كان احتفال السوريين، يوم أمس السبت، بذكرى انطلاق الثورة السورية مختلفاً عن كل السنوات السابقة، بكل المعايير، خصوصاً في دمشق التي كانت تدار منها حرب الإبادة ضد السوريين. وعلى الرغم من كل التحديات التي تواجه الدولة الوليدة على أنقاض الخراب الذي خلّفه نظام بشار الأسد، إلا أن شكل الاحتفالية في دمشق كان مختلفاً عن أي احتفال، فساحة الأمويين شهدت للمرة الأولى احتفالاً مزدوجاً، بإحياء ذكرى الثورة، وبانتصارها، فيما المحتفلون كانوا يحتفلون للمرة الأولى والدموع تنهمر على خدودهم، عيونهم شاخصة إلى السماء وهم يراقبون الطائرات المروحية، حاملة علم ثورتهم، لتمطرهم وتمطر أحياء دمشق بالورود وقصاصات الورق، بعدما كانت تلقي عليهم البراميل المتفجرة طيلة سنوات الثورة السابقة. كان معظم السوريين، يبكون فرحاً تأثراً بالمشهد الفريد وغير المسبوق، الذي أشعرهم بأنهم بدأوا يجنون ثمار التضحيات التي قدّموها في سبيل ثورتهم، والتي حوّلت طائرات الرعب التي كانت ترتكب المجازر بحقهم إلى قاذفات ورود، تشاركهم احتفالاتهم بالخلاص من الطاغية.
كان الاحتفال بذكرى الثورة مختلفاً، بدءاً بالمروحيات نفسها التي كان سماع صوتها في الأجواء يعني بالنسبة للسكان أن بيتاً ما سيُدمر وأن عائلة أو أكثر ستُقتل، كما أن اختلاف احتفالية هذا العام تجلى بمشاركة سوريين للمرة الأولى بذكرى الثورة دون أن يكونوا يستطيعون لفظ اسمها طيلة السنوات السابقة. كانت احتفالات هذا العام هي احتفالات حصد الثمار بعد أن كانت ذكرى لإحصاء الضحايا، من قتلى، ومعتقلين، ومهجرين ونازحين، ولاجئين.
لم ينسَ السوريون التحديات التي تواجههم في مرحلة ما بعد إسقاط النظام، من أجل الانتقال إلى دولة تحقق لهم أهداف ثورتهم التي خرجوا من أجلها على جميع المستويات والتي يأتي في مقدمتها منع إنتاج استبداد جديد، مع الحفاظ على وحدة الأراضي السورية، وتشكيل جيش وطني مهمته الدفاع عن حدود البلاد من التهديدات الخارجية، وعدم استخدامه مستقبلاً لقمع المواطنين، طبعاً هذا بالإضافة إلى سبل تأمين حياة كريمة للمواطنين الذين وصل معظمهم إلى مرحلة العوز. ولكن على الرغم من كل التحديات التي تنتظر السوريين، فإنّ هذه الاحتفالية أشعرتهم بأنهم بالفعل قد تخلصوا من الأسوأ، وأن كل ما سيأتي في المستقبل أصبح من السهل تصحيحه، أو حتى تغييره.
