خريطة استثمارية أميركية خليجية: صفقات ضخمة تزيد الترابط الاقتصادي

منذ ٢ ساعات ٩

ترسم جولة الرئيس الأميركي دونالد ترامب في الخليج خريطة استثمارية جديدة تقوم على مشاريع ضخمة تجعل من الترابط الاقتصادي مع الولايات المتحدة الأميركية متشابكاً وطويل الأمد. فقد صرح ترامب في أكثر من مناسبة عن هدفه من توطيد العلاقات مع عدد من الدول الخليجية.

في يناير/ كانون الثاني من عام 2025، أعلن أنه يسعى لاستثمارات بقيمة تريليون دولار من المملكة العربية السعودية، رافعاً المبلغ الذي حدده ولي العهد السعودي محمد بن سلمان في منتدى دافوس الأخير عند 600 مليار دولار. ومن المتوقع أن تدور المشاريع حول قطاعات الطاقة، والدفاع، والبنية التحتية التكنولوجية، خاصة في ما يتعلق بالذكاء الاصطناعي، إضافة إلى اتفاقات محتملة في قطاع الطاقة النووية المدنية، حسبما أورد تقدير نشره موقع معهد واشنطن، مشيراً إلى أن صفقات كهذه تمثل محوراً مهماً ضمن رؤية السعودية 2030.

كذلك، أعلن البيت الأبيض، في مارس/ آذار الماضي، التزام الإمارات بإطار استثماري جديد يمتد لعشر سنوات بقيمة 1.4 تريليون دولار داخل الولايات المتحدة. جاء ذلك عقب لقاء جمع ترامب ومستشار الأمن الوطني الإماراتي الشيخ طحنون بن زايد آل نهيان، في المكتب البيضاوي.

ووفق بلومبيرغ، يأتي الالتزام الاستثماري الضخم للإمارات بينما تسعى إلى شراء رقائق إلكترونية متطورة من شركات مثل "إنفيديا" (Nvidia) لتعزيز مكانتها مركزاً إقليمياً للذكاء الاصطناعي. ويختتم ترامب جولته الخليجية في قطر، حيث تعتزم الدوحة تقديم طائرة بوينغ 747-8 بقيمة 400 مليون دولار كهدية للولايات المتحدة، حيث يستخدمها ترامب حتى نهاية ولايته على أن تنقل لاحقاً إلى مكتبة ترامب الرئاسية.

وقد لفتت الدوحة إلى استثمارات بمليارات الدولارات مع أميركا، ضمنها مشاريع عقارية وصفقة محتملة بقيمة 30 مليار دولار مع بوينغ لشراء 100 طائرة للخطوط الجوية القطرية. وسلطت مراكز الأبحاث الأميركية الضوء على البعد الاقتصادي لجولة ترامب الخليجية، مع اتفاق في تقديراتها على أن هذا البعد يتجاوز مجرد توقيع صفقات ضخمة ليشمل فرصاً واعدة لرواد الأعمال الصغار والمتوسطين في المنطقة، وتشكيل خريطة طريق استثمارية بمواجهة روسيا والصين.

خريطة استثمارية

فالجولة تأتي في سياق سعي ترامب لتعزيز العلاقات الاقتصادية مع دول الخليج، بما يدعم جهود تنويع اقتصاديات دول مجلس التعاون بعيدا عن النفط، من المتوقع أن تثمر عن صفقات استثمارية ضخمة.

وبالنسبة لرواد الأعمال الصغار والمتوسطين، يشير تقرير نشرته منصة Startup Scene المتخصصة في تغطية أخبار ريادة الأعمال والابتكار في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، إلى أن قطاع المؤسسات الصغيرة والمتوسطة في دول الخليج يشهد نمواً متسارعاً، مع توقعات توظيف 22 مليون شخص، وهو ما لا يمكن إغفاله من الحصيلة الاقتصادية لزيارة ترامب.

ويهدف هذا النمو إلى رفع مساهمة هذه المؤسسات في الناتج المحلي من 20% إلى 35% في السعودية، ومن 60 إلى 70% في الإمارات، ما يفتح آفاقاً استثمارية واسعة في قطاعات متنوعة مثل التكنولوجيا، والخدمات المالية، والطاقة المتجددة، والتجارة الإلكترونية، بحسب التقرير ذاته.

