يسبّب الإغلاق الإسرائيلي للمعابر منذ الثاني من الشهر الجاري ومنع دخول المواد الغذائية والمساعدات الإنسانية والبضائع التجارية في حرمان الفلسطينيين في قطاع غزة العديد من المواد الغذائية والمتطلبات الأساسية والتي يزيد الإقبال عليها خلال شهر رمضان.
السفرة الرمضانية تعرضت لتغييرات كبيرة وغير مسبوقة سواء على مائدة الإفطار أو السحور، حيث أصبح الحصول على بعض الأطعمة الأساسية أمراً مستحيلاً جراء نفادها من الأسواق، أو بعيدة المنال للكثير من الأسر جراء تضاعف أسعار الكميات الشحيحة ما يزيد عن خمس مرات.
ومنذ إعلان الاحتلال الإسرائيلي وقف دخول جميع البضائع والإمدادات إلى قطاع غزة في الثاني من مارس/ آذار الجاري، نفدت العديد من السلع، بينما ارتفعت الأسعار بشكل ملحوظ ما سبّب فقدان العديد من الوجبات الرمضانية المعتادة على مائدتي الإفطار والسحور، ولا سيما تلك التي تعتمد بشكل أساسي على اللحوم والخضروات.
وبحسب تقرير سابق للجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني (حكومي)، قفز مؤشر غلاء المعيشة في قطاع غزة بنسبة 490%، بعد 13 شهراً من العدوان الإسرائيلي المتواصل على غزة.
غياب اللحوم الحمراء من غزة
شهدت الأسواق غياباً تاماً للحوم الحمراء والبيضاء وهي التي يستخدمها الناس في سفرة رمضان بكثرة في الوضع الطبيعي، ورغم وجودها في الشهرين الأخيرين عقب وقف طلاق النار إلا أنها لم تكن متاحة للجميع.
وأما ما يخص أسعار الخضروات والفواكه، فقد شهدت قفزات كبيرة، حيث أصبحت هذه السلع رفاهية أكثر من كونها احتياجات يومية، فعلى سبيل المثال، كان كيلو الخيار الذي بات يزرع على نطاق محدود للغاية في غزة قبل رمضان لا يتعدى 6 شواكل، في حين تجاوز سعره الآن حاجز 27 شيكلاً (الدولار = 3.60 شواكل)، ومن أبرز الخضروات التي شهدت هذه الارتفاعات الكبيرة، البطاطا، والبندورة، والفلفل، إذ كانت أسعارها في الشهر السابق لا تتجاوز ربع قيمتها الحالية.
وتوضح ربة المنزل أم سعيد الأشقر أن رمضان الحالي مختلف عن أي رمضان سابق، بفعل انعدام مظاهر الفرح فيه وغياب التجهيزات، كذلك إغلاق المعابر واختفاء مختلف السلع وأصناف اللحوم، أو توفر بعضها بأسعار مرتفعة جداً.
وتبين الأشقر لـ"العربي الجديد" أن فقدان تلك السلع وغلاء أسعار ما تبقى منها سبّب اختلاف شكل السفرة الرمضانية "اللحمة اختفت من مائدتي، وبدلاً من ذلك نعتمد على أكلات بسيطة مثل الأرز وطبخ بقوليات المعلبات، بينما فقد الطعام شهيته بسبب غياب الكثير من المقبلات التي باتت رفاهية زائدة".
وتشير الأشقر إلى أن هذا الوضع حرم العائلات من الاجتماع حول المائدة الرمضانية المليئة بأصناف الطعام، وتقول: "نحاول الحفاظ على روح رمضان، لكن الأمر صعب جداً، ونحاول الاقتصاد قدر المستطاع".
الاستغناء عن وجبات
دفعت الزيادات الحادة في الأسعار العديد من الأسر نحو تقليص وجبات الطعام أو الاستغناء عنها تماماً، وهو ما أثر على التقاليد الاجتماعية التي تجمع العائلات حول مائدة الإفطار بعد إلغاء الغالبية العظمى لمظاهر العزائم الرمضانية التي لطالما اعتادوا على تنظيمها.
تلفت الفلسطينية سعاد مهدي إلى أنه لم يعد في مقدورها طهي مختلف الأصناف التي اعتادت عليها خلال الأعوام السابقة، أو حتى خلال الأيام العادية، بسبب محدودية الأصناف الموجودة وانعدام الخيارات التي من شأنها تقديم مائدة مناسبة.
وتشير مهدي لـ "العربي الجديد" إلى الخصوصية الكبيرة لشهر رمضان ومائدته المتنوعة بأصناف اللحوم والخضر والفواكه والعصائر، بينما غابت معظمها بسبب إغلاق المعابر، أو ارتفاع أسعارها إلى مستويات لا تتيح لمعظم الأسر توفيرها.
وتشير مهدي إلى توجهها نحو أصناف معينة من الأرز والمعكرونة والبقوليات مثل الفاصوليا أو معلبات البازلّاء والفول والفلافل والحمص، فيما تغيب اللحوم والمقبلات مثل السمبوسك وشطائر الدجاج وعصائر الفواكه الطبيعية أو الخروب وهو المشروب الرمضاني المفضل.
أما الخمسيني الفلسطيني سائد أبو غنيمة فيقول لـ "العربي الجديد" إن معظم التقاليد الخاصة بشهر رمضان اختفت بفعل العدوان الإسرائيلي وتأثيراته الأمنية والاقتصادية التي ألقت بظلالها على الواقع الاجتماعي والنفسي للفلسطينيين.
ويوضح أنه اعتاد على زيارة الأسواق عصر كل يوم لتوفير متطلبات الإفطار والسحور كذلك المقبلات والأوراق الخضراء كالجرجير والبقدونس، لكن الوضع خلال رمضان الحالي اختلف، إذ بات يجبر على الاستيقاظ مبكراً لشراء بعض الأصناف قبل نفادها من السوق.
وتعتبر الأسعار في قطاع غزة مؤشراً على تفاقم الأزمة السياسية والاقتصادية، حيث سبّبت تداعيات العدوان وما تبعها من تحكم إسرائيلي في فتح المعبر وإغلاقه وإدخال أو منع العديد من البضائع والسلع في العديد من الانهيارات السعرية، التي تبعتها مباشرة قفزات أكثر حدة وقسوة.
