حزب الجبهة المصري... السياسة برعاية الدولة استثمار رابح

منذ ٣ ساعات ٩

أعلنت لجنة شؤون الأحزاب في مصر قبول إخطار تأسيس حزب الجبهة الوطنية، بعد أيام من تقديم أوراقه، ما بدا استجابة سريعة، تستكمل خط المساندة الرسمية له، بتخصيص 700 مكتب للتوثيق، وسيارات الشهر العقاري بالقرى لجمع 550 ألف توكيل، بالإضافة إلى السماح بعقد مؤتمرات حاشدة، عبأت فيها مكونات الحزب مواردها، من مؤسسات اقتصادية وجمعيات خيرية.

وتشير خطوة التأسيس، ليس وحسب إلى حاجة النظام لأطر سياسية نشطة تدعمه، ولكن أيضاً إلى بروز كتل تسعى إلى تغيير معادلات القوة والنفوذ، ارتباطاً بتغيرات في خريطة الفاعلين بالمجال الاقتصادي المصري، وهؤلاء يسعون لاستدامة مصالحهم، عبر تمثيل سياسي، كما يوفر الحزب كمنتدى يجمع مستثمرين، فرصاً اقتصادية، سواء بالتعاون بين قياداته في مشروعات خاصة، وأخرى عامة تنفذها الدولة.

ويروّج الحزب في دعايته، لتفعيل الحياة السياسية، وترجمة تطلعات المواطنين هدفاً، ويدعي تمثيل كل الفئات، رافعاً شعار "مصر للجميع"، ويعتبر قيادته لا حاجة لها للمناصب، أو مغانم شخصية، لأنها شغلت مواقع قيادية عليا، لكن هذا لا ينفى المصالح الطبقية لمكونات الحزب، ومنهم شخصيات بارزة في قطاع الرأسمالية العقارية، تعاونت في مشروعات بقطاع البناء والتشييد، وما يرتبط به من أنشطة مقاولات واستشارات.

والتقى أفراد من هذه المجموعات، ليس وحسب، كما يقال ضمن ساحة الحوار الوطني، ولكن أيضاً في سوق الأعمال، ما وثق العلاقات بين قيادات بيروقراطية ومستثمرين، وشكّل كتلة من مجموعات مصالح، تريد التعبير عن نفسها سياسياً، ولا مبالغة في القول إن الحزب يتكون من حزم تجمع الفئتين، البيروقراطية ومستثمرين، في قطاعات السياحة والنقل والترفيه والزراعة والتشييد والبناء.

زيادة الطلب على التحزب

خلال سنوات العشر الماضية، زاد التوجه الحكومي للإنفاق العام على البنية التحتية، وحسب بعض التقديرات وصل إلى 300 مليار دولار، وتكلف مشروع العاصمة الإدارية الجديدة ما يزيد عن 50 مليار دولار، وهو مثال دال، بجانب مشروعات شبكة الطرق ومشاريع إسكانية. ويعد السوق العقاري المصري، الأول أفريقياً، وقدرت حجم تعاملات الوحدات السكنية في العام الماضي (2024) ما يجاوز 20 مليار دولار، وحققت في 2023 أكبر 20 شركة عقارية مبيعات قدرت بـ 700 مليار جنيه (الدولار يساوي 50.5 جنيهاً)، بزيادة عن مبيعات عام 2022 المقدرة بـ 332 مليار جنيه.

ويجيء هذا النمو مدفوعاً بعدة عوامل، بينها التوجه إلى ما يسمى تصدير العقار، وانخراط الحكومة في مشروعات استثمارية ضخمة، منها إنشاء 14 مدينة ذكية، كما العلمين والجلالة، مع توفر آليات تمويل، منها استثمارات عربية، إضافة إلى الاقتراض من مؤسسات دولية، غير مشروعات حصلت على منح للمساهمة في تنفيذ أجندة التنمية المستدامة، منها مبادرة حياة كريمة.

لم توسع مشاريع البنية التحتية والإسكان المساحات العمرانية، ومعدلات التشغيل وحسب، لكن أيضاً زادت فرص المستثمرين في المجالين، ومع إدراك ميل متخذي القرار إلى التعاون مع من يظهرون الولاء، ضمن علاقات الولي والتابع، والزبونية السياسية مظهرين للنظم السلطوية، ما يعني أن هناك مستثمرين استطاعوا تحقيق أرباح ضخمة، وإجمالاً يمكن القول إن هذه التطورات تحت مظلة الدولة، خلقت طلباً من الرأسمالية العقارية على التحزب، والانضمام أو تشكيل أحزاب تابعة للسلطة، ومعها أصبحت، وبشكل واضح، السياسة استثماراً يزيد فرصهم في السوق.

والمتتبع لحركة تنقلات هؤلاء بين الأحزاب، بحثاً عن فرصة التمثيل السياسي، يمكنه ملاحظة النزوح من حزب المصريين الأحرار، إلى حزب مستقبل وطن وحماة وطن وأحزاب مماثلة نشأت بعد 2014، واستحوذت على أغلبية مقاعد البرلمان في دورتين متتاليتين 2015-2020، واليوم نحن أمام واجهة جديدة لمجموعات مصالح، تؤسس حزباً يعبّر عنها، ستخوض انتخابات 2025، بمشاركة نخب أغلبها كانت تنتمي إلى هذه الأحزاب.

