"داعش" في سورية: ما أسباب التراجع بعد سقوط الأسد؟

منذ ٢ شهور ٣٦

منذ سقوط نظام الأسد في الثامن من ديسمبر/كانون الأول الماضي، لم تشهد البادية السورية نشاطاً مهماً من قبل تنظيم داعش، ما يعزز الاعتقاد أن النظام البائد كان يستخدم "داعش" في سورية ورقة ابتزاز وتهديداً للمجتمع الدولي، ووسيلة لتصدير صورته كمواجه للإرهاب في المنطقة.

"داعش" في سورية... خلايا مبعثرة

ملأت فصائل سورية منضوية في "جيش سورية الحرة" تتلقى دعماً من التحالف الدولي ضد الإرهاب، الفراغ الذي تركته مليشيات إيرانية كانت تسيطر على مدينة تدمر في قلب البادية والتي هربت من سورية مع سقوط نظام الأسد. ولعبت هذه الخطوة دوراً كبيراً في منع تنظيم داعش من التمدد والتحرك في البادية والسيطرة على مدن وبلدات، فبقيت خلاياه مبعثرة في عدة أماكن في البادية السورية مترامية الأطراف. كما أن التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة والذي يتخذ من منطقة التنف السورية قاعدة له، ضرب أكثر من 75 هدفاً لـ"داعش" في سورية في اليوم الذي فرّ فيه الأسد من البلاد، وهو ما حدّ من قدرة التنظيم على استغلال الأوضاع الطارئة والخروج من أوكاره في البادية بشكل واسع ومنظم. ولم تشهد البادية السورية نشاطاً ملحوظاً للتنظيم ما خلا قيامه بمهاجمة حقل للغاز في محيط مدينة تدمر بعد أيام قليلة من سقوط نظام الأسد. وكانت البادية السورية قبيل سقوط الأسد نطاق عمل ونشاط للجانب الروسي، ولم يسبق لطيران التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة أن شنّ أي عملية فيها، على الرغم من أنه يتمركز في قاعدة التنف التي تتوسط بوادي سورية والعراق والأردن.

ملأت فصائل سورية منضوية في "جيش سورية الحرة" تتلقى دعماً من التحالف الدولي، الفراغ الذي تركته مليشيات إيرانية في البادية

وانكفأ تنظيم "داعش" في سورية منذ أواخر عام 2017 إلى البادية السورية بعد هزيمته في الرقة ولاحقاً في دير الزور، واتخذ منها منطلقاً لعملياته ضد قوات النظام المخلوع والمليشيات الإيرانية مستفيداً من التضاريس الصعبة ومعرفة عناصره تفاصيلها. وتشكّل البادية نحو نصف مساحة سورية، وتتوزع إدارياً على محافظات عدة، هي: دير الزور، الرقة، حلب، حماة، حمص، ريف دمشق، السويداء. ويُعتقد أن للتنظيم نحو ألف مسلح في البادية السورية يتمركزون في الجبال والهضاب ومنها جبل البشري وجبل العمور. وبحسب مصادر إعلامية، شنّ "داعش" في سورية خلال العام الماضي نحو 300 هجوم على المليشيات المدعومة من إيران، وعلى قوات النظام المخلوع، خصوصاً في محيط تدمر وبلدة السخنة. ورأى الباحث السياسي سعد الشارع، في حديث مع "العربي الجديد"، خفوت نشاط "داعش" في سورية والبادية تحديداً دليلاً واضحاً على أن النظام المخلوع "كان يقدم تسهيلات للتنظيم، أو على أقل تقدير لم يكن يمارس ضغطاً عسكرياً عليه".

ومنذ تسلمها مقاليد الأمور في سورية، أرسلت الإدارة الجديدة تطمينات واضحة للمجتمع الدولي أنها ستحارب الإرهاب والتطرف بكل أشكاله، وهو ما سيشكل ضغطاً كبيراً على "داعش" في سورية وخصوصاً في البادية. وسبق لـ"هيئة تحرير الشام" التي تقع في القلب من الإدارة الجديدة في البلاد، أن خاضت قتالاً ضد "داعش" خلال سنوات الثورة.

