تستمرّ انتهاكات جيش الاحتلال لاتفاق وقف إطلاق النار في لبنان، خصوصاً جنوبه وبقاعه، على وقع تأكيدات إسرائيلية بمواصلة عملياته "حتى القضاء على مواقع حزب الله وقادته"، إلى جانب التشديد على البقاء في التلال الحدودية الخمس، ما يثير تساؤلات حول ردّ الفعل اللبناني المنقسِم بشأن طريقة التعاطي مع هذه الاعتداءات.
وقال رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو، أمس الخميس، إنّ "الجيش يسيطر على مواقع داخل الجنوب اللبناني، وسيبقى متمركزاً فيها"، في تصريح تزامن أيضاً مع سلسلة غارات إسرائيلية على مناطق في البقاع اللبناني، إلى جانب الخروقات المكثفة للأجواء اللبنانية، بما فيها العاصمة بيروت. وتؤكد مصادر رسمية لبنانية لـ"العربي الجديد" أنّ "الدولة اللبنانية، ممثلة بالرئيس جوزاف عون، تقوم بكل الجهود الممكنة لوقف الانتهاكات، وانسحاب الاحتلال من التلال الخمس، وتحرير كل الأسرى اللبنانيين، وهي قامت لأجل ذلك بمفاوضات غير مباشرة، وستستكمل جهودها بهذا الإطار"، نافية أي طرح أو بحث في مسألة التطبيع، مؤكدة أنّ "الموضوع غير مطروح نهائياً، ولبنان متمسّك بانسحاب إسرائيل من كامل أراضيه".
ويقول مصدرٌ نيابيّ في حزب الله لـ"العربي الجديد"، إنّ "التمادي الإسرائيلي لم يعد مقبولاً، وعلى الدولة اللبنانية التحرّك لوقف هذه الاعتداءات، فالموقف اللبناني ليس على قدر هذه الاعتداءات والتجاوزات"، مشيراً إلى أنّ "هناك صمتاً فاضحاً من جانب الدول الراعية للاتفاق، خصوصاً أميركا التي ترأس لجنة مراقبة وقف الأعمال العدائية، وتقف متفرجة أمام هذه الانتهاكات، وهذا ليس مستغرباً، كون أميركا تنفذ الأجندة الإسرائيلية"، ويشير المصدر إلى أنّ "هناك في الدولة من يخضع للضغوطات الأميركية والتهديدات بعدم مساعدة لبنان ودعم إعادة الإعمار إلّا في حال نزع سلاح حزب الله وتعطيل أي دور له، في حين أن من واجبها مواجهة كل المخاطر التي تواجه البلد، وأن تقطع الطريق أمام أي محاولات لفرض مشاريع خارجية، وطموحات وأطماع إسرائيلية توسّعية، بما في ذلك التطبيع الذي يروج له الإسرائيلي".
ويلفت المصدر إلى أنّ "الدولة يجب ألّا تخضع لشروط خارجية، بل يجب أن تضع حدّاً لها، وأن تتحرك بجدية لإخراج الاحتلال من كل الأراضي اللبنانية التي يحتلها، وأن تتحمّل مسؤولياتها الوطنية تجاه إعادة الإعمار"، ولا يخفي المصدر الانزعاج من تصريحات وزير الخارجية يوسف رجّي الذي يمثل حزب القوات اللبنانية (برئاسة سمير جعجع) المعروف بمعارضته الشديدة لحزب الله، معتبراً أنّ "على وزير الخارجية أن يكون موقفه وطنياً لا حزبياً، ولا يمكن بأي شكل من الأشكال تبرير الانتهاكات الإسرائيلية الحاصلة، بل يجب التصدّي لها".
