حكومة لبنان تقر موازنة 2025 بعد المفاضلة بين السيئ والأسوأ

منذ ١ أسبوع ١٠

انطلق مسار عمل الحكومة اللبنانية برئاسة نواف سلام بعد نيلها ثقة البرلمان في 26 فبراير/شباط الماضي متخذة أول قراراتها في جلسة يوم الخميس بإقرار مشروع موازنة العام 2025 بمرسوم، رغم أنها أتت خالية من أي رؤية اقتصادية إصلاحية، متذرعة بـ"منع تعطيل الحاجات العامة وخدمات المواطنين"، وباعتبار أنّ إعداد موازنة جديدة سيتطلب وقتاً طويلاً.

وحاولت حكومة سلام "تجميل" خطوتها بتكليف وزير المال ياسين جابر بـ"إعداد مشروع خلال أسبوع، لإعادة النظر بالرسوم الواردة في الموازنة"، مؤكدة أنّ ما سلكته يُعدّ القرار الأفضل بين الخيارات المتاحة، أي "الإنفاق وفق القاعدة الاثنتي عشرية، والعودة إلى سلفات الخزينة، والإنفاق من دون موازنة"، أو "إعداد موازنة جديدة"، خصوصاً في وقتٍ تجري التحضيرات لقيام مفاوضات جديدة مع صندوق النقد الدولي.

وأوضح رئيس الوزراء نواف سلام بعد انتهاء جلسة مجلس الوزراء أنه "جرى إصدار موازنة 2025 بمرسوم وذلك منعاً للتعطيل أو تأخير الحاجات العامة وخدمات المواطنين"، مشدداً على أننا "نريد الابتعاد عن الترقيع، وليس لدينا ترف الوقت لاسترداد الموازنة أو الدخول في نقاشات جديدة، لذلك كلفنا بالتوازي وزير المال بإعداد مشروع قانون خلال أسبوع لإعادة النظر في الرسوم الواردة في الموازنة لتدارك الآثار الاقتصادية أو الاجتماعية السلبية التي يمكن أن تترتب على المواطنين"، مؤكداً كذلك أننا "سننكبّ على إعداد موازنة عام 2026، وهي التي ستكون الموازنة الإصلاحية الإنمائية التي يمكن محاسبتنا عليها وليس موازنة 2025".

وتعرّضت حكومة سلام لجملة انتقادات بعد أن سلكت هذا الاختيار، باعتبار أنّ ما حصل هو بمثابة دعسة ناقصة لعهد يرفع شعار الإصلاح والإنقاذ، وأتت مخيّبة للآمال، نظراً للثقة الكبيرة التي أعطيت له مع انطلاقته، لا سيما أنّ مجلس الوزراء أقرّ حكومة الرئيس السابق نجيب ميقاتي، رغم أنها خالية من أي رؤية اقتصادية، وقد بلغت مجمل الإيرادات في موازنة العام 2025 نحو 4.7 مليارات دولار، في مقابل تقدير النفقات بنحو 4.5 مليارات دولار، وهي تالياً لا تعبّر عن المستجدات أبرزها تداعيات العدوان الإسرائيلي.

وعلم "العربي الجديد"، أنّ عدداً من النواب سيتجهون للطعن بقانون الموازنة العامة لعام 2025 أمام المجلس الدستوري، الذي يحتاج إلى عشرة نواب، وذلك باعتبار أنّ ما ارتُكب مخالفةٌ للدستور.

في الإطار، تقول الباحثة في القانون الدولي والجرائم المالية والاقتصادية محاسن مرسل إنّ أولى خطوات ما يُسمّى بالإصلاح، أتت بإقرار مشروع موازنة 2025 وهي خالية من أي رؤية اقتصادية، وفيها زيادة للرسوم تصل إلى 250 مرّة، وزيادة 50 مرة غرامات، مشيرة إلى أن موازنة العام 2025 تتعاطى كأن الوضع في لبنان سليم من ناحية توزيع النفقات من دون أن تأخذ بعين الاعتبار أي حرب مرّت على البلاد، وتأثيرها على الإنفاق سواء لناحية القطاع الصحي أو البنى التحتية وغير ذلك.

