استقبل السوريون، ليل الاثنين، خبر دمج قوات سوريا الديمقراطية "قسد" ضمن مؤسسات الدولة، بفرح وآمال كبيرة، ما يعني، في حال تنفيذه، عودة الاكتفاء الذاتي النفطي لسورية، بعد عشر سنوات من الاستيراد، وتبديد العملة الصعبة، كما يرتقب وفرة بالقمح بعد سنين القحط في عهد نظام المخلوع بشار الأسد، وزيادة الموارد عبر الحدود مع العراق وتركيا، وتشغيل ثالث أكبر مطار بالبلاد.
ووقع الرئيس السوري، أحمد الشرع، مع قائد قوات "قسد" مظلوم عبدي، ليل أول من أمس، اتفاقاً قضى بإدماج قوات سوريا الديمقراطية (قسد) ضمن مؤسسات الدولة السورية، والتأكيد على وحدة الأراضي السورية، ورفض التقسيم.
وشمل الاتفاق الذي أكدت مصادر من قسد لـ"العربي الجديد" أنه يحضّر منذ أسبوع، ولكن "جرى تسريع توقيعه لتقديم خبر مريح للسوريين بواقع الأحداث بالساحل، وقطع الطريق على دعاة الانفصال والفتنة"، بنوداً حول دمج جميع المؤسسات في شمال شرق سورية ضمن إدارة الدولة السورية، بما فيها المعابر الحدودية، والمطار، وحقول النفط والغاز.
كما لم تستبعد المصادر، التي رفضت ذكر اسمها، أن يذهب "قريباً" وفد من الحكومة السورية إلى الحسكة بالتنسيق مع قوات سوريا الديمقراطية للاتفاق على خطوات وإجراءات استلام المعابر الحدودية، وحقول النفط والغاز والمطارات، للدمج في مؤسسات الدولة".
ويعلق السوريون آمالهم على اتفاق دمج قوات سوريا الديمقراطية مع مؤسسات الدولة، بما يرسخ وحدة الأراضي السورية ويرفض التقسيم، إذ يأتي الاتفاق في ظل تطلعات لتعزيز التحولات الاقتصادية، خصوصاً أن المناطق الخاضعة لسيطرة "قسد" تحظى بأهمية استراتيجية لاحتوائها على حقول النفط والغاز.
وتعتبر موارد النفط في تلك المناطق محوراً للحياة اليومية، حيث تضم حوالي 1500 مصفاة تقليدية، إلا أنها تعاني من تحديات، كتكرار حوادث استهداف خطوط أنابيب النفط والغاز، ما يعزز دور شاحنات نقل النفط.
95% من الثروات النفطية مع "قسد"
يرى الخبير الاقتصادي، عمار اليوسف، أن حقول النفط الواقعة تحت سيطرة الأكراد تتمتع بإنتاج وفير، وبنية تقنية محدثة، نظراً لاستثمار الولايات المتحدة وتركيا في تطويرها. ويُشار إلى أن ما يقرب من 95% من الثروات النفطية والغازية في سورية تقع ضمن سيطرة "قسد"، حيث كانت هذه الحقول قبل الحرب تنتج كميات ضخمة من النفط والغاز.
وفي تصريح لـ"العربي الجديد" أكد اليوسف أن الاتفاقية الجديدة تعد خطوة إيجابية للاقتصاد السوري، رغم الغموض الذي يكتنف التفاصيل الاقتصادية، فمن المتوقع أن تساهم في تعزيز الإيرادات الحكومية، وتقليص العجز التجاري، إضافة إلى دعم مشاريع إعادة الإعمار، وتطوير البنية التحتية لقطاع الطاقة.
كما يُتوقع أن تفتح الاتفاقية الباب أمام إعادة تأهيل حقول النفط والغاز في مناطق دير الزور والحسكة، وتشجيع الشركات العربية والدولية على الاستثمار في مشاريع البنية التحتية، سواء عبر تحديث الآبار، أو تحسين شبكات النقل والتوزيع.
وأوضح أن هذه الخطوة تعد محورية في ظل الخسائر التي تجاوزت 100 مليار دولار في قطاع النفط بسبب الحرب، ما يجعل استعادتها أولوية قصوى لتخفيف الأزمة الاقتصادية، وتحسين مستوى معيشة المواطنين السوريين، كما تنهي فاتورة الاستيراد، ومصاعب وصول النفط إلى الموانئ السورية.