ويعزو مدير مركز الشرق نيوز، فراس علاوي، في حديث مع "العربي الجديد"، تراجع نشاط التنظيم في سورية بعد سقوط نظام الأسد إلى وجود "تشديد" من الجانب العراقي على الحدود المشتركة مع سورية، مشيراً إلى أن طيران التحالف الدولي نفذ عشرات الهجمات على مواقع التنظيم منذ سقوط نظام الأسد. ولم يستبعد علاوي تنسيق النظام المخلوع مع التنظيم، معرباً عن اعتقاده بأن نظام الأسد المخلوع وإيران "كانا يستخدمان بعض قياديي التنظيم وعناصره لمصلحتهما منذ ظهوره في مسرح الأحداث السورية".

"قسد" تحاول استخدام "داعش" في سورية ورقة ابتزاز سياسي للإدارة الجديدة

"قسد" تفشل بتوظيف التنظيم

في السياق، تراجع نشاط خلايا "داعش" في ريف دير الزور الشرقي الخاضع لـ"قوات سوريا الديمقراطية" (قسد) منذ سقوط نظام الأسد، ولم يقم هذا التنظيم بشنّ عمليات واسعة أو بعمليات اغتيال كما كان يفعل خلال السنوات الماضية. إلا أن قائد "قسد"، مظلوم عبدي، حذّر بعد أيام قليلة من سقوط الأسد، من ظهور نشاط "داعش" في سورية للعلن بعدما كان مخفياً.

وكانت هذه القوات التي أسّسها التحالف الدولي في عام 2015 لمحاربة التنظيم، سيطرت على كامل المساحة التي كانت تحت سيطرة "داعش" في شمال شرقي سورية أو ما بات يُعرف بـ"شرقي الفرات" مطلع عام 2019 حين سيطرت على معقله الأخير وهو بلدة الباغوز بريف دير الزور. ولكن بقيت للتنظيم خلايا في المنطقة ظلّت تمارس نشاطاً متقطعاً ومحدوداً منذ ذلك. وفي مطلع عام 2022 هاجم التنظيم سجن الحسكة المركزي لتحرير سجناء له داخله، إلا أنه لم ينجح بسبب تدخل التحالف الدولي في حينه. ويُعتقد أن "قسد" تستخدم التنظيم وتعظّم من خطره لأسباب سياسية تتعلق بالأوضاع الجديدة في سورية، وسعيها للحصول على مكاسب تحت ذريعة محاربة الإرهاب. واتهم قائد الإدارة السورية الجديدة أحمد الشرع في تصريحات صحافية له قبل أيام، حزب العمال الكردستاني، بأنه يستغل قضية "داعش" في سورية لتحقيق مكاسب خاصة.

ويبدو أن "قسد" تحاول استخدام "داعش" في سورية ورقة ابتزاز سياسي للإدارة الجديدة، خصوصاً أنها تدرك أهمية هذا الملف للولايات المتحدة. وفي هذا الصدد، زعم إداري في هذه القوات قبل أيام في تصريحات لوكالة رويترز أن التنظيم "حاول تنفيذ هجومين على السجون في محاولة لإطلاق سراح أتباعه منذ إطاحة بشار الأسد من السلطة". وأكد أن هذه القوات لن تسلّم سجوناً تحتجز بها منذ سنوات عدة قياديين وعناصر من تنظيم داعش، للإدارة الجديدة في دمشق، لافتاً إلى أن "التشارك مع الحكومة الجديدة لن يكون مقبولاً، حماية السجون مسؤولية التحالف الدولي وقوات سوريا الديمقراطية فقط". ولا توجد أرقام رسمية عن عدد قياديي وعناصر التنظيم المحتجزين لدى "قسد". كما لا توجد معلومات كافية عن عدد السجون وأماكن تموضعها في مناطق سيطرة القوات الكردية، بيد أن المرصد السوري لحقوق الإنسان قدّر في عام 2022 عدد سجناء التنظيم بنحو 12 ألف سجين من السوريين والأجانب.

قراءة المقال بالكامل