يذكّر برد فعل فريق الأطفال الأثرياء الذي خسر أمام فريق الأطفال الفقراء".
من جانبها، أكدت "إنفيديا" في بيان أن تكنولوجيا "ديبسيك" "ممتثلة بالكامل لضوابط التصدير". في الأثناء، حذّر وزير العلوم الأسترالي إيد هاسيك من مخاوف مرتبطة بالخصوصية في ما يتعلق بتطبيق ديبسيك، داعياً المستخدمين إلى التفكير ملياً قبل تحميله. وقال "هناك العديد من الأسئلة التي يتعين الإجابة عليها في أسرع وقت بشأن النوعية وتفضيلات المستهلكين والبيانات وإدارة الخصوصية".
وكان ترامب أعلن أنّ شركة مايكروسوفت بدأت محادثات لشراء تطبيق "تيك توك" الصيني، معرباً عن رغبته برؤية "حرب عروض" خلال عملية بيع تطبيق التواصل الاجتماعي. وأفاد في تصريحات للصحافيين، الاثنين، بأنه تحدث مع العديد من المستثمرين بشأن تيك توك، وأن التطبيق لاقى اهتماماً كبيراً من قبل شركات كبرى.
وفي 20 يناير/ كانون الثاني أوعز ترامب لوزارة العدل بتأجيل تنفيذ قانون حظر "تيك توك" على مستوى البلاد، لمدة أقصاها 75 يوماً. وأشار حينها إلى أن هذا الإجراء سيمنع الإغلاق المفاجئ لمنصة تواصل يستخدمها ملايين الأميركيين، ويتيح فرصة لتحديد مسار مناسب يحمي الأمن القومي. وأضاف أنه إذا لم يتحقق اتفاق فإن التطبيق سيكون بلا قيمة وسيتعين إغلاقه، معرباً عن اعتقاده بأن قيمة "تيك توك" تصل إلى تريليون دولار.
وفي 18 يناير/ كانون الثاني، أبلغت "تيك توك" المستخدمين في الولايات المتحدة أن تطبيقها "لن يكون متاحاً مؤقتاً" اعتباراً من 19 من الشهر نفسه، عندما يبدأ سريان القانون الذي يحظر التطبيق في البلاد. وفي 17 يناير الجاري صادقت المحكمة العليا الأميركية على تطبيق القانون الذي ينص على حظر "تيك توك" في حال لم يتم بيعه لشركة أميركية. وأوضحت المحكمة أن "الكونغرس قرر أن نقل ملكية تيك توك ضروري لمعالجة المخاوف المتعلقة بجمع البيانات وعلاقته بجهة أجنبية تهدد الأمن القومي".
(رويترز، أسوشييتد برس)