إنتاج حقول المنطقة الشرقية
تشير خريطة الإنتاج النفطي إلى تراجع ملحوظ في كميات الإنتاج من الحقول السورية مقارنة بفترة ما قبل الحرب. ففي محافظة دير الزور، التي كانت تساهم بنحو ثلث إنتاج النفط السوري بما يقدر بـ130 ألف برميل يومياً، انخفض الإنتاج في الحقول الخاضعة لسيطرة "قسد" إلى حوالي 15 ألف برميل يومياً فقط.
ومن بين أبرز الحقول النفطية في دير الزور، حسب وزارة النفط والثروة المعدنية السورية، حقل العمر النفطي الذي يقع على بعد 10 كيلومترات شرق مدينة الميادين، وكان يُعد من أكبر الحقول النفطية في سورية، إذ بلغ إنتاجه 80 ألف برميل يومياً خلال التسعينيات، إلا أن إنتاجه الحالي لا يتجاوز 20 ألف برميل يومياً. وحقل كونيكو الذي كان مخصصاً سابقاً لإنتاج الغاز الطبيعي بمعدل 13 مليون متر مكعب يومياً، ويقع شرق مدينة دير الزور تحت سيطرة "قسد"، لكنه متوقف عن الإنتاج حالياً.
وحقل الجفرة الذي يقع شرقي دير الزور، وكان إنتاجه محدوداً حتى قبل الحرب، إذ بلغ 2000 برميل يومياً، وتراجع اليوم إلى 1000 برميل، بالإضافة إلى حقول التنك التي تقع في بادية الشعيطات بريف دير الزور الشرقي، وحقل التيم قرب مدينة الموحسن جنوب دير الزور، وحقل الورد الواقع قرب قرية الدوير بريف دير الزور الشرقي.
أما في محافظة الحسكة، فتُعد حقول الرميلان من أبرز المواقع النفطية. تضم هذه الحقول 1322 بئراً نفطية، و25 بئر غاز في حقول السويدية المجاورة، وكان إنتاجها في السابق حوالي 90 ألف برميل يومياً، لكنه تقلص إلى 9 آلاف برميل يومياً فقط. في حين ينتج معمل غاز السويدية 13 ألف أسطوانة غاز يومياً، إضافة إلى 500 ألف متر مكعب من الغاز الذي يغذي محطات توليد الكهرباء.
كما تحتوي الحسكة على حقول الجبسة، التي كان إنتاجها قبل الحرب حوالي 2500 برميل يومياً، وتراجع اليوم إلى 2000 برميل، إلى جانب توقف معمل الغاز فيها.
تعزيز الاقتصاد
رغم أن قطاع النفط السوري يُعتبر صغيراً مقارنة بجيرانه في المنطقة، إلا أنه كان يشكل أهمية كبيرة في دعم الاقتصاد قبل الحرب، حيث ساهم بحوالي 35% من إجمالي الصادرات و20% من إيرادات الحكومة في عام 2010، وفقاً للخبير في شؤون النفط والغاز، المهندس معتز الأيوب.
ويشير الأيوب، في تصريح لـ"العربي الجديد"، إلى أن الاحتياطي النفطي السوري يُقدّر بـ2.5 مليار برميل، ويتركز بشكل رئيسي في مناطق شرق وشمال شرق البلاد، بينما يُقدر احتياطي الغاز الطبيعي بـ241 مليار متر مكعب، متمركزاً في المناطق الوسطى.
وتسيطر "قسد" حالياً على الجزء الأكبر من الحقول النفطية في الحسكة، بينما يتركز اهتمام الولايات المتحدة على تأمين الحقول الغنية في دير الزور، مما يمنح "قسد" نفوذاً اقتصادياً وسياسياً واسعاً، وهذا الوضع يفرض تحديات أمام الاقتصاد السوري، الذي يعتمد بشكل كبير على استعادة هذه الموارد بحسب الاتفاقية الموقعة، وفقاً للخبير النفطي.
