تهاوي الذهب الأبيض في سورية... الجزيرة الأكثر تضرراً

منذ ١ يوم ٣٥

شكّل القطن السوري ركيزة استراتيجية في الاقتصاد الزراعي طيلة عقود، إذ ساهم في تحريك عجلة الإنتاج، وتوفير العملة الصعبة، وتشغيل مئات الآلاف في قطاعات الزراعة والصناعة والنقل.

وفي عام 2011، بلغ إنتاجه 750 ألف طن، محتلاً المرتبة الثامنة عالمياً، وغطّى نحو 22% من الأراضي المروية.
لكن الحرب أدّت إلى انهيار هذا القطاع، فتراجع الإنتاج إلى أقل من 14 ألف طن في عام 2024، وانكمشت المساحات المزروعة من 250 ألف هكتار إلى أقل من 35 ألفاً، وتوقفت غالبية المحالج، باستثناء محلجي العاصي في حماة وتشرين في حلب.
وفي هذا الإطار، قال الخبير بعلوم المحاصيل الحقلية أحمد حامد، لـ "العربي الحديد"، إنه في عام 2010، كانت سورية ثاني أكبر منتج عالمي لألياف القطن العضوي بعد الهند، بإنتاج بلغ 20 ألف طن، وأسهمت الصناعات النسيجية بـ27% من الناتج الصناعي غير النفطي، و45% من الصادرات غير النفطية.
وأضاف حامد: صادرات القطن تقلّصت إلى نحو 25.714 طناً في عام 2020، معظمها إلى تركيا، وتراجعت كميات الأقطان المحبوبة (بها بذور) بنسبة 99%، والمحلوجة بنسبة 95%، والبذور المنتجة بنسبة 96%. ومع غياب الدعم واستمرار التدهور، يواجه هذا المحصول الاستراتيجي خطر الزوال، خصوصاً في مناطق الجزيرة السورية (الحسكة – دير الزور – الرقة)، التي كانت تُعدّ الركيزة الأساسية لزراعة القطن في سورية، نتيجة البيئة الملائمة والمساحات الشاسعة.

قطن سورية من التصدير إلى الانحسار

خلال سنوات الازدهار، لم تكن سورية تكتفي بإنتاج القطن لتغطية حاجتها المحلية من الصناعات النسيجية، بل كانت تصدّره إلى عدة دول، وكانت صادراته تدرّ على خزينة الدولة ملايين الدولارات. أما اليوم، فقد أصبح الفلاحون يزرعون القطن على مساحات ضئيلة، ما ينذر بانقراض هذا المحصول الاستراتيجي في حال استمرار التراجع.

المهندس الزراعي المختص في شؤون المحاصيل الحقلية من مدينة الحسكة، جاسم العماش، يرى في حديث لـ"العربي الجديد"، أن هناك عدة أسباب رئيسية أدت إلى تراجع محصول القطن، منها نقص المياه نتيجة جفاف نهر الخابور، وتراجع مناسيب نهر الفرات، ونضوب عدد كبير من الآبار السطحية والارتوازية، ما جعل عملية الري شديدة الصعوبة، ودفع بالعديد من الفلاحين للعزوف عن زراعته.
كما أشار إلى غياب الدعم اللوجستي والإداري، حيث لا يحصل الفلاحون في المناطق الشرقية على مستلزمات الإنتاج من بذور وأسمدة ومبيدات بأسعار مدعومة أو بكميات كافية، ما يزيد من التكاليف ويقلل جدوى الزراعة.

وأضاف العماش أن ارتفاع تكاليف الزراعة، مثل أسعار المحروقات، وأجور اليد العاملة، وصيانة الآليات الزراعية، جعل زراعة القطن مشروعاً غير مجدٍ اقتصادياً لكثير من الفلاحين.

ويُضاف إلى ذلك انتشار الحشرات والأمراض، مثل دودة اللوز، في ظل غياب خطط مكافحة فعّالة من قبل الجهات المختصة.

مزارعون يروون معاناتهم

"زرعت خمسة دونمات فقط هذا الموسم، وأنا أعلم أن الربح غير مضمون، لكن لا بديل لدي"، هذا ما قاله أبو خليل، أحد مزارعي القطن في ريف القامشلي، الذي أضاف لـ"العربي الجديد": "نفتقر إلى المياه، والمبيدات باهظة الثمن، ولا نجد من يشتري المحصول بسعر مناسب بعد حصاده".
أما أبو رشيد من دير الزور، فيشير إلى أن الكثير من الفلاحين تخلّوا عن القطن، ويقول: "الخضروات اليوم تعطي مردوداً أكبر، ولا تحتاج إلى نفس الجهد أو المخاطرة. القطن بحاجة إلى دعم حقيقي، ومن دونه لا يمكننا الاستمرار به".
الأكاديمي السوري من أهالي مدينة الحسكة، أحمد حامد أحمد، أشار إلى عدد من العوامل المطلوبة للنهوض بواقع زراعة القطن في سورية، منها زيادة المساحات المزروعة وتحسين إنتاجية وحدة المساحة، والتحول إلى الري الحديث، وإدخال أساليب المكننة المتكاملة لتقليل التكاليف، بالإضافة إلى تطوير المعاملات الزراعية ونقل التقنيات الحديثة ونتائج البحوث العلمية. كما شدّد على ضرورة استنباط أصناف جديدة ذات إنتاجية عالية ومواصفات متلائمة مع التغيرات المناخية، وتأمين المواد الأولية لمعامل الحلج والغزل والنسيج.

قراءة المقال بالكامل