أثار إعلان السلطات في تونس سحب قبولها اختصاص المحكمة الأفريقية في تلقي عرائض من أفراد ومنظمات غير حكومية جدلاً داخلياً ومخاوف من تدهور حالة حقوق الإنسان في البلاد، وقال بيان للخارجية التونسية، السبت، إن "تونس لم تنسحب من البروتوكول المتعلّق بالميثاق الأفريقي لحقوق الإنسان والشّعوب، القاضي بإنشاء المحكمة الأفريقيّة لحقوق الانسان والشّعوب، وإنما سحبت إعلانها قبول اختصاص هذه المحكمة في تلقّي عرائض من الأفراد والمنظّمات غير الحكوميّة".
وأوضحت الوزارة أن "السلطات التونسية اتخذت هذا القرار السيادي، نظراً لما سُجّل في الآونة الأخيرة من رفع عديد القضايا ضد الدولة التونسية أمام المحكمة الأفريقية، التّي كان الغرض منها التوظيف السياسي بغاية التشهير والمسّ بهيبة الدولة ومؤسساتها وبمصداقية القضاء التونسي دون وجه حق، رغم الجهود المتضافرة من أجل تطوير الوظيفة القضائية، بفضل الترسانة القانونية الشاملة والمتكاملة التي تضمن استقلاليّة القضاء وحياده واستصدار أحكام عادلة للمتقاضين".
ونشرت جمعيات تونسية بياناً انتقدت فيه موقف السلطة، من بينها المنظمة الدولية لمناهضة التعذيب، ومحامون بلا حدود، والشبكة الأورومتوسطية للحقوق، وهيومن رايتس ووتش، وجمعية تقاطع للحقوق والحريات، ومنظمة لا سلام بدون عدالة، وغيرها. واعتبرت الجمعيات أن "سحب تونس إمكانية اللجوء إلى المحكمة الأفريقية للأفراد والمنظمات غير الحكومية انتكاسة خطيرة لجهود المساءلة في قضايا حقوق الإنسان".
وقالت الجمعيات إن "هذا القرار يمنع الأفراد والمنظمات غير الحكومية، التي تتمتع بصفة مراقب أمام اللجنة الأفريقية لحقوق الإنسان والشعوب، من رفع قضايا مباشرة ضد تونس أمام المحكمة". وأوضحت: "يعدّ هذا الانسحاب دليلاً إضافياً على التدهور المستمر في مجال حقوق الإنسان وسيادة القانون في تونس منذ تفرد الرئيس قيس سعيد بالسلطة في يوليو/ تموز 2021، وما تبعه من إصدار عدة مراسيم أضعفت على نحوٍ منهجي الضمانات الديمقراطية الأساسية"، وأوضحت: "منذ ذلك الحين، لعبت المحكمة الأفريقية دوراً محورياً في الكشف عن تدهور حقوق الإنسان والديمقراطية في البلاد، وأصدرت أحكاماً عدّة ضد تونس، من بينها الحكم القضائي الصادر في سبتمبر/ أيلول 2022 الذي أمر بإلغاء المراسيم الرئاسية رقم 117 و69 و109 التي جرى تبنيها في ظل حالة الاستثناء"، كما أمرت المحكمة تونس بالعودة إلى النظام الدستوري خلال عامين وإنشاء محكمة دستورية مستقلة في نفس الفترة، وفي عام 2024، أعادت المحكمة التأكيد على هذا الأمر، وأمرت تونس كذلك بإلغاء المرسوم 11 الذي حلّ المجلس الأعلى للقضاء.
وأصدرت المحكمة كذلك "في أكتوبر/تشرين الأول 2024 أمراً بتعليق العمل بالمرسوم 35 الذي يسمح للرئيس بعزل القضاة تعسفياً، والأمر الرئاسي رقم 516 الذي أعفى 57 قاضياً من مناصبهم، لاعتبارهما يشكلان تهديداً لاستقلالية القضاء والقضاة". وقال المحامي إبراهيم بلغيث، صاحب الدعوى المرفوعة لدى المحكمة الأفريقية، الذي نجح في استصدار حكم في شهر سبتمبر/ أيلول 2022 يطالب فيه الدولة التونسية بإلغاء الأمر الرئاسي عدد 117 والعودة إلى الشرعية الدستورية في غضون عامين، إن "هذا القرار خطير ويمثل تراجعاً عن حقوق الإنسان"، مبيناً أن "تونس كانت أول بلد عربي وإسلامي تقبل بمقاضاتها أمام محكمة قارية لحقوق الإنسان، ومثّل ذلك مستوى عالياً من ضمانات حقوق الإنسان، وضمانة لمنع أي خروقات وانتهاكات، لكن للأسف يجري التراجع عن هذا المكسب الهام الذي كان بمثابة العدالة الانتقالية للضحايا".
وأوضح المحامي لـ"العربي الجديد" أن "على السلطة التي تحترم حقوق الإنسان أن تمتثل لأحكام المحكمة الأفريقية التي يمكن الاهتداء بها، لكن التراجع عنها سيعيدنا إلى فترة انتهاكات حقوق الإنسان وغياب أدنى الضمانات"، مبيناً أن "المواطن التونسي سيحرم مرة أخرى من إحدى أهم الضمانات في المحاكمة العادلة على مستوى دولي، وهذا الأمر سيزيد من عزلة النظام القائم".
وقال عضو جبهة الخلاص الوطني، رياض الشعيبي، في حديث لـ"العربي الجديد"، إن "انخراط تونس في الهيئات الدولية المعنية بحقوق الإنسان يزيد من التزامها بالقيم الإنسانية، لكن في المقابل هذا الانسحاب يضعف من صورتها"، وأضاف أن "تراجعات كبيرة حصلت في حقوق الإنسان بتونس منذ 25 يوليو 2021"، مبيناً أنه "رغم كل ذلك لم يكن أحد يتمنى أن يصل هذا التدهور إلى الحد الذي يجعلنا في تونس ننسحب من منظمات دولية على غرار المحكمة الأفريقية، وبالتالي هذا القرار مرفوض ويضر بسمعة تونس وبمكانتها في أفريقيا".
وأضاف أن هذا القرار "ربما يمثّل استباقاً للقرار الذي قد تصدره المحكمة الأفريقية في قادم الأيام حول الانتخابات الرئاسية والتجاوزات الحاصلة، وبالتالي يبدو أن السلطة التونسية بادرت بالانسحاب من قائمة الدول الداعمة لبرتوكول المحكمة الأفريقية"، واصفاً الخطوة بـ"الخطيرة"، وقال إنّها تؤكد "خطورة التجاوزات الحاصلة في البلاد، ما قد يضر بسمعة تونس".
