مع وصول دونالد ترامب إلى البيت الأبيض وعدم وضوح النهج الذي سيتّبعه تجاه جنوب شرق آسيا، أي رابطة آسيان خصوصاً ما يتعلق بإدارة الخلافات مع الصين والنزاعات الشائكة في بحري الصين الشرقي والجنوبي، تجد دول رابطة آسيان نفسها معلّقة وسط حالة من عدم اليقين. وذكرت وسائل إعلام صينية أنه في ظل عدم استقرار المشهد الجيوسياسي وسط حالة عدم اليقين المحيطة بالعلاقات الصينية الأميركية، لا تريد أي دولة عضو في رابطة آسيان أن تتخذ موقفاً صريحاً بين واشنطن وبكين، ولكن لا أحد منها يريد أيضاً أن ينتهي به الأمر إلى الجانب الخطأ حتى تتضح الظروف الجيوسياسية في المنطقة.
جينغ وي: جميع دول جنوب شرق آسيا لديها علاقات جيدة مع الصين باستثناء الفيليبين
رابطة آسيان والنزاعات
وأشارت تلك الوسائل في هذا الصدد إلى دعوة رئيس وزراء ماليزيا أنور إبراهيم قبل أيام، رابطة آسيان إلى عدم استهداف بكين بشأن التوترات في بحر الصين الجنوبي. وقالت إن تصريحاته تؤكد ضرورة تحقيق التوازن بين العلاقات القوية مع الصين ومعالجة القضايا البحرية. وكان أنور إبراهيم قد حث في منتدى دافوس الأسبوع الماضي، دول الرابطة على عدم اتخاذ مواقف معادية في النزاعات البحرية. وقال إن النزاعات الحدودية في آسيا ستظل قائمة دائماً، ويجب عدم التركيز على الصين باعتبارها قضية، لافتاً إلى أن ماليزيا لديها علاقات قوية مع الولايات المتحدة، ومع ذلك فإن الصين جارة مهمة يجب علينا أيضاً التعامل معها. وأشادت بكين بهذا الموقف وقالت إنه يعكس جهداً براغماتياً للتنقل في المشهد الجيوسياسي وسط حالة عدم اليقين المحيطة بالعلاقات بين الولايات المتحدة والصين في عهد الرئيس دونالد ترامب.
وكانت بكين قد أثارت حفيظة دول جنوب شرق آسيا بسبب تأكيدها على ملكيتها لمعظم الممر المائي الاستراتيجي في بحر الصين الجنوبي على الرغم من حكم دولي صدر في عام 2016 يفيد بأن هذا الادعاء لا أساس قانونيا له. وقد وضع هذا الأمر الصين في منافسة مع بروناي وماليزيا والفيليبين وتايوان وفيتنام، التي لها مطالبات جزئية في المناطق المتنازع عليها. وفي السنوات الأخيرة، شهدت بكين ومانيلا تصعيداً في المواجهات، بما في ذلك حوادث الاصطدام بالقوارب وإطلاق سفن خفر السواحل الصينية مدافع المياه على نظيرتها الفيليبينية، وقد أثارت هذه الاشتباكات مخاوف من أنها قد تجر الولايات المتحدة، حليفة مانيلا الأمنية منذ فترة طويلة، إلى صدام مسلح مع الصين.
في تعليقه على مواقف ومصالح دول رابطة آسيان في العلاقة مع بكين وواشنطن، أوضح المختص في الشأن الآسيوي في معهد فودان للدراسات والأبحاث، جينغ وي، في حديث لـ"العربي الجديد"، أنه باستثناء الفيليبين التي اتخذت موقفاً معادياً في نزاعاتها البحرية، فإن جميع دول جنوب شرق آسيا لديها علاقات جيدة مع الصين على الرغم من الخلافات القائمة، وهناك قناعة لدى هذه الدول بأن حل الخلافات يجب أن يتم عبر طاولة الحوار من دون السماح لأطراف وقوى خارجية في التدخل بشؤون المنطقة، كما تحاول مانيلا جرّ واشنطن للدفاع عن مصالحها الأمنية، لافتاً إلى أن النزاعات في بحر الصين الجنوبي ليست مسلحة ولا تنطوي على مخاطر عسكرية تستدعي الاستنجاد بالحلفاء كما تصوّر مانيلا الصراع.
وأضاف أن موقف رئيس وزراء ماليزيا في مؤتمر دافوس، وحديثه على أهمية عدم استعداء الصين، أظهر الفيليبين دولةً خارجة عن التوافق باعتبارها الدولة الوحيدة في رابطة دول جنوب شرق آسيا التي ترغب في الوقوف في وجه الصين بصورة عدوانية. وأضاف أن تعليقات أنور إبراهيم تعكس تطلعاته لتعزيز العلاقات الثنائية بين ماليزيا والصين. كما أشار في هذا الصدد إلى قواسم مشتركة بين الصين وبعض دول آسيان تجعل الأخيرة تنجذب لبكين أكثر على حساب واشنطن، مثل إندونيسيا وماليزيا، باعتبارهما دولتين ذات أغلبية مسلمة، كان لديهما تحفظات إلى الدعم الأميركي غير المحدود لإسرائيل في حربها الأخيرة على الشعب الفلسطيني المسلم. في حين أن موقف الصين كان داعماً وراعياً لجهود السلام في المنطقة.
ليو مينغ: دول رابطة آسيان تتريث باتخاذ موقف واضح من النزاع مع الصين
تريث بشأن الصين
في المقابل، رأى أستاذ العلاقات الدولية في معهد وان تشاي للأبحاث والدراسات في هونغ كونغ، ليو مينغ، في حديث مع "العربي الجديد"، أن حديث أنور إبراهيم عن بكين بهذه الصيغة، يقلل من تأثير التهديدات التي تشكلها الصين على جيرانها، واعتبر أن هناك دوافع شخصية لرئيس الوزراء الماليزي تتعلق بإعادة انتخابه، ومحاولة الظهور بصورة رجل الدولة الذي يتحدث ببراغماتية على المنصات الدولية. وأكد أن الدول الأعضاء الأخرى في رابطة دول جنوب شرق آسيا تتريث باتخاذ موقف واضح من النزاع مع الصين حتى ترى كيف ستتعامل إدارة ترامب الثانية مع هذا الملف.
وأشار ليو مينغ إلى أن الفيليبين هي الدول الوحيدة التي وقفت بقوة في وجه مساعي بكين لفرض أمر واقع يتمثل ببناء الجزر الاصطناعية في المناطق المتنازع عليها وتجهيزها عسكرياً لتعزيز قوة الردع. ولفت أنه في عام 2016، أصدرت محكمة دولية في لاهاي حكماً لصالح الفيليبين في قضيتها ضد بكين بشأن النزاع بحر الصين الجنوبي، حين أعلن الحكم أن مطالبات بكين، بما في ذلك خط النقاط التسع، غير قانونية. لكن ومع ذلك، لم تساند باقي الدول في الرابطة مانيلا لتبدو جبهة معزولة في محيطها، الأمر الذي أبطل مفعول الحكم الدولي، وأفرز شعوراً عاماً لدى دول المنطقة بأن اللجوء إلى القانون ومعاداة الصين لن يجدي نفعاً.