وتشير مرسل في حديثها مع "العربي الجديد" إلى أنّ "الحكومة طبقت أحكام المادة 86 من الدستور، لكن للأسف موازنة العام 2025 أرسلت قبل أيام من العدوان الإسرائيلي الموسّع في سبتمبر/أيلول الماضي، حتى إنّها لم تأخذ بعين الاعتبار فترة الحرب التي استمرّت منذ 8 أكتوبر/تشرين الأول 2023، عدا عن أنها أتت خالية من أي أعباء إضافية ولم تتحدث عن خدمة الدين العام والفيول العراقي وغيرها".

مخالفات في إقرار موازنة لبنان

وتنصّ المادة 86 من الدستور على أنه "إذا لم يبتّ مجلس النواب نهائياً في شأن مشروع الموازنة قبل الانتهاء من العقد المعين لدرسه، فرئيس الجمهورية بالاتفاق مع رئيس الحكومة يدعو المجلس فوراً لعقد استثنائي يستمر لغاية نهاية يناير/كانون الثاني لمتابعة درس الموازنة، وإذا انقضى العقد الاستثنائي هذا ولم يبتّ نهائياً في مشروع الموازنة فَلِمجلس الوزراء أن يتخذ قراراً يُصدر بناءً عليه عن رئيسُ الجمهورية، مرسوماً يجعل بموجبه المشروع بالشكل الذي تقدّم به إلى المجلس مرعياً ومعمولاً به. ولا يجوز لمجلس الوزراء أن يستعمل هذا الحق إلّا إذا كان مشروع الموازنة قد طرح على المجلس قبل بداية عقده بخمسة عشر يوماً على الأقل".

وترى مرسل أنه كان يفترض نتيجة القوة القاهرة في البلاد أن يُسحب المشروع ويُعاد درسه، وإدخال تعديلات عليه خصوصاً لجهة النفقات، مشيرة إلى أننا "أمام موازنة تفتقد لرؤية اقتصادية وأرقامها غير دقيقة، قد تكون تجميلية لكنها لا تُحاكي الواقع، ما يتنافى مع الشعار الذي ترفعه الحكومة بالإصلاح والإنقاذ".

وتتوقف مرسل عند مسألة إعادة النظر بالرسوم، قائلة "قد يحصل تعديل لبعض الرسوم، لكن الحاجة التمويلية للدولة كبيرة، وبالتالي، فإن كل ما ستقوم به سيكون في إطار التجميل، فحتى لو خفضت الرسوم وسحبت بعض الغرامات، لكنها لن تحاكي الواقع الاقتصادي والمعيشي للمواطنين"، مشيرة إلى أن "الدولة اليوم تمكّنت من رفع إيراداتها عندما نظّمت ماليتها العامة في ظل سياسة مصرف لبنان الجديدة، لكنها تحتاج إلى تنظيم نفقاتها وتبويبها بشكل يحاكي نفقاتها الفعلية".

في المقابل، يعتبر الكاتب والخبير في الشؤون الاقتصادية والمالية والمصرفية علي نور الدين أنّ "الحكومة كانت أمام خيارين، السيئ والأسوأ، إذ إنّ الاستمرار بالصرف على القاعدة الاثنتي عشرية، سيئ لسببين، الأول أن موازنة العام 2024 التي كنّا سنكمل الصرف على أساسها فيما لو اتُبع هذا الخيار، سيئة جداً، باعتبار أنّ الإيرادات المقدّرة فيها غير واقعية، فإيراداتنا أكبر من المنصوص عنها وسقوف الإنفاق المحددة أيضاً مقابل هذه الإيرادات شديدة الانخفاض مقارنة بإمكانات الدولة، وكانت تضغط كثيراً على الإدارات العامة في سقوف الإنفاق، ما كان يحتّم التصحيح، والثاني كونه خياراً غير دستوريّ".

