توقيفات مرتبطة بـ"داعش" في لبنان تثير قراءات متباينة

منذ ٦ ساعات ٢٩

عاد الحديث عن خطر تنظيم داعش في لبنان عقب تفجير كنيسة مار إلياس في دمشق في يونيو/حزيران الماضي، وإعلان الجيش اللبناني، بعد أيام قليلة، توقيف قياديّين بارزين في التنظيم، ما أعاد النقاش حول طبيعة نشاط "داعش" في لبنان، وما إذا كان يعكس مؤشرات أمنية جدية أم يُوظَّف ضمن سياقات سياسية أو إعلامية. وأعلنت قيادة الجيش اللبناني، في 24 يونيو/ حزيران الماضي، أنه "بعد سلسلة عمليات رصد ومتابعة أمنية، أوقفت مديرية المخابرات المواطن (ر.ف.)، الملقب بـ"قسورة"، وهو أحد أبرز قياديي تنظيم داعش الإرهابي، كما شارك في التخطيط لعمليات أمنية". وأضافت أنها "ضبطت في حوزته كمية كبيرة من الأسلحة والذخائر الحربية، بالإضافة إلى أجهزة إلكترونية ومعدات لتصنيع الطائرات المسيّرة".

وأوضحت في بيان أن "الموقوف قد تسلّم قيادة التنظيم في لبنان بعد توقيف سلفه المواطن (م.خ.) الذي عينه التنظيم والي لبنان، والملقب بأبو سعيد الشامي، مع عدد كبير من القادة نتيجة عملية نوعية لمديرية المخابرات بتاريخ 27 يناير/ كانون الأول 2024". وتابع البيان: "سُلّمت المضبوطات، وبوشر التحقيق مع الموقوف بإشراف القضاء المختص". تزامن ذلك مع تسريبات إعلامية عن تفكيك خلايا يشتبه بارتباطها بالتنظيم، منها في الضاحية الجنوبية لبيروت، كانت تخطط لتنفيذ هجمات على الأراضي اللبنانية، بيد أن الجهات الرسمية لم تصدر أي بيان بشأنها، ما دفع البعض للتشكيك في صحة هذه الأنباء. 


مصادر: أكثر من 20 شخصاً أوقفوا في الأشهر القليلة الماضية، مرتبطين بتنظيم داعش

في هذا السياق قالت مصادر عسكرية لـ"العربي الجديد"، إن "أكثر من 20 شخصاً أوقفوا في الأشهر القليلة الماضية، مرتبطين بتنظيم داعش"، فيما "نفذ الجيش عمليات نوعية ومداهمات ألقي خلالها القبض على أشخاص جرى التحقيق معهم، منهم لبنانيون وسوريون"، لافتاً إلى أن هؤلاء "ليسوا جميعهم مرتبطين ببعضهم البعض". وأشارت المصادر إلى أن "لا أرقام رسمية حول عدد الموقوفين حديثاً، فهناك أكثر من جهاز أمني ينفذ عمليات وتوقيفات، وهناك أشخاص يتبين بعد التحقيق معهم أنهم غير مرتبطين بداعش". وشددت على أن "المداهمات والعمليات الميدانية مستمرّة"، مشيرة إلى وجود "تنسيق أيضاً في هذا الموضوع مع الجهات السورية". كما لفتت إلى أن "هناك سرية في التحقيقات ولا يمكن الكشف عن جميع العمليات، خصوصاً عند تنفيذها، فهناك توقيفات تحصل يسارع الإعلام لربطها بداعش لكن يتبين بعد التحقيق أنهم (الموقوفين) غير مرتبطين بالتنظيم".

وحول وجود مخاوف من تجدّد نشاط "داعش" في لبنان، وتنفيذ اعتداءات داخل الأراضي اللبنانية، اعتبرت المصادر أن "المداهمات التي تحصل اليوم ليست جديدة، فالأجهزة الأمنية دائماً ما تنفذ مداهمات وعمليات لتوقيف مطلوبين ومتورطين ومجموعات تنتمي إلى تنظيمات متطرفة". لكنها استدركت أنه "عندما تحصل تطورات في المنطقة ككلّ، تصبح هناك مخاوف أمنية، وتتكثّف أكثر العمليات الاستباقية لحماية الأمن والاستقرار". وأبرز المخاوف، وفق المصادر، كانت تصبّ "نحو سجن رومية (في قضاء المتن شرق بيروت) حيث كانت هناك نيّات بحسب التحقيقات، لتهريب أو تحرير سجناء يفوق عددهم الـ300 موقوف، نصفهم تقريباً من السوريين، مرتبطين بملفات ذات صلة بالتنظيم". مع العلم أن ملف السجناء والموقوفين السوريين في لبنان، وتحديداً سجن رومية، كان من بين العناوين التي طرحت أخيراً بين السلطات اللبنانية والسورية، من دون الإعلان عن خطوات لمعالجة هذا الملف.

