في منزلٍ غريب تسكنه شخصيات أشبه بالمسوخ، يرسم المخرج المصري خالد جلال فضاء عرضه الأخير، حيث يضطر ركّاب حافلة تعطّلت للجوء إلى ذلك المنزل، لتواجههم خطاياهم المخفية، وينتهي بهم المطاف إلى قتل تلك الكائنات رمزًا لتخلصهم من مخاوفهم المركبة والمزمنة. نموذجٌ مكثف لعمق الرؤية والبحث الجمالي، الذي لا يغفل عناصر الجذب والتشويق الضرورية لتفاعل الجمهور.
تعتمد مسرحية "حاجة تخوّف"، التي يتواصل تقديمها على خشبة مسرح مركز الإبداع الفني في القاهرة، على فكرة مركزية بسيطة لكنها غنية بالدلالات؛ إذ تطالعنا مجموعة من الشخصيات التي تسعى لمواجهة مخاوفها المكبوتة. وهي فكرة قد تبدو مألوفة في الظاهر، لكنها تتحول هنا إلى نسيج درامي معقّد، يجمع بين الوحدة الموضوعية والتنوّع في أساليب السرد.
اختار المخرج تقسيم العمل إلى مقاطع صغيرة، كل منها يحكي قصة شخصية مختلفة، لكنها تلتقي جميعًا عند محطة الخوف المشترك. كما ساهم هذا التوجه في تقديم زوايا متعددة لموضوع الخوف. ومع ذلك، يمكن ملاحظة أن بعض هذه المقاطع التمثيلية كانت أكثر اكتمالًا من غيرها، حيث بدا واضحًا تفاوت التجربة بين المشاركين، وهو أمر طبيعي في عمل يعتمد على مواهب في بداية مشوارها.
نسيج درامي يجمع بين الوحدة الموضوعية والتنوع في أسلوب السرد
يُمثل الجانب التمثيلي في العرض مختبرَ اكتشافٍ حقيقيا، إذ قدّم الممثلون الشباب أداءً لافتًا، خاصة في مشاهد المونولوج. وكان مشهد المطعم، الذي جمع بين شريف إسماعيل وشاهدة أحمد، من أبرز لحظات العرض، إذ نجح الثنائي في تحويل الحوار العادي إلى دراما إنسانية مؤثرة. كما تميزت منة حمزة في تجسيد شخصية الفنانة التي تخشى النسيان، مقدّمةً أداءً ناضجًا يفوق عمرها الفني.
لم يخلُ العمل من بعض الهفوات الطبيعية في عروض يشارك فيها ممثلون مبتدئون، إذ ظهرت على بعض المشاركين علامات التوتر، خاصة في المشاهد الجماعية. كما لوحظ في بعض الأحيان ميلٌ إلى المبالغة في الأداء، ربما نتيجة الرغبة في إثبات الذات أمام جمهور غفير.
يُظهر خالد جلال في هذا العمل خبرته في التعامل مع المواهب الجديدة، إذ حرص على أن تكون لكل ممثل لحظته الخاصة على المسرح، دون أن يخلّ ذلك بتماسك العمل ككل، مستخدمًا تقنيات متعددة للحفاظ على إيقاع العرض، منها التناوب بين المشاهد الكوميدية والجادة، وإدخال عناصر تُشبه الفاصل السينمائي بين الحكايات.
يتميز العرض بتنوّعه في تناول موضوع الخوف بكل تجلّياته، كخوف الإنسان من الماضي، والخطيئة، والفشل، والمواجهة مع الذات. وهي جرأة تترجمها بعض المشاهد بشكل جيد، مثل تلك التي تكتشف فيها الشخصيات أن مخاوفها من صنع أيديها. لكن العمل وقع أحيانًا في فخ التبسيط، كالتخلص من الخوف بقتله، وهي فكرة تقدم حلًا دراميًا قد يبدو سحريًا أكثر منه واقعيًا.
نجح العمل في تحويل مساحة خشبة المسرح المحدودة إلى عدة عوالم مختلفة، باستخدام عناصر بسيطة لكنها معبرة. ولعبت الأزياء أيضًا دورًا مهمًا في تمييز الشخصيات، خاصة في التباين بين مظهر الضيوف وشخصيات المنزل الغريبة. ومثّلت الموسيقى عنصرًا داعمًا للعرض، خاصة في المشاهد الانتقالية بين الحكايات.
