من المقرر أن يدخل قرار الاحتلال الإسرائيلي حظر عمل وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) في الأراضي المحتلة، حيز التنفيذ اليوم الخميس، مع مطالبة الاحتلال لوكالة "أونروا" بالتوقف عن أنشطتها في القدس المحتلة منذ اليوم 30 يناير/كانون الثاني 2025، بعد أن كان الكنيست قد صادق على "قانون وقف نشاطات أونروا في أراضي دولة إسرائيل لعام 2024" في 28 أكتوبر/تشرين الأول 2024.
ويمنع القانون الوكالة من ممارسة أي نشاط، أو الوجود في المناطق "السيادية" لدولة الاحتلال. بالإضافة إلى ذلك، تم تشريع قانون آخر يمنع أي اتصال بين السلطات الإسرائيلية والمسؤولين الإسرائيليين الموجودين في مناصب رسمية مع أونروا، والذي سيدخل حيز التنفيذ في الموعد نفسه. ومن المتوقع أن يكون للقانون عواقب على اللاجئين الفلسطينيين والمؤسسات التي تديرها الوكالة في الضفة الغربية والقدس المحتلتين وقطاع غزة. وليس لهذا الاستهداف من قبل الاحتلال للوكالة بجديد، بل إنه عمل على مدار عقود على نزع الشرعية عن "أونروا" وتشويه سمعتها حول العالم ضمن مخططاته لتصفية القضية الفلسطينية وحق العودة، عدا عن استهداف مؤسساتها عسكرياً. لكن حربه عليها بلغت ذروتها بعد عملية "طوفان الأقصى".
إسرائيل تنذر الأمم المتحدة
وعشية دخول القانون ضد "أونروا" حيز التنفيذ، أبلغ السفير الإسرائيلي لدى الأمم المتحدة داني دانون، أخيراً، الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس، أنه يتعين على الوكالة التوقّف عن أنشطتها في القدس منذ اليوم الخميس 30 يناير، كما هو محدد في القانون، وإخلاء جميع المباني التي تعمل منها، أي مقراتها ومؤسساتها. وزعم دانون أن "حماس ومنظمات أخرى اخترقت أونروا منذ فترة طويلة"، وأن "إصرار" الأمين العام للأمم المتحدة على "إنكار وتجاهل الأدلة التي قدّمتها إسرائيل بشأن عدم حيادية المنظمة والإرهاب داخلها، أجبر إسرائيل على التصرف بمسؤولية تجاه مواطنيها، والرد ووقف التعاون مع المنظمة".
واعتبر دانون "هذه التطورات رداً مباشراً على المخاطر الأمنية الخطيرة الناجمة عن اختراق حماس ومنظمات إرهابية (على حد تعبيره) أخرى لأونروا، ورفض الوكالة معالجة المخاوف الجسيمة والمادية التي أثارتها إسرائيل وتصحيح الوضع"، مشدداً، في زعمه، على أن أونروا "تنازلت بشكل لا رجعة فيه عن واجبها الأساسي في الحياد وعدم التحيز". ولم يتطرق دانون في رسالته إلى القانون الآخر الذي أقره الكنيست، والذي بموجبه سيتم حظر التعامل مع "أونروا" وموظفيها من قبل المسؤولين الإسرائيليين اعتباراً من 30 يناير الحالي، مما قد يعرض نشاطات "أونروا" في غزة والضفة الغربية للخطر أيضاً.
ذرائع لوقف نشاطات "أونروا"
وتأتي التشريعات الرامية لوقف نشاطات "أونروا" في الأراضي المحتلة بدوافع سياسية وذرائع أمنية، من أبرزها الادعاء الإسرائيلي بأنها تحافظ على قضية اللجوء واللاجئين عبر الأجيال، بدلاً من توفير حل دائم للقضية. ويزعم الاحتلال أن نشاطات الوكالة تعمّق الصراع وتمنع دمج اللاجئين في المجتمعات والدول التي يعيشون فيها.
تشهد العلاقات المباشرة بين الاحتلال و"أونروا" في الوقت الراهن قطيعة شبه تامة
واتّهمت اسرائيل على مر السنوات "أونروا" بأن نشاطاتها ترتبط أحياناً بمنظمات "إرهابية"، بما في ذلك استخدام منشآت الوكالة لتخزين الأسلحة والتحريض ضد إسرائيل، وهي المزاعم التي عادت لتكررها بقوة خلال حرب الإبادة على قطاع غزة واستهدافها العديد من المنظمات الإنسانية أيضاً وفرقها. وعلى الساحة الدولية، لطالما بذلت حكومات الاحتلال المتعاقبة جهوداً لتغيير النهج الدولي تجاه قضية اللاجئين الفلسطينيين وتقويض وضع "أونروا" أمام العالم وتقليل تأثيرها.
