جوع غزة... العيش على بقايا المعلبات

منذ ١ أسبوع ١٢

لم يبق للغزيين سوى القليل من المعلبات والخبز والزعتر للبقاء على قيد الحياة، في ظل إغلاق المعابر ومنع إدخال المساعدات الغذائية، بالإضافة إلى قصف العديد من التكيات الخيرية

بات إعداد وجبات الطعام اليومية مهمة شاقة للعائلات الفلسطينية في قطاع غزة، مع استمرار إغلاق الاحتلال الإسرائيلي المعابر الحدودية مع القطاع منذ أكثر من ثلاثين يوماً، ومنع إدخال السلع الغذائية والمساعدات الإغاثية والإنسانية، وارتفاع أسعار المتوفر منها، ما ضاعف معاناة الغزيين.
منذ الثاني من مارس/ آذار الماضي، تُطبق سلطات الاحتلال حصارها على قطاع غزة وتواصل منع إدخال كل مقومات الحياة الآدمية، أبرزها الموارد الغذائية، بما فيها الخضار واللحوم والفاكهة وغيرها من السلع، ما أدى إلى حدوث نقص حاد في السلع المتوفرة في الأسواق، بما فيها المُعلبات. 
وتتضاعف معاناة المواطنين يوماً بعد آخر في ظل إغلاق المخابز بسبب نفاد الدقيق، وارتفاع سعر الأخشاب التي تستخدم لطهي الطعام، إضافة إلى غياب شبه كامل لتكيّات الطعام الخيرية التي كانت تُشكّل ملاذاً لآلاف العائلات الفلسطينية طيلة حرب الإبادة المستمرة منذ 18 شهراً.
وبحسب المكتب الإعلامي الحكومي في قطاع غزة، فإن الاحتلال يتعمد ارتكاب جريمة التجويع الجماعي من خلال إغلاق المعابر المؤدية من وإلى قطاع غزة منذ بدء حرب الإبادة الجماعية، ومنع إدخال المساعدات بشكل كامل منذ ما يزيد عن شهر؛ فقد منع إدخال 18600 شاحنة مساعدات، و1550 شاحنة محملة بالوقود، بالإضافة إلى قصفه أكثر من 60 تكية طعام ومركز لتوزيع المساعدات، وإخراجها عن الخدمة.
ويؤكد المكتب الإعلامي الحكومي أن الاحتلال تعمّد قصف واستهداف المخابز ووقف وإغلاق عمل العشرات منها، ما أدى إلى تفاقم الأزمة الإنسانية وانتشار الجوع بوضوح بين المدنيين.
وخلال الأسبوع الأخير، عمدت إسرائيل إلى قصف واستهداف ثلاث تكيات لتوزيع الوجبات الساخنة للسكان، اثنتان منها في منطقة المواصي بخانيونس جنوبي القطاع، التي يزعم الاحتلال أنها منطقة آمنة ويدعو السكان للنزوح إليها. أما التكية الثالثة ففي حي التفاح شرقي مدينة غزة.