خيارات الحكومة

ويشير نور الدين في حديثه مع "العربي الجديد"، إلى أنّ "الخيار الأول كان أمام الحكومة بالصرف على القاعدة الاثنتي عشرية لحين تعديل موازنة حكومة ميقاتي، يعني استردادها من البرلمان وإعداد موازنة جديدة لطرحها من البداية، وهذا كان سيحتاج وقتاً وهذا الأسوأ برأيي".

تبعاً لذلك، يرى نور الدين أنّ "الحكومة ذهبت في الخيار السيئ بدلاً عن الأسوأ، فموازنة حكومة ميقاتي لهذه السنة أعِدَّت قبل الحرب ولا تأخذ بعين الاعتبار الحاجة للإنفاق للتعامل مع تداعيات العدوان، لكنها بالتوازي كلّفت وزير المالية ياسين جابر بإعداد مشروع خلال أسبوع لإعادة النظر بالرسوم الواردة فيها، وهذه نقطة إيجابية، ويمكن لاحقاً خلال هذا العام إبرام ملحق تعديلي للموازنة نفسها".

من جانبه، يقول الكاتب والصحافي الاقتصادي منير يونس لـ"العربي الجديد"، إنه يؤيد إقرار مشروع موازنة 2025 بمرسوم، مع أنها لا تعبّر عن المستجدّات خصوصاً الحرب وغيرها، ولا تتضمن رؤية اقتصادية ولا إصلاحية، لكن من يضغط باتجاه إقرار موازنة جديدة، غاب عن باله أنّ "روتين" إقرار الموازنة في لبنان طويل، والمسار يتطلّب أسابيع وربما أشهراً، عدا عن المزيدات السياسية التي تخرج عن النواب بالتزامن مع هذه الفترة، ما من شأنه أن يردفها بالتالي لما بعد فصل الصيف.

من ناحية ثانية، يشير يونس إلى أنّ "موازنة العام 2025 تحتوي على إنفاق إضافي بقيمة 1.3 مليار دولار، وطالما أن لا مساعدات ولا قروض من الخارج فيمكن الاستفادة من هذا الإنفاق، وإلا سننفق على أساس موازنة العام 2024 التي كانت تقشفية لأبعد الحدود، من دون أن ننسى أنّ المجتمع اليوم لا يحتمل تقشف فلا خدمات صحية ولا كهرباء ولا صيانة للبنية التحتية، وبالتالي فإنّ هذا المشروع وفيه المبلغ الإضافي من الإنفاق يفيد هذه الحكومة".

ويعتبر يونس أنّ "الحكومة في حال أرادت فعلاً أن تخفّض الرسوم والضرائب عليها عدم تحميلها للفقراء، والتصحيح المنتظر يجب أن يكون برسوم بديلة تُحمَّل للأغنياء والتجار والصناعيين والمطوّرين العقاريين، وهذا الأمر ممكن جداً، ولا يوجد حل ثالث"، سائلاً "لماذا لا نحمّل الضرائب للذين استفادوا من منصّة صيرفة والدعم، أي التجار والمستوردون، ومن استفاد من سداد القروض الدولارية بالشيكات والدولار"، معتبراً أنّ "هناك دراسات بذلك، ومشاريع موجودة لتحميل الأكثر قدرة رسوماً وضرائب ويمكن السير بها".

ويشدد يونس على أنّ "موازنة العام 2026 يجب أن تكون إصلاحية، مع الإشارة إلى أنّ صندوق النقد الدولي أعطى وزارة المال ورقة للإصلاح الضريبي، وهو يعتبر أن النظام الضريبي في لبنان يحمّل الفقراء أكثر ممّا يحتملون ويخفف عن الأغنياء، وهذه الورقة تعطي خارطة طريق للإصلاح الضريبي، خلاصتها إمكانية مكافحة التهرّب الضريبي وزيادة الإيرادات من الأكثر قدرة ومن أصحاب المهن الحرّة".

قراءة المقال بالكامل