ومن أهداف القانون تأكيد "سيادة" الاحتلال ومنع نشاطات الهيئات التي يعتبر أنها تُلحق الضرر بمصالحها. وليس كل ذلك بمعزل عن الضغوط السياسية الداخلية التي تزايدت في ظل حكومة اليمين الحالية على نحو ملموس، من خلال جهات في الائتلاف الحاكم، لتشريع القانون كجزء من الجهود التي تستهدف اللاجئين الفلسطينيين، والمعركة على الوعي والسردية التاريخية للصراع. في المقابل، هناك من يعتقد أن القانون قد يؤدي إلى تفاقم الأزمة مع المجتمع الدولي، وإلحاق الأذى بالخدمات المقدّمة للاجئين الفلسطينيين، من قبيل التعليم والصحة، وزيادة التوترات في الضفة الغربية وقطاع غزة.
وتدهورت العلاقات بين الاحتلال ووكالة "أونروا" قبل حرب الإبادة الحالية، لكنها ساءت أكثر بعدها. وزعم الاحتلال خلال الحرب أن حركة حماس تستخدم منشآت "أونروا" من قبيل المدارس والمستودعات في قطاع غزة لتخزين الأسلحة، وحفر الأنفاق وأماكن الاختباء، وهي ادّعاءات ظهرت في أكثر من عدوان سابق في غزة. كما اتهمت إسرائيل "أونروا" بعدم حذف ما تعتبره تحريضاً في المناهج الدراسية التي تُدرس في مؤسسات الوكالة التعليمية، وأنها تساهم في تعميق الصراع بدلاً من المساعدة في حله. ولا يتعلق هذا بمدارس الوكالة في غزة فحسب، وإنما في كل مكان موجودة فيه، مثل مدارسها في القدس المحتلة، والتي بدأت محاولات إسرائيلية لفرض المنهاج الإسرائيلي عليها بدلاً من المنهاج الفلسطيني منذ سنوات، وصولاً إلى القانون الذي سنّه الكنيست في العام 2024، لوقف نشاطات الوكالة في المناطق التي يسيطر عليها الاحتلال، بزعم تشكيلها خطراً على "الأمن الوطني" الإسرائيلي وتعزيز السردية الفلسطينية حول حق العودة.
وفيما ركّزت رواية إسرائيل على استخدام الفلسطينيين للموارد الدولية لأغراض قتالية، أكدت "أونروا" غير مرة، الاحتياجات الإنسانية الفورية نتيجة الوضع في قطاع غزة، داعية الاحتلال للسماح بمرور المساعدات الإنسانية بحريّة إلى قطاع غزة، وهو ما قامت إسرائيل بتقييده بذرائع أمنية. كما زاد الاحتلال ضغوطاته لحث دول على وقف تمويلها للوكالة ونجح بذلك جزئياً. وتشهد العلاقات المباشرة بين الاحتلال و"أونروا" في الوقت الراهن قطيعة شبه تامة، إذ لا تعترف إسرائيل بشرعية الوكالة في "أراضيها"، وهي قطيعة سيعززها القانون.
محطّات من الاستهداف
منذ تأسيس "أونروا" من قبل الجمعية العامة للأمم المتحدة في 1949 بهدف تقديم المساعدة للاجئين الفلسطينيين بعد النكبة، شهدت علاقتها مع الاحتلال محطات مختلفة. وفي يوليو/تموز 1952 تولّت إسرائيل المسؤولية عن "رعاية" اللاجئين الفلسطينيين في المناطق الموجودة تحت سيادتها. وبلغ عددهم حينها، بحسب مصادر إسرائيلية، نحو 17 ألفاً، لتتوقّف نشاطات "أونروا" داخل "حدود" إسرائيل. وبعد النكسة في يونيو/حزيران 1967، سيطر الاحتلال الإسرائيلي على الضفة الغربية وقطاع غزة، واتفقت "أونروا" مع حكومة الاحتلال على استمرار نشاطات الوكالة في هذه الأراضي بالتعاون مع السلطات الإسرائيلية. وفي أكتوبر/تشرين الأول 2024، سنّ الكنيست قانوناً يحظر نشاطات الوكالة في "إسرائيل"، ما أثار قلقاً دولياً، بما في ذلك من قبل المدير العام لـ"أونروا" فيليب لازاريني، الذي أعرب غير مرة عن قلقه من تداعيات القانون.