وانتشرت خلال العدوان عشرات التكيات التي تعد الطعام وتوزعه مجاناً على السكان، وبات أكثر من 90% يعتمدون على المساعدات التي تقدمها الجهات الدولية والإغاثية العاملة في القطاع. وعدت أحد المصادر الرئيسية التي تزود السكان بالوجبات خلال شهور الحرب الطويلة. ويعمد الاحتلال إلى استهداف عدد منها بين الحين والآخر.
ويتطلب إعداد وجبات الطعام وقتاً طويلاً يومياً من أم محمد أبو عودة، بسبب شُح السلع الغذائية المتوفرة لديها. تقول: "أعاني كثيراً لتوفير وجبات الطعام الثلاث يومياً. وبمجرد أن يحل المساء، أبدأ التفكير في ما سأوفره لعائلتي في اليوم التالي. لا يوجد أصناف متعددة ولا غاز ولا حطب، حتى الخبز أصبح من الصعب توفيره". ولا تجد إلا بعض معلبات الحمص والفول ومعجون الطماطم. تضيف في حديثها لـ "العربي الجديد": "لدي عائلة مكونة من 10 أفراد والحياة صعبة جداً. لا يوجد خضار ولا لحوم ولا مُعلبات كافية، والمتوفر منها سعره مرتفع. حالياً، الأخشاب غير متوفرة لإشعال النار، فأضطر إلى إشعال قطع من الأقمشة البالية".
وتوضح أبو عودة التي تعيش في مدرسة في حي الشيخ رضوان غرب مدينة غزة، نزحت إليها من بيت حانون شمالي القطاع، منذ ما يزيد عن عام، أنها تضطر "إلى إعداد الخبز الخاص بوجبة الغداء من خلال التوجه إلى أحد أصحاب الأفران المؤقتة بكلفة تصل إلى خمسة شواكل (الدولار يساوي 3.8 شواكل)، وهذا عبء إضافي. ونتناول معه القليل من الزعتر". 
وتتكرر المعاناة لدى المواطنة أم عمر حمدان، فتقول "إعداد وجبات الطعام أصبح الشغل الشاغل لنساء قطاع غزة، كونه يقع على عاتقهن توفيرها خصوصاً للأطفال، فبات يُشكّل عبئاً كبيراً لعدم توفر موارد غذائية، ولا مصادر للأموال بسبب تردي الأوضاع المعيشية، بالتالي أصبحت الأزمات مركبة". تضيف حمدان، وهي أم لستة أولاد منهم أربعة أطفال، لـ "العربي الجديد": "عندما نستيقظ صباح كل يوم، نستغرق وقتاً في التفكير. ماذا سنصنع لوجبة الفطور؟ نعمل على تأخير وقت إعدادها حتى لا نضطر إلى إعداد وجبة الغداء في وقت مبكر. عدنا حالياً لتناول وجبتين يومياً بدلاً من ثلاث".
تتابع أن "استمرار إغلاق المعابر أدى إلى ارتفاع أسعار المُعلبات والخضار القليلة المتوفرة في الأسواق، عدا عن عدم تلقي أي مساعدات إغاثية منذ أكثر من شهر. أصبحنا نتناول الخبز خلال وجبة واحدة يومياً، لأن إعداده يعد مكلفاً كوننا نضطر للذهاب إلى أفران مؤقتة لإعداده. ونصنع لوجبة الغداء بعض المعلبات من الفاصولياء والبازلّاء والأرز والعدس، وجميعها كانت متوفرة من المساعدات التي تلقيناها قبل إغلاق المعبر وقاربت على النفاد".

وتوضح أنها تعاني بسبب غياب التكيات الخيرية التي كانت تعتمد عليها منذ نزوحها في أحد مراكز الإيواء بمدينة غزة، كونها أغلقت أبوابها بعد فترة قصيرة من منع إدخال السلع الغذائية للقطاع. تجدر الإشارة إلى أن الاحتلال لم يلتزم بتطبيق كامل البروتوكول الإنساني الذي ينص على دخول 600 شاحنة يومياً، فيما يراوح المعدل اليومي الذي سمح له بالعبور ما بين 180 و220 شاحنة فقط.
تزداد المعاناة أكثر لدى المواطن محمد الدوش الذي أصبح بمثابة الأب والأم لاثنين من أبنائه، بعدما استشهدت زوجته وابنته في قصف إسرائيلي استهدف منزلاً لأقاربه كان قد نزح إليه، ويعيش حالياً في أحد مراكز الإيواء غربي مدينة غزة. يقول: "أعاني بسبب فقدان زوجتي وعدم توفر أي موارد غذائية في الأسواق عقب إغلاق المعابر ومنع المساعدات الإغاثية".
يقول الدوش لـ "العربي الجديد": "لا أستطيع شراء الأصناف القليلة المتوفرة في السوق، مثل الخضار. ويراوح سعر كيلوالغرام الواحد من كل صنف ما بين 30 و60 شيكلاً، عدا عن عدم توفر الأخشاب لدي. ولا أستطيع شراء الكيلوغرام منه بخمسة شواكل. لذلك أصبحت في حيرة من أمري لتدبير وجبات الطعام". يضيف: "حتى التكيات الخيرية انقطعت. وفي بعض الأيام، لا أتناول سوى وجبة واحدة عبارة عن القليل من الزعتر مع الخبز الذي أستعيره من جيراني النازحين في المخيم. إلى متى سنبقى في هذه المعاناة؟".
من جهتها، تقول رائدة عايش إنها تقضي وقتاً طويلاً في التفكير بطبيعة وجبة الطعام التي ستعدها لأطفالها، بعد نفاد السلع الغذائية من معلبات وأرز وعدس التي كانت متوفرة لديها من بعض المساعدات الإغاثية التي تلقتها سابقاً. تضيف لـ "العربي الجديد"، وهي أم لسبعة أطفال وقد ارتقى زوجها شهيداً خلال الحرب: "منذ أكثر من 20 يوماً، لم أستطع شراء أي صنف من الخضار أو اللحوم، بسبب الارتفاع الكبير في أسعارها. ويتجاوز سعر الكيلوغرام الواحد منها 30 شيكلاً".

