ذكرى الثورة السورية... أمل بمستقبل يعمه السلام والاستقرار

منذ ٢ ساعات ١٦

في ذكرى اندلاع الثورة السورية، ورغم انتصارها وإسقاط نظام الأسد، لا يزال ملايين السوريين بين نازحين ولاجئين، لا يزال عشرات الآلاف من المعتقلين والمغيبين مجهولي المصير.

طوى السوريون العام الرابع عشر على ثورتهم بانتصار انتظروه طويلاً، ودفعوا في سبيله فاتورة ثقيلة، شملت مئات الآلاف من الأرواح التي أزهقت، وفي ذكرى الثورة السورية التي انطلقت شرارتها في 14 مارس/آذار 2011، تظل القضية الأبرز منذ سقوط نظام بشار الأسد هي المغيبين والمختفين قسراً في سجونه، إضافة إلى أزمة النازحين واللاجئين الذين لا يجدون منازل ولا بنية تحتية تشجعهم على العودة.
وتعد قضية المغيبين السوريين في سجون نظام الأسد من الأزمات الإنسانية الكبرى، فمنذ اندلاع الثورة السورية في عام 2011، استخدم النظام المخلوع الاعتقال القسري والإخفاء أداةَ قمع للمعارضة وترهيب للمجتمع. وبحسب تقارير منظمات حقوقية، يُقدر عدد المختفين قسرياً في سورية بعشرات الآلاف، من بينهم ناشطون سياسيون، وصحافيون، وأطفال ونساء.
وحمل يوم 8 ديسمبر/كانون الأول 2024، أملاً جديداً لآلاف السوريين، فمع إعلان سقوط نظام الأسد، عادت إليهم بلادهم، واجتمع الآلاف من المهجرين مع أحبائهم، وأطلق سراح آلاف من المعتقلين بعد أن ظل أمل التحرر ضئيلاً لسنوات، في حين تأكد كثيرون أنهم فقدوا أحباءهم إلى الأبد، وبعضهم اختفوا بلا أي أثر.
في ليلة سقوط بشار الأسد، توجه آلاف السوريين إلى السجون بحصاً عن ذويهم، من بينهم فاطمة حاج أحمد، والتي كانت تبحث عن زوجها المعتقل منذ عام 2012. وهي تروي قصتها التي تشبه حال كثير من عائلات المغيبين خلال سنوات الثورة، قائلة: "اعتقل زوجي خلال تظاهرة في اللاذقية، وتوجهت إلى فرع الأمن الجوي، لكنهم لم يدخلوني، ودفعت أموالاً لضباط، وعلمت منهم أن زوجي تم تحويله إلى دمشق. أركض طوال سنوات خلف الأمل رغم عدم معرفتي بمكان زوجي، وبعد انتصار الثورة، لم يعد زوجي، ولم يخرج من أي سجن، ولا زلت أنتظر معرفة مكانه، أو مكان دفنه، علّي أستطيع أخذ أولادي إلى قبره يوماً".

قضية المغيبين في سجون نظام الأسد أحد الأزمات الإنسانية الكبرى

ووثقت منظمات حقوقية مثل العفو الدولية والشبكة السورية لحقوق الإنسان، حالات لا حصر لها من الإخفاء القسري التي أدت إلى وفاة العديد من المعتقلين بسبب سوء المعاملة والتعذيب وظروف الاحتجاز غير الإنسانية. يقول رئيس الشبكة السورية لحقوق الإنسان، فضل عبد الغني: "تجاوز عدد المعتقلين والمختفين قسراً في سورية بعد إفراغ السجون 112 ألفاً، بينما عدد المفرج عنهم وصل إلى 24 ألفاً و200 شخص، ونقدر أن هناك 136 ألف معتقل ومختفٍ قسرياً، وغالب الظن أن كثيرين منهم قتلوا في سجون الأسد".
ويقول المحامي السوري أحمد سويدان، وهو أحد الناشطين في مجال التواصل مع عائلات المعتقلين والمغيبين قسرياً، إن "مأساة المعتقلين شكلت جرحاً عميقاً في قلب المجتمع السوري، ومع انتصار الثورة كان البعض متمسكاً بالأمل، لكنه تلاشى مع إفراغ السجون وعدم عودة الآلاف إلى منازلهم". ويضيف لـ"العربي الجديد": "بعد سقوط النظام بدأت تتكشف المزيد من المآسي مع العثور على عشرات المقابر الجماعية بالقرب من الثكنات العسكرية وفي مواقع أخرى. لن نجد الراحة إلا بعد تطبيق العدالة الانتقالية، ورؤية من عذبوا وقتلوا هؤلاء الأبرياء ينالون جزاءهم".
وشهد سجن صيدنايا، الذي يُوصف بـ"المسلخ البشري"، عمليات إعدام جماعية وتعذيب وحشي أدت إلى مقتل آلاف المعتقلين طوال سنوات الثورة السورية، إضافة إلى مراكز الاعتقال غير المعروفة التي تم احتجاز الأشخاص فيها من دون أي سجل رسمي، ما يجعل تعقب مصيرهم شبه مستحيل.

