يحل علينا الثلاثون من شهر يناير بذكرى وفاة (اغتيال) الزعيم الروحي، أنبل مثال أخلاقي عرفته الإنسانية، "غاندي" فكان بمثابة الحكيم الثائر الذي قدم لنا الحقيقة سافرة، بلا رتوش، والمُلقب بالمهاتما وتعني الروح العظيم. فقد استطاع أن يصور في بساطة عميقة مجريات الواقع اليومي لأبناء الهند البسطاء، ويكشف في صراحة المتناقضات الاجتماعية التي تُشكِل إيقاع الحياة الهندية وكان أهمها مشكلة التعليم. ولم يكتف عند هذا الحد، بل امتد بصره للمشكلات العالمية، ونخص بالذكر وقفته الصريحة والقوية مع القضية الفلسطينية. وسنقرأ معًا ونُقلب صفحات تلك الشخصية لنتفقد معالمها والمهمة الإنسانية التي كرس غاندي حياته من أجلها ويا لها من مهمة تاريخية.
ولد "موهانداس كرماشاند غاندي" في بلد صغيرة تُدعى بورباندر، وهي مدينة صغيرة على الشاطئ الغربي للهند. وكان ينتمي إلى أسرة موسرة من التجار. والده هو كرمشاند غاندي، وأمه هي بوتالي با، وقد استطاع جده أن يصل إلى منصب رئيس الوزارة، ثم خلفه والد غاندي في هذا المنصب.
وفي سنة 1883م، عندما وصل غاندي إلى الثلاثة عشرة من عمره تزوج من كاستورباي، وكان حينها طالب في المرحلة قبل الثانوية. وفي سنة 1888م، بعد أن أنهى دراسته الثانوية، وسافر إلى إنجلترا لدراسة القانون، وهناك وقع على كتاب تعاليم "المجيتا" الذي أثر في حياته وفكره. وقد مكث في إنجلترا ثلاث سنوات عاد بعدها إلى الهند سنة 1891م، ليعمل بالمحاماة، إلا أنه لم يستمر طويلًا في عمله هذا. وفي العاشر من يونيو لسنة 1891م، أنهى غاندي دراسة الحقوق، وعاد إلى الهند ليشتغل بالمحاماة، وهنا تبدأ مرحلة جديدة بحياة غاندي.
وفي إبريل سنة 1893م سافر إلى جنوب افريقيا للعمل، وكان آنذاك شابًا في الرابعة والعشرين من عمره، وذلك عندما قبل الاشراف لمدة عام بصفته محاميًا على قضية لشركة دادا عبدالله وشركائه في جنوب افريقيا. وهناك ارتطم غاندي بصخرة التفرقة العنصرية، وتعرض للمهانة والأذى، بل والضرب والمبرح، لأنه "ملون"، ولمس الاضطهاد والضغط اللذين سقط تحتهما مواطنوه الهنود في ناتال. وهنا بدأت تتكشف إنسانية غاندي، وبدأت تتكون أول مبادئ فلسفته الداعية إلى مقاومة الاستعباد ومحاربة الظلم بالوسائل السلمية واللاعنف.
وفي يناير سنة 1908م، سُجن غاندي شهرين لدعوته لتحدي "القانون الأسود سنة 1907م" الذي كان يلزم جميع الهنود في الترانسفال (مقاطعة تقع في شمال شرق جنوب أفريقيا) بتسجيل أسمائهم وبصماتهم. وفي سنة 1914م عاد غاندي إلى الهند، بعد أن أحس بأنه فعل كل ما بوسعه لرفع الظلم عن مواطنيه وتحقيق مطالبهم العادلة. عاد ليُتابع رسالته في الوطن ذاته، وكانت شهرته قد سبقته إلى بلاده.
وفي يناير سنة 1915م، عاد إلى الهند وترك العمل نهائيًا في جنوب أفريقيا، بعد اثنتين وعشرين سنة قضاها في جنوب إفريقيا، حتى يبدأ النضال من أجل الهند، وهنا قد اكتملت في ذهنه فكرته عن الساتياجراها. وفي شهر مايو استقر به المقام على شاطئ نهر سابارماتي عند مشارف مدينة أحمد أباد وأسس لنفسه مختلى سمي "أشرم الساتياجراها".
