دول جنوب شرقي آسيا أمام مفترق طرق بين بكين وواشنطن

منذ ٤ ساعات ١٤

تجد دول جنوب شرقي آسيا نفسها أمام خيارات محدودة في ظل حالة الاستقطاب السائدة في المنطقة بين الصين والولايات المتحدة. وحسب جلسة استماع للجنة استشارية (لجنة التجارة الأميركية الصينية) عقدت الخميس الماضي في الكونغرس الأميركي، فإن دول جنوب شرقي آسيا اعترفت بأنه قد لا يكون لديها خيار سوى الانحياز إلى أحد الطرفين في التنافس الصيني الأميركي، على الأقل في قطاعات معينة، حتى في الوقت الذي تسعى فيه إلى تجنّب هذه المعضلة. وحثت لجنة مراجعة العلاقات الاقتصادية والأمنية بين الولايات المتحدة والصين، واشنطن على تبنّي نهج أكثر شمولية تجاه المنطقة، وتشكيل خياراتها قبل أن تفعل بكين ذلك وتتجاوز النفوذ الاقتصادي والدبلوماسي الأميركي في المنطقة بشكل كامل. واعتبرت أن على هذا الأساس، ينبغي للولايات المتحدة أن تنظر إلى المنافسة في المنطقة من خلال التركيز على المناطق المتأرجحة، ويشير ذلك إلى الدول التي تمتلك نفوذاً ولكنها ليست متحالفة بشكل ثابت مع الولايات المتحدة أو الصين. أيضاً أوصت اللجنة أن تواصل الولايات المتحدة تخصيص أموال كافية لدعم التحديث طويل الأمد للقوات المسلحة الفيليبينية، وأن تعيد واشنطن النظر في مسألة التصديق على اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار التي لم يُجرَ نقاش جاد حول التصديق عليها منذ عام 2012، وذلك للحد من النفوذ الصيني في المنطقة والانضمام إلى الجهود الدولية لوقف الأنشطة الصينية في بحر الصين الجنوبي.


وانغ خه: تتجنب معظم دول المنطقة الانحياز الكامل لواشنطن

أفضيلة صينية

من جانبها، ذكرت وسائل إعلام صينية في تعليقها على ذلك أن نهج دول جنوب شرقي آسيا المتأرجح، كما اقترحه مسؤولون أميركيون كبار سابقون مثل جون فينر، نائب مستشار الأمن القومي للرئيس الأميركي السابق جو بايدن، من شأنه أن يعطي الأولوية لتعزيز العلاقات مع القوى الإقليمية الثقيلة في المنطقة مثل إندونيسيا، وأن على الصين أن تكون مستعدة لكل المخططات الأميركية. يشار إلى أن لجنة التجارة الأميركية الصينية هي لجنة استشارية مستقلة أنشأها الكونغرس الأميركي في أكتوبر/تشرين الأول 2000 لتقديم التقارير إلى أعضاء الكونغرس، حول تأثير العلاقات الاقتصادية والتجارية بين الولايات المتحدة والصين على الأمن القومي. وأكدت الجلسة التي عقدت الخميس الماضي، أن النفوذ المتزايد للصين في جنوب شرق آسيا يشكل تحديا للمصالح الاستراتيجية للولايات المتحدة.

وعن ذلك، قال الباحث في معهد الجنوب للدراسات الدولية الصيني، وانغ خه، في حديث لـ"العربي الجديد"، إن الصين تمتلك أفضلية في التأثير على دول جنوب شرقي آسيا مقارنة بالولايات المتحدة، نظراً لسياساتها المتوازنة. وأضاف أن سياسة دونالد ترامب الانتهازية في التعامل مع الحلفاء خلقت حالة من الشك وعدم اليقين، لذلك تتجنب معظم دول المنطقة الانحياز الكامل لواشنطن التي تنتهج سياسة معادية للقوة الأكثر تأثيراً في شرق وجنوب آسيا (الصين). ولفت وانغ إلى أنه على الرغم من أن بعض دول المنطقة مثل فيتنام لديها نزاعات بحرية مع الصين، فإنها لم تتخذ موقفاً معادياً ضد بكين، وتربطها علاقات وطيدة معها، في حين أن التغييرات التي طرأت على السياسة الخارجية الأميركية منذ عودة ترامب إلى السلطة مطلع العام الحالي، أثارت حالة من القلق بشأن التزام الإدارة الأميركية بدعم الحلفاء. وتابع: لذلك تكسب الصين ميزة تنافسية وتصبح أكثر جاذبية، في مقابل معايير أميركية مزدوجة وعلاقات قائمة على المصلحة الخاصة والأنانية المفرطة التي يعبر عنها شعار الرئيس دونالد ترامب "أميركا أولاً". وأضاف وانغ خه أن حضور الصين في محيطها أكثر رسوخاً، في حين أن الاهتمام الأميركي بالمنطقة تراجع مع الانشغال بالأزمة الأوكرانية، والتورط في قضايا الشرق الأوسط. ولفت إلى أن الحديث عن ضرورة استمالة دول جنوب شرق آسيا ليس وليد اللحظة، لأن إدارة بايدن السابقة عملت على ذلك باتّباع سياسة الإكراه، وأعربت آنذاك دول رابطة دول جنوب شرق آسيا عن عدم رغبتها في الانحياز إلى أي من الطرفين.


لونغ يوان: يصعب على دول جنوب شرق آسيا أن تظل بمنأى عن حالة الاستقطاب

حياد دول جنوب شرق آسيا

في المقابل، رأى الأستاذ في جامعة تايبيه الوطنية (تايوان) لونغ يوان، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن دول جنوب شرقي آسيا حافظت منذ فترة طويلة على هامش من الحياد في التعامل مع حالة الاستقطاب العامة بين الصين والولايات المتحدة، وبذلت الكثير من الجهد لعدم الوقوع في هذه الدوامة والتعامل مع القوى الكبرى من دون تحيز. وأضاف: على الرغم من الضغوط التي مارستها واشنطن على دول المنطقة، ظلت هذه الدول على موقف ثابت على الأقل في إطار رابطة دول جنوب شرقي آسيا (آسيان). وتابع لونغ أن العديد من هذه الدول لا يروق لها أن تكون أداة أو ورقة في لعبة دولية وإقليمية، وترغب في بناء علاقاتها مع الدول الكبرى على أساس من الاحترام المتبادل والمصالح المشتركة التي تراعي القوانين والقواعد الدولية. لكنه أشار إلى أنه نظراً لقوة تأثير كل من بكين وواشنطن عسكريا واقتصادياً، يصعب على دول جنوب شرق آسيا أن تظل بمنأى عن حالة الاستقطاب. ولفت إلى أن بعض الدول التي تعاني اقتصادياً تجد نفسها مضطرة في بعض الأحيان لتقديم تنازلات واتخاذ قرارات بشأن قضايا محددة، من أجل تحقيق مكاسب خاصة، وهو أمر تستغله بكين جيداً، حسب قوله. يشار إلى أن بكين كررت مراراً أن دول جنوب شرق آسيا هم جيران الصين "الودودون"، وهم شركاء مهمون في البناء المشترك لمبادرة الحزام والطريق، وكانوا دائما في طليعة ممارسة مفهوم مجتمع ذي مصير مشترك للبشرية، وأن الصين مستعدة للعمل مع دول جنوب شرق آسيا والدول المجاورة الأخرى، لتعزيز الوحدة والتعاون والحفاظ على السلام والهدوء وتعزيز الاستقرار في المنطقة والعالم.

قراءة المقال بالكامل