أحبطت الحرب الأميركية على اليمن آمال القاهرة بعودة سريعة لحركة الملاحة الدولية في ممر قناة السويس. ويتملك القيادة المصرية قلق شديد في ظل معاناة شديدة وخسائر فادحة، جراء عرقلة الملاحة بقناة السويس، قدرها الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي مساء الاثنين، بنحو 800 مليون دولار شهرياً.
ويخشى المسؤولون من تراجع جديد بحركة الملاحة في قناة السويس، التي شهدت تحسنا نسبيا منذ 20 يناير/ كانون الثاني 2025، بمتوسط مرور ما بين 30 إلى 32 سفينة يوميا. ابتعدت أعداد السفن عن معدلات الذروة المحققة عام 2022، بعدد 25 ألفا و859 سفينة، ومتوسط 77 سفينة يوميا، حملت 7.6 ملايين حاوية، تمثل 22% من حركة الحاويات عالميا، استهدفت القناة رفعه إلى نحو 100 سفينة يوميا، بعد إضافة 10 كيلومترات لمسار العبور المزدوج بالقناة.
وقد فقدت القناة 60% من حمولات الشحن مع اتجاه سفن الشركات الكبرى إلى ممر رأس الرجاء الصالح، بسبب الهجمات العسكرية بالبحر الأحمر للحوثيين والولايات المتحدة وإسرائيل وبريطانيا وفرنسا والحلفاء الأوروبيين بمدخل باب المندب. ويعلق مسؤولون آمالا واسعة على وقف الدول العربية استخدام مسار ملاحي تدعمه واشنطن، للربط بينها وبين الهند مرورا بالإمارات والسعودية والأردن وإسرائيل وإيطاليا، فيما يعرف بالطريق "الإبراهيمي" ليكون ممرا بحريا تجاريا بديلا لقناة السويس.
مشروع بديل لـ"المسار الإبراهيمي"
وأشارت مصادر مصرية رفيعة مطلعة لـ" العربي الجديد" إلى تسليم جهة سيادية في القاهرة ملفا لممثلي الدول الأعضاء بالجامعة العربية المطلة على "المسار الإبراهيمي" يتضمن مخاطر استخدامه بديلا منافسا للقناة، في ظل تدهور الأوضاع الأمنية بفلسطين واليمن، ورفض الشعوب العربية توقيع قادتها أية اتفاقات سلام مع تل أبيب، تحقق مظلة آمنة لمسار الخط الملاحي الهند – إسرائيل – إيطاليا – الولايات المتحدة. يتضمن الملف دراسة فنية مقارنة بين ممر قناة السويس والمسار الإبراهيمي – البحري البري المقترح وآخر بديل بحري يمر من الهند والإمارات وميناء إيلات وأشدود إلى أوروبا متخطيا قناة السويس. تراهن الدراسة على توسعة ممر قناة السويس بما يخدم خطوط الملاحة البحرية الدولية، وفقا للرؤية الغربية والأميركية ومسار الحزام والطريق البحري الذي تتبناه الصين منذ عام 2016.
وفي السياق، تقرر عقد اجتماع بين رئيس هيئة قناة السويس أسامة ربيع، ومجلس إدارة غرفة الملاحة البحرية الدولية بالإسماعيلية يوم 13 إبريل/ نيسان المقبل، بحضور ممثلي الجهات السيادية المعدة للملف، والغرف البحرية العربية، للاتفاق على تجنيب مسار قناة السويس أخطار أية مشروعات موازية تهدد دورها في خدمة حركة الملاحة الدولية، والمساعدة في الجهود الدبلوماسية لوقف الحرب المشتعلة بالمنطقة. هذا وتحاول القاهرة عدم التورط في الحرب الدائرة في البحر الأحمر للحفاظ على مصالحها مع حليفتها العسكرية واشنطن، بينما يسكب الطرفان نيرانهما على الممر المائي الذي يخدم 10% من حركة التجارة الدولية، وفقا لتقرير منظمة التجارة الدولية "أونكتاد".