توسيع القاعدة الاجتماعية بإعادة توزيع النفوذ

يضم حزب الجبهة وتشكيلاته القيادية، ثلاث فئات أساسية، الأولى كتلة من رجال الأعمال وأصحاب الشركات الكبيرة والمتوسطة، بينهم برلمانيون، والفئة الثانية رموز من بيروقراطية الدولة، شغلوا مواقع وزارية وحكومية عليا، والثالثة تجمّع من أكاديميين وخبراء واستشاريين، خاصة في مجالات الإنشاء والهندسة والاستثمار الزراعي، مع نقابيين وإعلاميين، على صلات بالمجموعتين الأولى والثانية، وهم أقرب إلى فكرة الدعاية إلى تحالف 30 يونيو، وتشكيل جبهة داعمة للنظام مع الدفع لتحقيق بعض الإصلاحات.

وتعتبر الفئة الثالثة أقرب إلى الجهاز الدعائي للحزب، بحكم تقاطع وتعدد الروابط وتأثيرهم في مجال الإعلام، وانضم للجبهة أيضاً، نخب في مجالات الفنون والترفيه والرياضة، ولا يقتصر دورهم على جذب الجمهور، أو كما يقول الحزب يمثلون مصدر إلهام، حيث يرتبط هؤلاء بأنشطة شركات تتولى أعمال تنظيم وتأمين الفعاليات الرياضية، والمؤتمرات لجهات رسمية.

وفى سبيل حيازة القوة، وتوسيع القاعدة الاجتماعية للنظام، يسعى حزب الجبهة، لاستيعاب فئات قديمة، تمثل رديفاً للحزب الوطني، لكن لم تندمج في أحزاب السلطة الحالية، أو همشت أدورها، خاصة في المحافظات والمناطق الحدودية، ذلك بجانب نخب صعدت مع نظام 30 يونيو، ومع تنوع روافد ومكونات الحزب، تظل مجموعة رجال الأعمال، وما يمثلونه من كتل اقتصادية، مركز الثقل، والقوة المؤثرة، في التوجهات، وهم يعبرون عن تحالف طبقي شبه متجانس، يريد الحفاظ على مصالحه، من خلال أدوات التشريع، والحوار مع الحكومة.

وبين رجال الأعمال البارزين والممولين للجبهة أيضاً، يبقى إبراهيم العرجاني، نقطة الالتقاء والتشكل، من مرحلة اتحاد القبائل إلى الحزب، ومن سيناء إلى عموم الجمهورية، في رحلة صعوده السريع وتوسع أعماله، مستفيداً من علاقاته مع أجهزة الدولة، وتمكنه من بناء شبكة مصالح، مدعومة بعوامل القرابة والقبيلة والجغرافية.

وتتضح الصلات بين مجموعة شركات العرجاني مع رجال أعمال الحزب والفئات البيروقراطية الذين شاركوه أنشطة استثمارية، وبعضهم تولي مهاماً استشارية، والجمع بين مواقع قيادية باتحاد القبائل والحزب، كما وزير الإسكان السابق عاصم الجزار، الذى شغل موقع رئيس الحزب، بينما جاء أحمد رسلان، أميناً للتنظيم، وقد شغل موقع نائب رئيس اتحاد القبائل، وضمن القيادات المحلية بمطروح، ولديه مع آخرين من قيادات الحزب صلات اكتسبوها نتاج نشاطهم في لجان العلاقات العربية، ما يزيد فرص المساهمة في مشروعات بدول الجوار، ومنها ملف الإعمار في ليبيا والسودان وغزة.

وضمن سمات رجال أعمال الحزب، امتلاكهم مجموعات استثمارية متعددة النشاط، يتعاون محمد أبو العينين، مع كامل أبو علي، في مشاريع سياحية بالبحر الأحمر وسيناء ومطروح، وهى المواقع التي يمتلك فيها اتحاد القبائل قيادات محلية، تربط بين البنى الاجتماعية والبناء السياسي، في استثمار كلاهما لحيازة المنافع، وقبل سنوات، طرحت قيادات من سيناء ومطروح، أن مناطق الحدود تحتاج إلى زيادة دور الدولة التنموي، وأن هناك مستثمرين محليين قادرين على التعاون مع الحكومة لإنجاز مهام البناء والإعمار بما يحفظ أمن الحدود أيضاً، وهو ما وجد استجابة، وسمح لرجال أعمال من هذه المناطق وآخرين بتوسيع أنشطتهم، بل استطاعت تنفيذ مشروعات مع دول عربية عدة في سنوات مضت، وخلقت كتلاً اقتصادية كان اتحاد القبائل أحد أشكال التعبير عنها بمساندة رسمية.

وإجمالاً يمكن القول إن الحزب هو واجهة مجموعات مصالح، تجمع رجال أعمال ورموزاً من بيروقراطية الدولة، ويعمل بهذه الصيغة على استيعاب وتمثيل فئات من الفاعلين اقتصادياً وسياسياً، تحت مظلة السلطة، ويراهن عليه البعض في حل إشكاليات أحزاب قائمة، أخفقت في بناء مظلات فاعلة، قادرة على توحيد القوى السياسية والنخب الاقتصادية تحت رايتها.

قراءة المقال بالكامل