دفع مشهد عودة مئات الآلاف من النازحين الفلسطينيين إلى شمال غزة المشاركين في الجلسة الختامية للمنتدى السنوي لفلسطين، اليوم الاثنين، إلى اعتبار أن "الشعب الفلسطيني في غزة رد سريعاً على أطروحات الرئيس الأميركي دونالد ترامب بتهجيرهم إلى مصر والأردن". وحاول المشاركون في الجلسة الختامية للمنتدى الذي عقد في الدوحة رسم معالم اليوم التالي للحرب في غزة، ومصير الضفة الغربية، ومستقبل حماس والمشاريع الأميركية المطروحة لغزة، وإظهار الصورة القاتمة للوضع في القطاع، ومشاهد التدمير بعد حرب الإبادة التي شنها الاحتلال الإسرائيلي طوال 15 شهراً، كما عرضوا السيناريوهات المتعددة والمتباينة التي تطرح من جهات مختلفة لليوم التالي للحرب في غزة.
وقال مدير الإغاثة الطبية في قطاع غزة، عائد ياغي، إن حرب الإبادة الإسرائيلية على قطاع غزة فاقت جميع الحروب السابقة التي تعرض لها القطاع، مشيراً إلى أن 25 % من أعداد الجرحى الفلسطينيين يحتاجون إلى علاج وتأهيل طويل المدى، كما أن 5 آلاف جريح منهم يحتاجون إلى تركيب أطراف صناعية، كما أن الحرب خلّفت نحو 90 ألف يتيم، وأزمة بيئية عميقة، مؤكداً أن التلوث الذي أصاب الخزان الجوفي للمياه في غزة يحتاج إلى 50 سنة للتخلص منه.
وبحسب قول ياغي، فإن أحد أهداف إسرائيل هو تطهير غزة عرقياً، وتقليص أعداد الفلسطينيين فيها قسراً أو طوعاً، مشيراً إلى أن 300 ألف فلسطيني قد غادروا قطاع غزة منذ اندلاع العدوان الإسرائيلي لأسباب مختلفة. ودعا إلى اقتراح سياسات فلسطينية تعزز صمود الشعب الفلسطيني، وتشجع أهل غزة على العودة، قائلاً إن "الانقسام الفلسطيني، وما يعانيه الفلسطيني من غلاء وفقر وفساد ومحسوبية، وكذا القلق من المستقبل له تأثير سلبي على الصمود"، كما دعا إلى "تشكيل حكومة وحدة وطنية أو حكومة تكنوقراط بتوافق فلسطيني كامل، بهدف تغيير موازين القوى لصالح الشعب الفلسطيني".
سيناريوهات اليوم التالي
إلى ذلك، عرض الباحث علي شعث السيناريوهات المطروحة لليوم التالي للحرب على غزة، ومنها استمرار هيمنة الاحتلال وفقدان السيطرة على الأرض، أو إقامة منطقة عازلة في القطاع، أو تشكيل حكومة إنقاذ فلسطينية بتوافق وطني، بعد أن سُجلت اعتراضات على لجنة الإسناد الوطني.
ومن السيناريوهات المطروحة ما يعرف بـ"الفقاعات الإنسانية"، عبر استخدام شركات أجنبية تزامناً مع الهدنة، أو التدخل الإقليمي والدولي، بوجود قوات عربية في محور نتساريم، أو عودة السلطة أو فرض اتفاقات أبراهام، وتكرار العدوان واستمراره وتقسيم قطاع غزة.