ويرى الأيوب أن إعادة تأهيل الحقول النفطية والغازية، التي تضررت بسبب الحرب، يمكن أن تكون نقطة انطلاق نحو تحقيق انتعاش اقتصادي. إذ إن استعادة السيطرة على هذه الموارد الحيوية قد تساهم في تخفيف حدة الأزمات المعيشية، وتعزز الاستقرار الاقتصادي الذي تنشده البلاد بشدة.
القضاء على مخاوف التقسيم
من جانبه، يصف الباحث السوري، المنحدر من محافظة الحسكة التي تسيطر عليها "قسد"، سامر الأحمد، الاتفاق بأنه جيد ومقبول بالنسبة للسكان هناك، إذ إنه يقضي على جميع مخاوف التقسيم والفيدرالية، كما يمنع منح أي خصوصية حزبية، إضافة إلى ذلك، فإنه يمنح المكوّن الكردي حقوقاً دستورية كان ينتظرها منذ عقود، ويبعث الأمل لسكان الجزيرة بإنهاء مرحلة من التهميش والظلم التي فرضتها سلطات الأمر الواقع خلال الفترات الماضية.
ويضيف الأحمد لـ"العربي الجديد" أن الاتفاق تضمّن عودة الدولة السورية إلى المحافظات الشرقية، وسيطرتها على حقول النفط والغاز التي تشكّل 90% من ثروات سورية النفطية، إضافة إلى استعادة سد الفرات بما يحمله من قيمة اقتصادية كبيرة، كما يشمل الاتفاق عودة مساحات زراعية واسعة إلى سيطرة الدولة، والتي تنتج سنوياً نحو مليوني طن من القمح.
كما يتيح الاتفاق للدولة السورية استعادة السيطرة على معبر اليعربية مع العراق، ومعبر نصيبين-القامشلي مع تركيا، إضافة إلى استعادة السيطرة على مطار القامشلي، وهو ثالث أهم مطارات البلاد بعد مطاري دمشق وحلب. وكل هذه العوامل تمنح دفعة اقتصادية مهمة لخزينة الدولة، وتساهم في حل جزء كبير من أزمة الكهرباء والوقود والغذاء في سورية.
يقول المهندس النفطي، أحمد عبود، إنه ليس من السهولة توصيف واقع النفط والغاز بمناطق "قسد " بدقة، لأن "الواقع مشوّش"، خاصة بعد تخريب أغلب الآبار وتلوث التربة، ما يعني أن الأمر يحتاج لدراسة على أرض الواقع من خلال شركات تعمل على تطوير ودراسة مدى وجود مخزونات جديدة، ولكن، يستدرك خلال حديث لـ"العربي الجديد": بكل الأحوال "عادت سلة سورية الاقتصادية"، وننتظر تفاصيل التطبيق ومدته التي يقال إنها قد تمتد لنهاية العام الجاري.
هكذا سيطرت "قسد"
بعد أن كانت جميع مواقع وآبار النفط والغاز، تتبع للدولة السورية، تبدلت خريطة السيطرة مرات عدة، منذ اندلاع الثورة السورية في مارس/ آذار عام 2011، إذ سيطر الثوار على مناطق إنتاج النفط، بعد انسحاب قوات بشار الأسد عام 2012 من مناطق شمال شرق سورية، ليسيطر تنظيم الدولة "داعش" أواسط عام 2013 على مناطق إنتاج الطاقة، وليتقاسم لاحقاً السيطرة والإنتاج، مع "المليشيات الكردية" حتى سبتمبر/ أيلول عام 2017 عندما سيطرت قوات سوريا الديمقراطية على مدن الحسكة والرقة بالكامل وشرقي دير الزور، التي تضم أكبر 11 حقلاً للنفط في سورية.
وتابعت "قسد"، مدعومة من الولايات المتحدة، السيطرة على معمل غاز "كونيكو"، أكبر مؤسسة لإنتاج الغاز الطبيعي في ريف دير الزور الشمالي الشرقي، والسيطرة على حقل "الجفرة" النفطي، ومن ثم، نهاية عام 2017، على حقل "العمر"، أكبر حقل في سورية وبعده على حقول أخرى.
ولم يبق خارج سيطرة "قسد" سوى حقل الشاعر للنفط، وحقل جحر للغاز الطبيعي في دير الزور، وعدد من الحقول الصغيرة غرب الفرات.