وفي هذا الإطار، يشير عميد كلية إدارة الأعمال بالجامعة الأميركية للتكنولوجيا في لبنان، بيار الخوري، لـ "العربي الجديد"، إلى أن زيارة دونالد ترامب إلى الخليج، رغم طابعها الدبلوماسي الظاهري، تحمل خلفيات أعمق تتداخل فيها السياسة بالاقتصاد، فالجولة تأتي في توقيت حساس، إذ يتصاعد التنافس الجيوسياسي بين القوى العالمية، وتزداد الحاجة لدى دول الخليج لتنويع شراكاتها الاستراتيجية وجذب استثمارات نوعية، وهو ما يجعل الزيارة فرصة لتعزيز هذا التوجه.

ويوضح الخوري أن أهداف الزيارة لا تقتصر على صفقات دفاعية أو تأكيد التحالفات التقليدية، بل تمتد إلى محاولة إعادة تعريف النفوذ الأميركي في المنطقة من خلال بوابة الاقتصاد، خاصة بعد أن فقدت واشنطن بعض مكتسباتها السابقة لصالح الصين وروسيا.

ويتوقع الخوري الإعلان عن مشاريع استراتيجية في البنية التحتية والدفاع والطاقة خلال زيارة ترامب، ويرجح أن تشهد الفترة المقبلة زخماً في توقيع مذكرات التفاهم والاستثمارات المشتركة، خصوصاً في مجالات التكنولوجيا المتقدمة التي تخدم التحول الرقمي والسيادة السيبرانية.

مشاريع المدن الذكية

إلى جانب ذلك، يتوقع الخوري أن تفتح الزيارة نافذة جديدة أمام شركات المقاولات الأميركية، حيث يُتوقع أن تشارك بشكل لافت في مشاريع المدن الذكية ومشاريع الربط الإقليمي.

ويؤكد الخوري أن الأهم من قيمة الصفقات الفردية هو المزاج الاستثماري الذي تخلقه مثل هذه الزيارات، فالتأييد الرسمي والتغطية الإعلامية الواسعة يعيدان ضخ الثقة في الأسواق المحلية، ويحفزان القطاعات التي تنتظر شراكات عالمية لدفع مشاريعها إلى الأمام، لافتاً إلى أن رواد الأعمال يعيشون لحظة حساسة يجب أن يستفيدوا منها عبر التمركز حول قطاعات ستكون في صلب الزخم القادم، مثل الطاقة المتجددة، التي أصبحت محوراً استراتيجياً في الرؤى الخليجية لما بعد النفط.

وفي قطاع الأمن السيبراني، يرى الخبير أن الزيارة تُعد رسالة واضحة نحو توسيع التعاون في الدفاع الرقمي، وهو ما سيدفع الحكومات الخليجية إلى زيادة إنفاقها في هذا المجال، ما يتيح فرصاً للشركات المحلية الناشئة للانخراط في سلاسل التوريد كمقاولين من الباطن، أو لتقديم حلول متخصصة في الذكاء الاصطناعي وتحليل البيانات.

كذلك في مجال التكنولوجيا المالية، يلاحظ الخوري أن التركيز سيتزايد على حلول الدفع الإلكتروني والتنظيمات المرنة لجذب الشركات الأميركية العاملة في "Web3"، وهو ما يخلق منافذ جديدة أمام المبتكرين المحليين للتعاون وتطوير حلول مبتكرة. ورغم هذا الزخم الاقتصادي لزيارة ترامب، يلفت الخوري إلى أن المستثمرين الصغار يواجهون تحديات حقيقية، أولها هيمنة الشركات الكبرى على الشراكات الحكومية المباشرة، ما يقلل فرصهم في النفاذ إلى المشاريع الكبيرة، فضلاً عن معاناة بعض الأطر التنظيمية في بعض الدول الخليجية من بطء الإجراءات أو غموض السياسات في مجالات ناشئة مثل العملات الرقمية والتكنولوجيا العميقة.

وهنا يرى الخوري أن الفرص الاستثمارية ليست مرتبطة بالحجم بقدر ارتباطها بالتفكير الذكي، إذ يمكن للمستثمرين الصغار أن يستفيدوا من الشراكة مع جهات محلية قائمة، أو من الانضمام إلى حاضنات الابتكار والمناطق الحرة المتخصصة، التي تمثل مدخلاً عملياً للاستفادة من الموجة الاستثمارية المقبلة.

قراءة المقال بالكامل