وقال الباحث هاني المصري إن الشعب الفلسطيني في وضع الدفاع الاستراتيجي، وإن حرب الإبادة في قطاع غزة لم تحسم بعد، وهي ما زالت مستمرة بأشكال مختلفة، مع استمرار الانقسام الفلسطيني الذي تعمق. وأضاف أن الأولوية "الآن ضمان وقف الحرب وعودة النازحين وإعادة الإعمار". وفي حين اعتبر في تقييم أولي أن العملية التي نفذتها المقاومة في السابع من أكتوبر/ تشرين الأول 2023 كانت قبل أوانها، قال إن نتائجها غيّرت وجه الشرق الأوسط، مشيراً إلى أن "الاحتلال لن يكون قادراً على كسر إرادة المقاومة بعد طوفان الاقصى، وأن القضية الفلسطينية فرضت نفسها على أجندة العالم، لكن دون أفق سياسي"، محذراً من التطبيع العربي دون حل القضية الفلسطينية.
وأشار إلى أن إسرائيل لم توافق على تحديد سيناريوهات اليوم التالي للحرب لوجود خلافات داخلية وخلافات إسرائيلية أميركية، وأخرى في الدول العربية، وقال إن تصريح ترامب بتهجير الشعب الفلسطيني يفترض أن يفشله الشعب الفلسطيني. وكشف المصري عن مشروع أميركي قبل 7 أكتوبر/ تشرين الأول، تقوم بموجبه واشنطن باستئجار منطقة سيناء، لمدة 99 سنة، لتوطين الفلسطينيين، مشيراً إلى أنها "مخططات حاولت الإدارات الأميركية السابقة تطبيقها"، محذراً في الوقت ذاته من استخدام قضية الإعمار والإغاثة لتحقيق الأهداف التي لم تتحقق.
وأضاف أن مشروع لجنة الإسناد الوطني هو مشروع أميركي جوهره رفض حكم حماس لقطاع غزة، ورفض حكم السلطة الفلسطينية أيضاً، مؤكداً أن إنهاء الحرب على غزة يجب أن يرتبط باتفاق مسبق على شكل الحكم فيها، قائلاً: "الأطراف المختلفة اتفقت على وقف الحرب، لكنها اختلفت حول سيناريوهات اليوم التالي، فالسلطة تريد العودة إلى حكم قطاع غزة دون مشاركة حركة حماس، وإسرائيل تريد السيطرة ومنطقة عازلة، والدول العربية تربط عودة السلطة بإدخال إصلاحات فيها". وبحسب ما يقول المصري، فإن استطلاعاً للرأي أظهر أن عودة الحكم العسكري إلى قطاع غزة هو الأكثر ترجيحاً، في حين تتراوح السيناريوهات الأخرى بالاختيار بين السيئ والأسوأ، ودعا حركة حماس إلى تسليم السلطة الفلسطينية مسؤولية قطاع غزة "طالما رفضت لجنة الإسناد".
وحول مستقبل حماس في قطاع غزة، قال الباحث طارق حمود إن "الحرب لم تضع أوزارها بعد، ونعيش ظرفاً متحركاً.. بعد الهدنة التي جرى التوصل إليها قد يظهر اليوم التالي في غزة بشكل مختلف"، مضيفاً أنه "من المبكر الحديث عن اليوم التالي ومستقبل حماس في غزة، لأن الحرب لم تنته"، لافتاً إلى أن "علاقة الإسلاميين في قطاع غزة تمتد إلى 80 عاماً، وقد قدم جزء من الشعب الفلسطيني في قطاع غزة التحية لكتائب القسام خلال عمليات تسليم الأسرى، بالتالي فإن المشهد لم يكتمل بعد"، وأضاف: "لقد استخدمت إسرائيل الذكاء الاصطناعي طيلة الحرب لاستهداف عائلات أعضاء حماس والمتعاطفين معها".
وأشار حمود إلى أن "حماس تريد أن تكون جزءاً من السلطة"، وأن "الأمر عائد للشعب الفلسطيني في قبول ذلك"، مضيفاً "ما زلنا في منتصف الطريق والمتغيرات مستمرة، والحل يكمن في تشكيل حكومة وحدة وطنية، إذ إن المشكلة داخلية وستبقى قائمة حتى لو انتهت الحرب".