أمضى زياد عبد العال 7 سنوات في معتقلات النظام المخلوع، وتنقل بين أفرع أمنية عديدة، في ظل تعذيب ممنهج ومعاملة غير إنسانية، وكان الموت بمثابة مصير محتوم ينتظره مثل بقية المعتقلين. يقول لـ"العربي الجديد": "لم يكن هناك محاكمات. كانوا يأخذون الاعترافات بالتعذيب، والحراس يفرضون عقوبات قاسية حسب أهوائهم، وكل يوم يموت 4 أو 5 سجناء، حتى أصبح الموت ظاهرة معتادة، وكنت أنتظر موتي في كل يوم".
ويتحدث عبد العال عن أساليب تعذيب وحشية، من بينها تعليق المعتقلين من أقدامهم للأعلى ورؤوسهم للأسفل لساعات، مع الضرب بالعصي والكابلات الكهربائية، والتعذيب بالأنبوب الذي يتم إدخاله من الفم حتى يصل إلى المعدة، والتعذيب بالكهرباء وغيرها لانتزاع اعترافات من المعتقلين. يضيف: "حياة الإنسان لم تكن تساوي شيئا في هذه المعتقلات، حيث يتم تجميع الجثث يومياً في ممرات السجن لنقلها إلى الخارج ودفنها، ومن خرج من هذه السجون حياً فكأنما ولد من جديد".
إلى جانب قضية المعتقلين والمغيبين، تظل مشكلة النازحين السوريين واحدة من أبرز القضايا العالقة، وتشهد العديد من القرى والمدن السورية منذ انتصار الثورة ودحر نظام حزب البعث الاستبدادي عودة تدريجية للنازحين واللاجئين الذين فروا من ويلات الحرب، حاملين معهم أحلام إعادة بناء حياتهم ومستقبل أطفالهم.

وفي ذكرى الثورة السورية، تبقى قصص العائدين شهادة على صمود الشعب السوري وقدرته على مواجهة التحديات، فبعد سنوات من الحرب والمعاناة، يبدأ فصل جديد من الحياة، حيث التصميم على إعادة بناء ما دمرته الحرب، والأمل في مستقبل يحمل في طياته فرصاً جديدة للسلام والاستقرار.
لطالما كانت العودة حلماً يراود كل لاجئ ونازح سوري، ففي مخيمات النزوح وفي دول اللجوء، كان السوريون يتذكرون ديارهم، حيث الذكريات والأحباب، لكن الواقع الذي يواجه العائدين يختلف كثيراً عن أحلامهم، فالكثير من المدن والقرى تعاني من دمار هائل، وعشرات آلاف المنازل مدمرة، والبنية التحتية متهالكة، والخدمات الأساسية شبه معدومة.

في قرية معرشمارين في ريف إدلب الشرقي، تجلس حياة الرحال (45 سنة) على أنقاض منزلها المدمر بعد أن قضت أكثر من خمس سنوات في مخيمات النزوح بشمالي سورية. قررت الرحال العودة إلى قريتها رغم عدم قدرتها على إعادة إعمار منزلها الذي هدمه عناصر النظام البائد بعد أن سرقوا مقتنياته، حتى حديد الأسقف، وتقول: "لم يكن لدينا خيار آخر، فالحياة في المخيمات أصبحت لا تطاق. هنا، على الأقل، لدينا أرضنا وذكرياتنا. سأعيد زراعة أرضنا بأنواع الأشجار المثمرة بعد أن اقتطعت أو أحرقت من قبل عصابات الأسد، لكني أخشى من الألغام المنتشرة في القرية، وأحاول الحذر مع عائلتي قدر الإمكان أثناء تنقلاتنا، وريثما نتمكن من إعادة إعمار المنزل وضعنا خيمة نعيش فيها أمام المنزل".
عادت مئات العائلات إلى قرى إدلب وريفها، غير أن العودة ليست سهلة، فالكثير من القرى تعاني من نقص الخدمات الأساسية، مثل الكهرباء والمياه، ولا وجود للمدارس أو الخدمات الطبية، فضلاً عن انتشار الألغام والمخلفات الحربية.

يعمل الأربعيني محمد عبد الكريم، وهو أب لخمسة أطفال، على تنظيف منزله الكائن في ريف حماة الشمالي من الركام، وإعادة بناء ما دمرته الغارات الجوية قبل سنوات، ويقول: "نعتمد على أنفسنا، فالحكومة لا تساعدنا، لكننا لن ننتظر، فلدينا أطفال من حقهم أن يعيشوا حياة أفضل".

وعبر الحدود التركية، يعود آلاف اللاجئين الذين قضوا سنوات في المهجرة، حاملين معهم قصصاً مليئة بالحنين إلى الوطن. عاد أحمد السلمان (32 سنة) مع عائلته إلى مدينة حلب بعد ثماني سنوات قضاها في تركيا، ويقول: "كانت العودة قراراً صعباً، لكننا لم نعد نحتمل الغربة. رغم كل الصعوبات وقلة فرص العمل والبنية التحتية المتهالكة، نشعر أننا نعيش بكرامة في بلدنا، ولا أحد ينعتنا باللاجئين أو يتنمر علينا".
ورغم التحديات، هناك جهود محلية لإعادة إعمار المناطق المتضررة، وتعمل منظمات محلية على إعادة تأهيل المدارس والمستشفيات، بينما تقوم بعض العائلات بإعادة بناء منازلها بمساعدة من أقاربها في الخارج.
عادت فاطمة الحلو (28 سنة) مع أطفالها الثلاثة إلى دمشق بعد سنوات من النزوح إلى لبنان، وبدأت العمل في مشغل خياطة صغير لتدبير أمور عائلتها. تقول: "نعلم أن الأوضاع صعبة، لكن الحنين للوطن كان أقوى من كل شيء. نؤمن أن المستقبل سيكون أفضل، فالأمل هو كل ما نملكه. العودة إلى سورية ليست مجرد عودة إلى الأرض، بل هي عودة إلى الذات والهوية".

قراءة المقال بالكامل