ويشدد المصدر على أنّ "حزب الله يترك للدولة مسألة حماية البلد، والدفاع عن أراضيه وحقوقه، ولكن للصبر حدود، ولا يمكن الحديث عن نزع سلاح أو حصره بيد الدولة، في ظل استمرار الاحتلال والمخاطر الإسرائيلية على البلد"، وفي أكثر من موقفٍ له، يشدد وزير الخارجية اللبناني يوسف رجّي على أنّ "لبنان لا يلتزم بما تعهّد به لناحية القرار 1701 الذي يتحدث مع القرارات الدولية المشمولة به 1559 و1680 عن نزع سلاح كل التنظيمات المسلحة في لبنان"، مشيراً إلى "أنّنا نحرّر لبنان من الاحتلال الإسرائيلي بفضل المجتمع الدولي، وهذا هو الواقع، ولكن حتى يساعدنا المجتمع الدولي ويضغط على الإسرائيلي علينا أن نحترم الشقّ المتعلق بنا من القرار 1701".
وينتقد رجّي خيار المقاومة، معتبراً أنه أوصل لبنان إلى الوضع الحالي، متسائلاً: "إذا كانت المقاومة في أوجّ قوتها قد عجزت خلال حرب الإسناد عن منع إسرائيل من احتلال أراضينا في الجنوب، وخرق أجوائنا، وتنفيذ اغتيالاتها، وتدمير بلدات وقرى جنوبية، وصولاً إلى بيروت، فهل هي قادرة اليوم على ذلك؟"، مشيراً إلى أن "سياسة النعامة التي يعتمدها الحزب لن تنقذ لبنان، خصوصاً في ظلّ الضغوط الدولية الهائلة التي تشترط تقديم أي مساعدات أو تمويل بتنفيذ القرارات الدولية ذات الصلة".
ويتمسّك الوزراء المحسوبون على حزب القوات اللبنانية، آخرها في جلسة الحكومة التي عقدت أمس الخميس، بطرح مسألة وضع مهلة زمنية لنزع سلاح حزب الله على الطاولة، وبالتالي حصر السلاح بيد الدولة، علماً أن البيان الوزاري لحكومة نواف سلام لم يحدّد أي مهلة لذلك، وبحسب معلومات "العربي الجديد"، فإنّ سلام أكد أنّ "هذه المسألة ستُطرح وتُبحَث على صعيدٍ وطنيٍّ، والحكومة ملتزمة ببيانها الوزاري".
هذه الأجواء، ردّ عليها حزب الله اليوم الجمعة، بموقفٍ لافتٍ لرئيس المجلس التنفيذي علي دعموش، قال فيه إنّ "المقاومة اليوم تعطي الفرصة للدولة لتقوم بواجباتها تجاه شعبها ومواطنيها، وإشعارهم بأنّ هناك دولة تقف إلى جانبهم وتحميهم، وتدافع عنهم، وتمنع العدو من استباحة قراهم، وألّا تكتفي بمواقف رفع العتب، فإنَّ تقصيرها وتغافلها لا يترك للنّاس من خيار سوى القيام بكلّ ما يمكن للدفاع عن حياتهم وأرزاقهم".
وأضاف: "تقولون بأنّ الدولة هي التي تحمي البلد، وهي التي تدافع عن الوطن ويجب حصر السلاح بيد الدولة، تفضلوا، اليوم الدولة هي الموجودة على طول الحدود، ولديها الفرصة لكي تمارس دورها، وبيدها السلاح، ومعها لجنة الاشراف على اتفاق وقف إطلاق النار، ومعها المجتمع الدولي أيضاً، فماذا فعلتم حتى الآن أمام الخروقات والاعتداءات اليومية الإسرائيلية؟ على الأقل أقنعونا بجدوى حصرية السلاح بيد الدولة"، وختم بالقول: "هناك احتلال ولا يمكن حصر السلاح بيد الدولة طالما هناك احتلال، وعندما يكون هناك احتلال وعدوان مستمر، فإن السلاح هو زينة الرجال، وعلى الجميع أن يتصدّى لهذا الاحتلال وبكلّ الوسائل، وهذا حقّ لا يمكن أن نتخلى عنه مهما كانت التضحيات".