هاجم الاحتلال خلال الحملات العسكرية المتعاقبة على قطاع غزة منشآت "أونروا"
واعتبر لازاريني، خلال اجتماع لمجلس الأمن مساء أول من أمس الثلاثاء لنقاش وضع الوكالة، أن "ما هو على المحك هو مصير ملايين الفلسطينيين، ووقف إطلاق النار، وآفاق الحل السياسي الذي يجلب السلام والأمن الدائمين". وحذر من أن "التنفيذ الكامل لتشريعات الكنيست ستكون له تبعات كارثية. ففي غزة، من شأن تقويض عمليات أونروا أن يعرض الاستجابة الإنسانية الدولية للخطر، ويهدد قدرة الأمم المتحدة على تقديم الخدمات في الوقت الذي يجب أن نزيد المساعدات الإنسانية بشكل كبير، مما سيفاقم الظروف المعيشية للفلسطينيين". وشدد على أن الخدمات التي تقدمها "أونروا" فريدة من نوعها، ولا يمكن لأي وكالة أخرى أن تعوضها كما تدعي إسرائيل، مشيراً إلى أن خدمات الوكالة من التعليم والصحة وغيرها تشبه خدمات تقدمها حكومات ولا يمكن نقلها إلا إلى دولة عاملة. وتوقف لازاريني عند الوضع في الضفة الغربية المحتلة وعمليات "أونروا" هناك. وقال: "في الوقت الذي يتصاعد فيه العنف، فإن إنهاء عمليات أونروا من شأنه أن يحرم لاجئي فلسطين من التعليم والرعاية الصحية. وقد أوضحت السلطة الفلسطينية أنها لا تملك الموارد المالية أو القدرة على التعويض عن فقدان خدمات أونروا. وفي القدس الشرقية المحتلة، أمرت حكومة إسرائيل أونروا بإخلاء مبانيها ووقف عملياتها بحلول يوم الخميس. وسيؤثر هذا على ما يقرب من 70 ألف مريض وأكثر من ألف طالب. إن الهجوم المستمر على أونروا يضر بحياة ومستقبل الفلسطينيين في جميع أنحاء الأراضي الفلسطينية المحتلة. وهو يقوض ثقتهم في المجتمع الدولي، ويعرض أي احتمال للسلام والأمن للخطر". وأكد أن تنفيذ التشريعات الإسرائيلية "يسخر من القانون الدولي، ويفرض قيوداً هائلة على عمليات أونروا. ومع ذلك، فإننا عازمون على البقاء وتقديم الخدمات إلى أن يصبح من غير الممكن القيام بذلك".
وخلال الحملات العسكرية الإسرائيلية المتعاقبة على قطاع غزة، كانت هناك حالات هاجم فيها جيش الاحتلال منشآت "أونروا". مثلاً في 7 يونيو/حزيران 2024، هاجم جيش الاحتلال مدرسة تابعة للوكالة في مخيم النصيرات للاجئين، زاعماً وجود مقاومين من حركتي حماس والجهاد الإسلامي سبق أن شاركوا في عملية "طوفان الأقصى"، ما أسفر عن سقوط نحو 40 شهيداً وأثار انتقادات دولية. وتضررت منذ بدء الحرب العديد من منشآت "أونروا"، بما في ذلك مدارس استُخدمت ملاجئ للمدنيين، فيما أعربت الوكالة غير مرة عن قلقها من الهجمات على موظفي الوكالة ومنشآتها، داعية إلى وقفها.
وفي تقرير لوكالة "أونروا" صدر في 23 يناير/كانون الثاني الحالي فقد بلغ العدد الإجمالي لأعضاء فريق الوكالة الذين استشهدوا في غزة منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023 ما مجموعه 272 موظفاً وموظفة. وأوضح التقرير أنه حتى الـ13 من الشهر الحالي "تم الإبلاغ عن 665 حادثة أثرت على مباني أونروا والأشخاص الموجودين بداخلها منذ بداية الحرب (بعضها وقع في عدة حوادث أثرت على نفس الموقع). وقد تأثرت 205 منشآت تابعة للوكالة بحوادث ذات صلة بالنزاع المسلح منذ بداية الحرب، وبعضها وقع في مناسبات متعددة. وتشير تقديرات أونروا إلى أن ما مجموعه 744 شخصاً على الأقل من الأشخاص الذين لجأوا إلى منشآت أونروا قد قتلوا وما ﻻ يقل عن 2346 شخصاً أصيبوا بجروح منذ بداية الحرب". وأشار إلى أن أرقام الخسائر البشرية "تخضع للمراجعة بشكل مستمر مع تمكن أونروا من الوصول إلى المواقع التي لم يكن من الممكن الوصول إليها في السابق، ومع إجراء المزيد من عمليات التحقق".
