رحيل الفتحاوي محمد الحوراني.. مسيرة طويلة من العمل التنظيمي والسياسي

منذ ٣ أيام ١٣

توفي، أمس الثلاثاء، عضو المجلس الثوري لحركة فتح، محمد الحوراني عن عمر ناهز 67 عاماً، إثر صراعٍ مع مرض عضال، وشيعت حركة فتح والقيادة الفلسطينية جثمانه من مقرّ المقاطعة، في مدينة رام الله وسط الضفة الغربية اليوم الأربعاء. ونعى الرئيس محمود عباس، محمد الحوراني واصفاً إياه بـ"المناضل الوطني الذي عمل قيادياً في صفوف الثورة الفلسطينية وحركة فتح، وفي كافة مجالات العمل الوطني والنضالي، وهو الذي أفنى حياته في الدفاع عن حقوق شعبه ووطنه على طريق الحرية والاستقلال".

كما نعى المجلس الثوري لحركة فتح القيادي محمد الحوراني، مشيداً بمسيرته النضالية، حيث قال في بيان "كان قائداً ميدانياً في الانتفاضة الأولى، ومناضلاً صلباً دمث الأخلاق، أحبه الجميع، وكان له حضور تنظيمي وسياسي وإعلامي مميز، كما كان مدافعاً عن الثوابت الوطنية ومحاوراً مقنعاً في كافة المواقع".

محطات في حياة محمد الحوراني

وُلِد محمد الحوراني في الخليل عام 1957، وهو ينحدر من عائلة لاجئة من قرية المسمية، قضاء غزة، الأمر الذي جعله شديد الاهتمام بقضايا اللاجئين وحقوقهم، وانعكس ذلك في مواقفه السياسية المدافعة عن حق العودة. التحق بحركة فتح في وقت مبكر، حيث ساهم في تأسيس الحركة الطلابية في الساحة الأوروبية خلال دراسته في بلغاريا في سبعينيات القرن الماضي. 

عاد الحوراني إلى الأراضي المحتلة قبل إكمال دراسة الطب عام 1986، ونشط في العمل التنظيمي داخل حركة فتح، قبل أن يتعرض لعدة اعتقالات في سجون الاحتلال الإسرائيلي إبان الانتفاضة الأولى التي انطلقت عام 1987، حيث كان من قيادات فتح داخل الحركة الأسيرة.

قضى الحوراني قرابة خمس سنوات بشكل متقطع في سجون الاحتلال، وكانت تجربة اعتقاله محطة فارقة في صقل شخصيته الفكرية والسياسية، إذ أصبح مرجعاً لأسرى حركة فتح، خاصة خلال اعتقاله في سجن النقب عام 1989، ولاحقاً، ساهم في تأسيس اللجنة الحركية العليا لحركة فتح، التي كان يرأسها الأسير مروان البرغوثي، وكان عضواً فيها.

برز دور الحوراني في العمل التنظيمي السري قبل الانتفاضة الأولى، كما لعب دوراً محورياً في بناء الهيكل التنظيمي لحركة فتح جنوب الضفة الغربية وتعزيز التأطير السياسي داخلها، وامتدت علاقاته التنظيمية إلى قطاع غزة، وكان مرجعاً لكوادر الحركة هناك في مراحل معينة.

كان محمد الحوراني ضمن الإطار القيادي الموحد للانتفاضة الأولى على مستوى الضفة الغربية، وبين عامي 1990 و1996، كان عضو قيادة حركة فتح – شعبة جنوب الضفة، ثم أصبح لاحقًا عضو اللجنة اللوائية للحركة في الخليل، التي كانت لجنة قيادية عليا آنذاك، وعضو اللجنة الحركية العليا على مستوى الضفة، كما تولى مسؤولية ملف العمل الطلابي في حركة فتح حتى عام 1996.

في انتخابات 1996، فاز الحوراني بعضوية المجلس التشريعي عن دائرة محافظة الخليل بعد حصوله على 23,034 صوتاً، وساهم من خلال موقعه في صياغة النظام السياسي الفلسطيني. كما لعب دوراً أساسياً في تشكيل مؤسسات وطنية وثقافية وتنموية في مدينة الخليل.

شارك الحوراني في مفاوضات "طابا – إيلات 1996"، المتعلقة بملف بروتوكول الخليل، لكنه انسحب لاحقاً مع وفد من شخصيات سياسية من الخليل، احتجاجاً على ما اعتبروه حينها تراجعاً في سقف مطالب المفاوض الفلسطيني، بشكل ينتقص من الحقوق الفلسطينية في المدينة.

وفي السلك الدبلوماسي، عُين الحوراني سفيراً لفلسطين في الجزائر بين عامي 2008 و2010، لكنه طلب إعفاءه من المنصب، معتبراً أن دوره يتجاوز الإطار الدبلوماسي الرسمي. عاد الحوراني إلى رام الله وواصل نشاطه في متابعة ملف الوحدة الوطنية، حيث شارك عام 2010 في مبادرة لكسر الجمود السياسي بين حركتي فتح وحماس، في أوج الانقسام الفلسطيني. التقى، برفقة سرحان دويكات وأحمد غنيم وقدورة فارس، مع قيادة حركة حماس في الدوحة، وطرحوا مبادرة لتوحيد الصف الوطني وإنهاء الانقسام، ورغم الترحيب الذي لاقته المبادرة من الحركتين، لكنها لم تُترجم إلى خطوات عملية.

في عام 2011، أصبح الحوراني نائب رئيس المجلس الاستشاري لحركة فتح، وهو الإطار القيادي الذي أُسس بعد عام 2009، ثم فاز في انتخابات المجلس الثوري للحركة عام 2016.

برز الحوراني في وسائل الإعلام العربية بصفته قيادياً بارزاً في حركة فتح، حيث ركزت مقابلاته الإعلامية على ملفات العلاقات الوطنية ومواجهة الاحتلال الإسرائيلي وانتهاكاته، كما كان من القيادات الفتحاوية التي أعلنت صراحةً معارضتها لعملية "طوفان الأقصى"، التي أطلقتها حركة حماس في 7 أكتوبر 2023. وقد برر موقفه المعارض للعملية بأنه ينتمي إلى "المدرسة الواقعية السياسية، التي تقوم على التعامل مع الواقع كما هو، وليس كما يجب أن يكون".

وكان الحوراني يؤكد ضرورة دراسة كل خطوة فلسطينية قبل اتخاذها، خاصة في المواجهة مع الاحتلال الإسرائيلي، لضمان تحقيق مكاسب سياسية حقيقية، بدلًا من دفع أثمان باهظة من دون نتائج ملموسة. لم ينخرط الحوراني في العمل العسكري، لكنه سخَّر جهوده للنشاط السياسي والتنظيمي. وتعتبره حركة فتح من أبرز مفكريها ومثقفيها ومنظري رؤيتها السياسية.

قراءة المقال بالكامل