جورج روميرو... في إثر فيلم لم ير النور

منذ ١ أسبوع ٢٩

في عالمٍ يُمجّد النجاح السريع، تظل الأعمال الفنيّة غير المكتملة هي الأكثر إثارة للفضول؛ فجورج روميرو (1940 - 2017)، الملقب بعرّاب أفلام الزومبي، لم يترك خلفه مجرد أفلامٍ غيَّرت السينما، بل ترك أيضاً أحجية فنيّة في سيناريو فيلم Resident Evil الذي كان من المفترض بأن يصدر عام 1998 لكنه لم ير النور. في فيلمه الوثائقي George A. Romero’s Resident Evil الصادر هذا العام 2025، يحاول المخرج براندون سالزبوري فكَّ شيفرات هذه الأحجية، مُستعيناً بأرشيفٍ من الذكريات والمقابلات، وكأنه يُنقّب عن جثة إبداعيّة دُفنت تحت ركام الصراعات التجارية.
يبدأ الوثائقي برحلة زمنية إلى نيويورك الأربعينيات، حيث وُلد روميرو بين ملصقاتِ أفلامٍ كان يصممها والده، لتنغرس فيه بذور السورياليّة الكابوسيّة. انتقل روميرو من التلفاز إلى السينما ليُعيد تعريف الزومبي من كائنات دينية إلى جيران وأصدقاء وأحباب مُصابون بفيروس، مُحوّلاً الرعب إلى مرآة للاضطرابات الاجتماعية. أفلام له، مثل Dawn of the Dead الصادر عام 1978، لم تكن مجرد دماء، بل هجاءً لاستهلاكية الثمانينيات، وهو ما حاول تطويره لاحقاً في سيناريو Resident Evil.
بدأ الزواج الفاشل بين العبقرية والصناعة عندما تحوّلت لعبة الرعب Resident Evil عام 1996 إلى ظاهرة عالمية، مستلهمة من روح أفلام روميرو ذاتها. حينها، طلبت الشركة الألمانية Constantin Film تحويل اللعبة إلى فيلم، واختارت روميرو لكتابة السيناريو، ظنّاً منها أنه سينسجُ خيوطَ الرعبِ التي يتقنها، لكن السيناريو الذي قدّمه المخرج كان بياناً ثقافياً أكثر منه عملاً ترفيهياً.
حوَّل روميرو في السيناريو شركة أمبريلا إلى رمزٍ للجشع الرأسمالي الذي يبتلع الإنسان، وجعل من الزومبي ضحايا التجارب البيولوجيّة، وليس مجرد كائناتٍ بلا وعي. وصوَّر نهاية نووية تُذكّر بحروب الولايات المتحدة في نقدٍ مُبطّن لسياساتها. رفضت الشركة المنتجة هذه الرؤية واصفة إياها بالعنف غير المُبرر، مفضلة نسخة بول أندرسون الأقل دموية والأكثر حركة وإثارة، بينما رأى روميرو أن الدماء كانت لغة السرد الوحيدة التي تعكس فظاعة الواقع.
المخرج براندون سالزبوري ابن الروح الروميريّة هو أركيولوجي يتخصص في السينما المنسيّة، يوثّق الرحلة آنفة الذكر عبر 110 دقائق (عمله الأول)، خصص 45 منها فقط لمحاولة روميرو الفاشلة، بينما يُضيع الباقي في استعراض مسيرته المعروفة، على رغم من ذلك يقدم الفيلم لقطات نادرة من إعلان Resident Evil 2 الذي أخرجه روميرو عام 1998 ومشاهد كثيرة مهمة، لكن رحيل روميرو، ورفض شركة كابكوم المشاركة في العمل، يجعلان المشاهد المبعثرة أشبه بجنازة سينمائية بلا جثة.
الشرخ الثقافي وصراع الأولويات حاضران بقوة في العمل؛ فروميرو رأى في اللعبة نقداً للمؤسسات، بينما رأتها هوليوود منصة لإطلاق الرصاص. خطّط روميرو لمشهد يُظهر انهياراً أخلاقياً لشخصية رئيسية في ذروة العمل. في المقابل، طالب المنتجون بمشهد انفجار لمخزن أسلحة لتشويق المشاهدين. واحدة من المقابلات المهمة في العمل كانت مع الممثل تشارلي كراسلافسكي الذي ظلّ يُردد: لو قرأوا السيناريو بعناية، لَغيّروا رأيهم.

اهتم سالزبوري بالتفاصيل الدموية والرمزية الاجتماعية، ذلك يظهر في اختياره لإعادة تركيب مشاهد من اللعبة الأصلية بجودة سينمائية منخفضة، وكأنه يُنقذ ذاكرة روميرو من غبار الأرشيف، لكنه ارتكب خطأً فادحاً بإنفاقه ثلث الفيلم في سرد سيرة روميرو المكررة باعتبارها مقدمة أو درساً للمبتدئين، بينما الجمهور المستهدف يتلهف لسماع تفاصيل السيناريو الملعون، ومن جهة أخرى نجحَ في عمله الأول بتشريح الانفصال الفني بين رؤية العبقري روميرو وآلة هوليوود الجائعة.
في الختام، يراود المشاهد سؤال ملح: ماذا بقي من الكابوس اليوم؟ بعدما رفضت الشركة اليابانية مشاركة أي مواد أرشيفية، كأنها تُريد طمس الدَّين الفني الذي تدين به لروميرو.

ربما كان روميرو محظوظاً لأنه لم يُنجز الفيلم؛ فالأحلام التي لا تتحقق تظل نقية كزومبي لم يتعفن بعد، ولربما غيّرت مسار أفلام الألعاب، لا أحد يعلم، وسالزبوري في عمله هذا يكتفي بإضاءة شمعة في قبو مظلم، تذكّرنا بأن الرعب الحقيقي يكمن في الفرص الضائعة.

قراءة المقال بالكامل