على غرار الحوثيين، تسير الإدارة الأميركية في الاتجاه المعاكس للمصالح المصرية، بإعلانها تكليف لجنة الشحن البحري الفيدرالية الأميركية "FMC" للتحقيق في مدى مسؤولية مصر عن وجود اختناقات بحركة مرور السفن بقناة السويس، أسوة بما بدأته من إجراءات تستهدف الدول وشركات الشحن المسؤولة عن نقاط الاختناق بممرات الملاحة الدولية. كذلك تحقق اللجنة الفيدرالية في التأخير المتكرر للسفن عند مرورها بقناة السويس، خاصة أثناء الظروف الجوية السيئة التي أدت إلى غلق القناة لعدة أيام عام 2021، مع جنوح السفينة "إيفرغيفن" والهجمات الأخيرة على السفن التجارية من قبل الحوثيين. وتهدد الولايات المتحدة بفرض عقوبات في حالة ثبوت تعطيل القناة لحركة السفن المارة في البحر الأحمر، وتأخير سلاسل التوريد العالمية، وبفرض غرامات على مصر لتسببها بالتأخير في عبور قناة السويس، وزيادة تكاليف النقل، بما يؤثر على الشركات الأميركية التي تعتمد على القناة في نقل البضائع، وتبدى اعتراضا على رفع إدارة القناة رسوم العبور عدة مرات في السنوات الأخيرة.
إضافة إلى ذلك، تروّج الولايات المتحدة لتوسيع أعمال الممر التجاري البحري ــ البري الجديد، الذي يربط بين الهند والإمارات والسعودية والأردن وميناء حيفا ومنها إلى إيطاليا لتمتد خدماته إلى داخل أوروبا والولايات المتحدة، ليكون بديلا منافسا لمسار المرور بقناة السويس والبحر الأحمر.
واشنطن تهدد قناة السويس
تخطط واشنطن إلى خلق بدائل عن السويس والحد من قيمة مسار تلك القناة التي تعتبرها الشريان التجاري الأهم في مشروع الصين الاقتصادي "الحزام والطريق" الذي يربطها بنحو 100 دولة بالشرق الأوسط وأفريقيا وأوروبا.
ويعكس التحقيق الأميركي رغبة واشنطن في الهيمنة على ممرات الملاحة الاستراتيجية، وتوسيع نفوذها الاقتصادية، في مواجهة الصين وحلفائها التقليديين، بينما يراه خبراء انعكاسا لحالة الفوضى التي يحدثها ترامب في النظام الدولي، متجاوزا سيادة الدول والاتفاقات الأممية، والقانون الدولي والأميركي ذاته الذي يقصر سلطة لجنة الشحن البحري الفيدرالي على الشركات الأجنبية والأميركية التي تعمل أو تتعامل مع الموانئ داخل الولايات فقط.
ويؤكد عضو مجلس إدارة قناة السويس السابق وخبير النقل البحري وائل قدوري، أن تهديد واشنطن بالتحقيق مع مصر بشأن تعطيل المرور بقناة السويس، لا قيمة له وأطلق من قبل البيت الأبيض بدون سند قانوني، منوها إلى أن قناة السويس هي هيئة خاصة للملاحة العالمية تتبع قواعد وفقا لاتفاقات دولية، لا علاقة لها بالقوانين المنظمة للأعمال البحرية بالموانئ الأميركية التي تختص اللجنة الفيدرالية الأميركية بمراقبتها.
وعن هذا الموضوع، قال قدوري لـ"العربي الجديد" إن الحرب الأميركية ضد الحوثيين، عطلت العودة السريعة لحركة الملاحة بالقناة، وعرقلت الجهود التي بذلت خلال الأسابيع الماضية، مع شركات الشحن الدولية، والتي طلبت منحها فرصة لدراسة الأوضاع في المنطقة بعد توقيع الهدنة بين إسرائيل وحماس. ويشير الخبير البحري إلى أن الأعمال العسكرية، تدفع شركات الملاحة إلى تفضيل المرور عبر جنوب أفريقيا، خوفا من تصاعد حالة الحرب بالبحر الأحمر، وتوسعها من جديد في غزة.