خلايا "داعش" في لبنان

من جهته رأى وزير الدفاع اللبناني الأسبق، يعقوب الصراف، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "داعش لم ينتهِ حتى يعود، وليس هناك من إثبات بأن نشاطه توقّف، لكن ما نعرفه أنه عام 2017 انسحب إلى سورية بالقسم الذي كان موجوداً في عرسال (في محافظة بعلبك الهرمل على الحدود مع سورية)، لكننا لم نعرف شيئاً عن بقايا الخلايا، وما إذا كانت انسحبت كلياً أم لا". يُذكر أنه في نهاية أغسطس/ آب 2017، أعلن قائد الجيش اللبناني حينها جوزاف عون (الرئيس الحالي)، انتهاء عملية "فجر الجرود"، بعد 10 أيام من المعارك ضد تنظيم داعش، في أطراف بلدات لبنانية شرقي البلاد، قرب الحدود مع سورية. من ناحية ثانية، بحسب الصراف الذي تولّى مهام وزارة الدفاع من عام 2016 لغاية 2019، "فخطر التطرف الإرهابي قائم حكماً، وليس بالضرورة أن يكون بالاسم نفسه"، لافتاً إلى أن "هذه الحركات قد تملك أهدافاً لضرب الاستقرار في لبنان أو استعمال الفوضى لزعزعة الأمن في البلاد".

فزّاعة أمنية

بدوره، قال الباحث اللبناني خالد الحاج إنه "منذ لحظة ولادة داعش لم تجد التنظيمات الجهادية المتطرفة موطئ قدمٍ حقيقيا لها في لبنان"، موضحاً لـ"العربي الجديد"، أن "البيئة السنّية في هذا البلد لم تكن يوماً قابلة لاحتضان هذا النوع من التنظيمات، لا فكرياً ولا اجتماعياً". وعزا ذلك إلى "ما يمكن تسميته مناعة مكتسبة من تجربة مضادة، بدأت ملامحها منذ العام 2007 مع ظهور تنظيم فتح الإسلام في مخيم نهر البارد للاجئين الفلسطينيين (في طرابلس شمال لبنان)، بقيادة شاكر العبسي (مصيره غير معروف بعد معارك لنحو أربعة أشهر مع الجيش وسيطرة الأخير على المخيم)". وذكّر الحاج أنه "حين ظهر داعش لاحقاً على الساحة السورية والعراقية، ثم حاول التمدّد إلى لبنان في عام 2014 وشنّ عمليات إرهابية في رأس بعلبك والقاع، ثم تفجيرات برج البراجنة (في الضاحية الجنوبية لبيروت 2015) وتفجير شارع الحسينية في الضاحية الجنوبية (2015)، كانت ردة الفعل السنيّة في لبنان واضحة، بأن هذا التنظيم لا يمثلنا، بل يمثل مشروعاً مريباً". وبرأي الحاج تعود إلى الساحة بعض الأصوات التي تلوّح بخطر "داعش" في لبنان أو تروّج لاحتمال عودة نشاطه "لكن هذه العودة لا يمكن قراءتها إلا بوصفها عودة إلى أدوات قديمة في لعبة مخابراتية تتجدد". من هنا، أضاف الحاج، فإن عودة الحديث عن "داعش في لبنان" ليست إنذاراً بخطر داخلي، بقدر ما هي إشارة إلى محاولة لعودة لعبة شدّ العصب الطائفي من جديد وألعاب مخابراتية أصبحت مكشوفة".


جورج نادر: موضوع "داعش" سياسي  بهدف صرف النظر عن المشكلة الأساسية المرتبطة بحزب الله وسلاحه

أما العميد اللبناني المتقاعد، جورج نادر، فاعتبر في حديث لـ"العربي الجديد" أن "موضوع داعش يُستخدم شمّاعة وفزّاعة، وهو سياسي أكثر منه أمنيا بهدف صرف النظر عن المشكلة الأساسية المرتبطة بحزب الله وسلاحه". وأوضح أن "داعش وخلاياه النائمة موجود في كل دول العالم بما في ذلك أميركا وأوروبا وغيرها، ونحن لا ننفي ذلك (وجود التنظيم في لبنان)، لكن ذلك يؤثر بمسيرة الأمن ولا تعرّض البلد والسلم الأهلي للخطر".

ولا يستبعد نادر أن تحصل اعتداءات في لبنان، فهناك خلايا نائمة لتنظيم داعش "لكن ذلك لن يهدّد السلم الأهلي، لأن لا بيئة حاضنة للتنظيم". وبرأيه فإن موضوع "داعش" في لبنان يثار دائماً بهذه الطريقة عندما يكون لبنان أمام استحقاق، لافتاً إلى أن "الأجهزة الأمنية أحياناً تعلن عن عملياتها من مداهمات وتوقيفات، لكن أحياناً أخرى لا تكشف عنها لأسباب مرتبطة بسرية التحقيق أو لعدم الإضاءة عليها كي لا تأخذ الخلايا الأخرى حذرها". وأشار إلى أن "الخلايا في لبنان لا تنسّق مع بعضها ولا تعرف بعضها البعض، ولو أنّ مشغّلها واحد وهو خارج البلاد، إلا أن الأجهزة تقوم بعملها وبعمليات استباقية لإحباط أي عملية يُخطّط لها".

قراءة المقال بالكامل