الحال نفسه تعيشه زكية صالح التي ترى في إعداد وجبات الطعام يومياً لعائلتها "مهمة صعبة وشاقة"، نتيجة عدم توفر السلع الغذائية والخضار واللحوم في أعقاب استمرار إغلاق المعابر مع قطاع غزة. تقول لـ "العربي الجديد": "أصبحت أعتمد بشكل كامل على إعداد الخبز من الدقيق المتوفر لديّ، مع بعض المُعلبات من الحمص والفول في وجبة الإفطار. وفي ما يتعلق بوجبة الغداء، نكتفي بمعلبة واحدة من الفاصولياء أو البازلّاء أو سمك التونة، من أجل توفير ما تبقى لدينا من أصناف خشية أن يطول إغلاق المعابر".
وتوضح أن أبناءها يضطرون يومياً إلى الخروج من المنزل بحثاً عن مجموعة من الأخشاب بهدف استخدامها لإشعال النار كي تتمكن من طهي الطعام، لعدم قدرة زوجها على شراء الأخشاب التي ارتفعت أسعارها بشكل كبير خلال الفترة الأخيرة. تضيف: "أصبحنا نعيش حياة في غاية الصعوبة، وقد بدأت المجاعة فعلياً. تزداد المعاناة أكثر مع كل يوم يمر علينا، والمعبر مغلق، ولا يسمح الاحتلال بإدخال أي سلع غذائية وخضار وغيرها من مقومات الحياة الأساسية. نطالب كل الجهات الدولية والعربية بضرورة الوقوف مع قطاع غزة والضغط على الاحتلال من أجل إدخال المساعدات الإغاثية".

إلى ذلك، يقول فواز حامد: "استمرار إغلاق المعابر منذ أكثر من شهر أدخلنا في شبح المجاعة من جديد، ونعاني قلة الأصناف المهمة لإعداد وجبات الطعام اليومية، حتى الأسواق أصبحت شبه فارغة من السلع". يضيف لـ "العربي الجديد": "أصبحت مهمة إعداد الطعام شاقة وتفاقمت مُعاناة الشعب الفلسطيني للحصول على الأخشاب، وحتى التكيّات الخيرية التي نعتمد عليها غابت عن موائدنا حالياً. فكل الموارد أمامنا أُغلقت، ونتمنى أن تنتهي هذه المعاناة قريباً، لأن هذا ينذر بعواقب وخيمة على المواطنين".
تجدر الإشارة إلى أن الاحتلال الإسرائيلي كان قد فرض حصاراً مشدداً على قطاع غزة خصوصاً في محافظتي غزة والشمال، خلال اجتياحه لمدينة رفح جنوبي القطاع في السابع من شهر مايو/ أيار 2024، واستمر حتى دخول التهدئة حيّز التنفيذ في 19 يناير/ كانون الثاني 2025.
واستخدم الاحتلال الإسرائيلي سلاح التجويع مرات عدة في القطاع، كان أبرزها في الثامن من أكتوبر 2023، حينما أصدر قراراً بإغلاق المعابر وقطع الكهرباء والمياه. واستخدم لاحقاً الأسلوب ذاته خلال عملياته البرية، وتحديداً في مناطق غزة والشمال، حين قطع إمدادات الغذاء والمساعدات عنها ضمن مخططاته حينها لتنفيذ خطة الجنرالات.

قراءة المقال بالكامل