خزان سورية الزراعي
ترى المهندسة الزراعية، بتول الأحمد، أن مناطق شمال شرق سورية "الحسكة والرقة ودير الزور"، هي خزان سورية الزراعي المهمل، قبل الثورة وخلالها، ورغم الإهمال وعدم دعم هذا القطاع، بالتمويل والتسعير والبذور والمبيدات، كان الرافد الأهم للبلاد، سواء من منتجات الحبوب "قمح، شعير، عدس" أو المنتجات الحيوانية من أغنام وأبقار ودواجن.
وتضيف المهندسة السورية لـ"العربي الجديد" أن البهجة التي عمت جميع السوريين، بعد الاتفاق، تعود لأسباب كثيرة، منها اجتماعية وسياسية، ووقف لاحتمالات التقسيم والحرب، ولكن من الناحية الاقتصادية، يأتي الاتفاق نقلة ومرحلة جديدة لسورية، متوقعة عودة الوفرة بالإنتاج الزراعي، وزيادة إنتاج القمح لأكثر من 3 ملايين طن خلال العامين المقبلين، وربما يعود كما كان بعقد التسعينيات إلى أكثر من 4.5 ملايين طن، إن لاقى الفلاحون الدعم والتشجيع والأهم ترشيد الزراعة.
بدوره، يصف الاقتصادي السوري، عماد الدين المصبح، مدن شمال شرقي سورية بـ"رئة سورية" التي تتنفس منها طاقة وماء وغذاء، وبعودتها بعد الاتفاق، سنكون أمام واقع اقتصادي مختلف، على صعيد الزراعة والطاقة والصناعة، وحتى جذب الاستثمارات.
وحول التبدلات السريعة على الاقتصاد السوري، فيقول المصبح إن انتعاش سعر الليرة "نفسي وغير دائم"، لأنه لا يستند إلى مقومات حقيقية، ولكن بعد استعادة النفط والغاز ومحطات توليد الكهرباء، سيتحسن سعر الصرف بشكل حقيقي، كما سنرى انخفاضاً بأسعار العديد من السلع والمنتجات، بحكم تراجع تكاليف الإنتاج، وتوفر الطاقة، والمواد الأولية.
ويرى المصبح خلال حديثه لـ"العربي الجديد" أن أولوية نهضة سورية بقطاع الزراعة، نظراً لتنوع المناخ والإنتاج الزراعي، خاصة بالمنطقة الشرقية.
الصناعة والاستثمار في سورية
يقول أمين سر غرفة صناعة إدلب السابق ورجل الأعمال السوري، محمد نبيه السيد علي، إن عودة شمال شرق سورية للدولة، تعني عودة الطاقة التي تعتبر أول وأهم مطالب الصناعة وشروط الاستثمار، وعودة المنطقة تعني أيضاً الاستقرار واستبعاد التوتر، وهذا أيضاً أهم شروط الاستثمار، ونتمنى تطبيق الاتفاق على الأرض سريعاً.
ويضيف أمين سر غرفة صناعة إدلب السابق لـ"العربي الجديد" أن من أهم أسرار الاتفاق توقيته، إذ جاء سحباً لتوقعات التوتر، وقطعاً للطريق على التدخل الخارجي، وربما الإملاءات والعقوبات، فضلاً عن احتمال تسريع رفع العقوبات الأميركية والأوروبية، وفي ذلك تتمة للمناخ الاستثماري السوري، مشيراً إلى الطاقة البشرية "الهائلة" بمدن شمال شرق سورية، والتي يصفها بالمعطلة خلال عشر سنوات، خاصة بمجال الزراعة والصناعات الزراعية.
ويختم علي بأن ارتفاع تكاليف الإنتاج بسبب قلة حوامل الطاقة وارتفاع سعرها، كان أهم أسباب تراجع الإنتاج الصناعي وخسارته القدرة التنافسية.
وذكر أن القطاع الصناعي عانى من خسائر وهجرة المنشآت والرساميل خلال الحرب التي أعلنها النظام المخلوع على حلم السوريين، قبل أن ينالوا الاستقلال في الثامن من ديسمبر/ كانون الأول الماضي، مشيراً إلى أن خسائر القطاع الصناعي بلغت نحو 80 مليار دولار من الحرب.
