جدال مزمن قد يطول رغم محاولات حسمه: هل البدانة مرض؟

منذ ١ شهر ٤٦

هل يمكن تصنيف الأشخاص البدناء مرضى؟ جدال مزمن تتقاطع فيه المعطيات الطبية والاجتماعية، توافق خبراء عالميون أخيراً على إجابة موحّدة بشأنه، غير أنّ نتيجتهم غير الحاسمة حول الموضوع قد لا تُرضي أيّاً من الأطراف المعنيّة. وقد أشارت خلاصة بحث نشرتها مجلة "ذا لانسيت ديابيتيس إند أندوكرينولوجي" المتخصّصة في أمراض السكري والغدد الصمّاء، اليوم الأربعاء، إلى أنّ "فكرة تصنيف البدانة مرضاً تمثّل جوهر أحد أكثر النقاشات المثيرة للجدال والانقسام في الطبّ الحديث". وقد حمل المقال الطبي الموسّع توقيع عشرات المتخصصين في مجال البدانة، وقد اتّفق هؤلاء على إعادة تعريف كيفية تحديد هذه الحالة وكذلك المشكلات الصحية التي تتسبّب فيها.

وينطوي موضوع البدانة على حساسية كبيرة، ويثير بانتظام نقاشات محتدمة تتجاوز حدود المجتمع الطبي. فمن المعروف أنّها ترتبط بمجموعة كبيرة من الأمراض، من قبيل داء السكري وأمراض القلب والأوعية الدموية، غير أنّ مراقبين يرون أنّ في إمكان الشخص البدين أن يعيش في بعض الأحيان بصحة جيدة، وبالتالي لا ينبغي توصيف وزنه الزائد إلا "عامل خطر". بالنسبة إلى آخرين، تمثّل البدانة بالضرورة مشكلة صحية، من هنا وجوب تصنيفها مرضاً في حدّ ذاته، وهذا رأي منظمة الصحة العالمية.

Re-Defining Obesity as a Disease 🩺

👉 Read more in our news: https://t.co/XKipytAsKf

A new report of the Commission on Clinical Obesity, published in The Lancet #Diabetes & #Endocrinology, introduces a transformative framework moving beyond #BMI, focusing on body fat… pic.twitter.com/gqw7PV3rd7

— Helmholtz Munich | @HelmholtzMunich (@HelmholtzMunich) January 15, 2025

ويتناول هذا النقاش جزئياً قضايا متعلّقة بمكافحة التمييز، ويرى ناشطون في مجال مكافحة ما يُطلقون عليه "رهاب البدانة" أنّه لا ينبغي أن يمثّل مظهر البدناء بحدّ ذاته وصمة سلبية تدفع إلى تصنيفهم مرضى. ومع ذلك، من المبالغة اختصار الجدال بأنّه مجرّد مواجهة ما بين المرضى والأطباء. ومن بين أفراد الفئة الأولى، كثيرون هم الذين يرون ضرورة النظر إلى البدانة بصفتها مرضاً، حتى يكون من الممكن التعامل معها على محمل الجدّ وتنفيذ سياسات صحية عامة طموحة بما فيه الكفاية. في المقابل، يرى أطباء كثيرون مجازفة قد تحول دون تلبية احتياجات المرضى في حال التعامل مع البدانة بصفتها مرضاً قائماً بحدّ ذاته وليس عامل خطر مرتبطاً بأمراض متغيّرة جداً يعاني منها المريض.

وللتساؤلات المتعلقة بهذه القضية الصحية أهمية خاصة، ولا سيّما مع ظهور علاجات ناجعة لإنقاص الوزن، بما في ذلك منتج "ويغوفي" الشهير على سبيل المثال. لكنّ آثار تلك العلاجات الجانبية ما زالت تستدعي طرح أسئلة كثيرة، من بينها ما يتعلق بجدوى أو ضرورة توفيرها على نطاق واسع أو حصرها بالمرضى الذين يعانون من تبعات صحية كبيرة من جرّاء إصابتهم بالبدانة.

لكن في نهاية المطاف، "لا أحد على حقّ كلياً ولا أحد على خطأ كلياً"، بحسب ما شدّد الطبيب المتخصّص في جراحات البدانة فرانشيسكو روبينو، الذي ترأس عمل لجنة الخبراء الذين أعدّوا البحث المنشور في مجلة "ذا لانسيت ديابيتيس إند أندوكرينولوجي"، في مؤتمر صحافي أخير. وقد حرص الخبراء في توصياتهم الجديدة على توخّي الدقة، إذ باختصار، البدانة مرض، لكن ليس في كلّ الأوقات.

ويشدّد الخبراء في البداية على نقطة، ثمّة إجماع عليها أخيراً، وهي أنّ مؤشّر كتلة الجسم الذي يقيس النسبة ما بين وزن الشخص وطول قامته غير كافٍ على الإطلاق لتحديد البدانة. ويشرحون أنّه سيتوجّب استكمال عملية الحساب هذه باختبارات أخرى لتحديد معاناة المريض من البدانة أو لا، من قبيل قياس محيط الخصر أو استخدام تقنيات الأشعّة لتقدير كميّة الدهون في الجسم. لكن حتى لو حُدّدت إصابة الشخص المعنيّ بالبدانة، فإنّ الخبراء لا يعدّون ذلك مرضاً بالضرورة. وبحسب رأيهم، فإنّ البدانة لا تُشخَّص سريرياً إلا عندما تظهر على الأعضاء علامات خلل في وظائفها. ويدعون إلى الحديث عن البدانة "ما قبل التشخيص السريري"، وهكذا لا يكون الأمر مرضاً، بل حالة تتطلّب إجراءات وقائية في الأساس، وليس بالضرورة علاجات دوائية أو جراحية، من أجل تجنّب "الإفراط في العلاج الطبّي".

ويبدو أنّ الخبراء يهدفون، من خلال استنتاجاتهم هذه، إلى إرضاء جميع المعنيّين بالموضوع، لكنّهم قد يثيرون استياء الجانبَين. فثمّة رفض يُسجَّل، في جمعيات مخصّصة للمرضى، لفكرة عدم تصنيف البدانة تلقائياً مرضاً. وفي هذا الإطار، تقول مؤسسة التجمّع الوطني الفرنسي لجمعيات الأشخاص المصابين بالبدانة آن-صوفي جولي إنّ هذه النتائج "تتعارض مع رسائل الصحة العامة"، منتقدةً بشدّة الخبراء المنفصلين عن "الواقع الملموس" الذي يعيشه مرضى البدانة الذين لا يجدون متابعة كافية لوضعهم.

كذلك فإنّ عمل لجنة الخبراء الذين نشروا نتائج بحثهم في مجلة "ذا لانسيت ديابيتيس إند أندوكرينولوجي" لا يرضي الجهات التي تعارض تصنيف البدانة مرضاً، على سبيل المتخصصة في علم النفس، سيلفي بن كمون، التي ترأس مجموعة التفكير في البدانة وزيادة الوزن (غرو). وتقول بن كمون: "هذا ليس كافياً، على الرغم من أنّه يُحسَب له فتح نقاش في الموضوع"، مشيرةً إلى أنّ الخبراء لا يقدّمون أيّ إجابات تقريباً في ما يتّصل بالرعاية الصحية، وأنّ توصياتهم قد لا تغيّر كثيراً في مواقف مقدّمي تلك الرعاية.

(فرانس برس)

قراءة المقال بالكامل