وكان تقرير للوكالة صدر في 9 سبتمبر/أيلول 2024 تحت عنوان "التدمير الممنهج للمدارس في غزة"، أشار إلى أنه "منذ بدء الحرب على غزة في 7 أكتوبر 2023، تعرضت 85% من المباني المدرسية في غزة للقصف أو التدمير، وهي الآن بحاجة إلى إعادة إعمار أو إعادة تأهيلها بشكل كبير لتعمل من جديد. ومدارس أونروا ليست استثناء من ذلك، فخلال الحرب، تعرض ما يقرب من 70% من مدارس الوكالة للقصف، وبعضها تعرض للقصف عدة مرات، وقد تمت تسوية بعضها بالأرض، وتضرر العديد منها بشكل كبير. وكانت 95% من هذه المدارس تستخدم كملاجئ للنازحين، عندما تعرضت للقصف". وأضاف: "في شهر يوليو/تموز 2024 وحده، تم تسجيل 21 غارة على المدارس التي تستخدم مراكز إيواء في جميع أنحاء قطاع غزة. ونتيجة لذلك، قتل أكثر من 270 شخصاً وأصيب العشرات". يشار إلى أنه يوجد في غزة 183 مدرسة تابعة إلى الوكالة.
وفي حين ادعى الاحتلال الإسرائيلي في بداية العدوان على غزة اشتراك موظفين في الوكالة بهجوم "طوفان الأقصى"، أعلن المدير العام لـ"أونروا" فيليب لازاريني، في بيان في أغسطس/آب 2024، أنه وبعد إجراء تحقيق بشأن الادعاءات الإسرائيلية حول تورط 19 من موظفي الوكالة في الهجوم فإنه تم إعادة موظف إلى عمله بعد عدم تلقي مكتب خدمات الرقابة الداخلية أي دليل يدعم الادعاءات بتورطه في الهجوم، وفي تسع حالات أخرى، لم تكن الأدلة التي حصل عليها المكتب كافية لدعم تورط الموظفين، وقد أغلق الآن التحقيق الذي أجراه مكتب خدمات الرقابة الداخلية بشأنها. وأضاف: "أما بالنسبة للحالات التسع المتبقية، فإن الأدلة - إذا ما تم التثبت من صحتها وتأييدها - يمكن أن تشير إلى أن موظفي أونروا ربما كانوا متورطين في هجمات 7 أكتوبر 2023، فقد تم إنهاء عملهم لدى الوكالة"، مشيراً إلى وفاة اثنين من الموظفين المتهمين، من دون تحديد كيفية وفاتهم. وأشار إلى أن "مراجعة مستقلة على مستوى الوكالة أجرتها ثلاثة مراكز بحثية مرموقة تحت قيادة وزيرة الخارجية الفرنسية السابقة كاترين كولونا أظهرت أن أونروا تمتلك نهجا أكثر تطوراً في الحيادية من غيرها من كيانات الأمم المتحدة أو المنظمات غير الحكومية المماثلة".
وفي عدوان 2014 على قطاع غزة، تضررت مدرسة تابعة لـ"أونروا" في جباليا، كانت تستخدم مأوى للاجئين، إثر تعرّضها لقصف إسرائيلي، مما أدى إلى استشهاد ما لا يقل عن 16 شخصاً. وزعمت إسرائيل أن قذائف هاون أُطلقت من منطقة قريبة من المكان. وفي أغسطس/آب من العام نفسه، استهدف الاحتلال مدرسة تابعة لـ"أونروا" في رفح من الجو، مما أسفر عن استشهاد ما لا يقل عن 10 أشخاص. وزعمت إسرائيل أن "حماس" استخدمت منشآت "أونروا" لتخزين الأسلحة وإطلاق الصواريخ. وفي مايو/أيار 2021، خلال عملية "حارس الأسوار"، تضرر العديد من منشآت الوكالة، وزعم الاحتلال في حينه أيضاً أن "حماس" تستخدم هذه المنشآت لنشاطات عسكرية. وكانت المقاومة الفلسطينية قد أعلنت وقتها إطلاق عملية "سيف القدس" حيث استهدفت بعشرات الصواريخ المستوطنات والقدس المحتلة، مطالبة الاحتلال بسحب جنوده من المسجد الأقصى وحي الشيخ جراح والأفراج عن معتقلين، فيما أعلن الاحتلال إطلاق عملية "حارس الأسوار"، مستهدفاً قطاع غزة.