يشدد قدوري على مراهنة ترامب على توظيف الممر الملاحي بين الهند والإمارات وحيفا بإسرائيل ليكون بديلا للمرور من البحر الأحمر وقناة السويس، مشيرا إلى أنه رغم عدم قدرة أي ممر ملاحي آخر على تهديد الدور الحيوي الذي تقوم به قناة السويس في خدمة الملاحة البحرية، فإن الدول العربية مطالبة بالابتعاد عن استخدامه، للضغط على واشنطن وتل أبيب اللتين تحاولان توظيف المسار الملاحي البديل للقناة لإبعاد مصر والدول العربية عن دعم المشاركة في مسار "الحزام والطريق" الذي يربط بين آسيا وأوروبا عبر قناة السويس. وأضاف قدوري أن ما نراه من تطورات عسكرية حاليا، يظهر المخطط الأميركي الذي يجعل من إسرائيل القوة الاقتصادية والعسكرية الأولى في المنطقة، بما يضمن إدارتها لثروات المنطقة العربية والشرق الأوسط لحساب الولايات المتحدة، ما يضمن الفوز في المواجهة الشاملة مع الصين.
بدوره، يشير خبير النقل البحري محمد شرين النجار إلى ارتباط حركة المرور بقناة السويس لاتفاقية القسطنطينية لعام 1881، والتي تقضي بحرية المرور الملاحي لكافة الدول، إلا للسفن التابعة لدولة في حالة حرب معلنة ضد مصر، مؤكدا عدم أهمية اللجنة الفيدرالية الأميركية، أو قدرتها على فرض عقوبات على مصر، لأنها بدون سند من القانون.
ويبين النجار أن رسوم التعرفة التي تفرضها إدارة قناة السويس سنويا، تحسب وفقا لمعادلة وحدة سحب خاصة، تضم سلة عملات لأكبر عشر دول اقتصاديا وتجاريا تضم الدولار والجنيه الإسترليني واليورو والين واليوان والفرنك السويسري والكرونة الدنماركية، بما يجعل زيادة التعرفة أو كميات المتداول من وحدات السحب الخاصة، غير موجهة لحساب عملة أو ضد دولة بعينها، لأن شركات الشحن وملاك السفن يمكنهم دفع القيمة بأي عملة موازية لوحدة حقوق السحب، مؤكدا أن التخفيضات التي تقدمها إدارة القناة لبعض السفن مرهونة بمرور سفن قادمة من مناطق بعيدة، لديها الاختيار ما بين المرور بجنوب أفريقيا أو وقناة السويس، حيث يتم جذبها بتخفيض قيمة الرسم بما يوازي التكلفة عند اختيار الممر البديل، أو التي يخاطر بحمولات عملاقة ولديها مخاوف من تجربة الخط الملاحي، للعمل على تشجيعها، وجذب السفن المماثلة لها.
عودة الاضطرابات في حركة الشحن
يحمّل خبراء، الولايات المتحدة مسؤولية عودة الاضطرابات العنيفة في حركة الشحن ومرور السفن بقناة السويس، جراء ضرباتها العسكرية للحوثيين، ودعم العدوان الإسرائيلي على غزة، بما يؤجج حالة الاضطراب الأمني في المنطقة، بما يزيد من أخطار الملاحة والتأخير في حركة العبور، وتراجع الشركات الكبرى الدولية عن العودة للمرور بالقناة، بعد أن أعلنت عن رغبتها بالعودة إلى مسار البحر الأحمر، منتصف العام الجاري. وتسبب العدوان الإسرائيلي على غزة، بدءاً من أكتوبر/تشرين الأول 2023، في انخفاض عدد السفن المارة بقناة السويس بنسبة 30% في الربع الأخير من عام 2023، ارتفعت إلى 40%، في الربع الأول من عام 2024، لتصل إلى نحو 60% بنهاية العام الماضي، محققة خسائر بنحو 10 مليارات دولار، منذ اندلاع الحرب حتى الآن، وفقا لتقديرات رسمية.
كما يدفع التصعيد العسكري الأميركي ضد الحوثيين، إلى عودة الزيادة الهائلة في رسوم التأمين على السفن المارة بالبحر الأحمر وقناة السويس، بما يجعل المسار البحري أقل جاذبية لشركات الشحن، واتجاه السفن لاستخدام طريق رأس الرجاء الصالح الأطول بما يزيد من تكاليف الوقود والوقت، ويسبب زيادة كبيرة بأسعار السلع عالميا، ويلهب مؤشر التضخم في الأسواق المحلية في مصر ودول المنطقة.
