يوم واحد فقط، بعد مقترح الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ترحيل مليون ونصف المليون فلسطيني من قطاع غزة، وتوطينهم في مصر والأردن، وفي ذكرى الإسراء والمعراج، سرى الغزيّون الذين شردتهم الحرب، عائدين إلى قطاع غزة.
كانوا يعلمون أنهم عائدون إلى «أشباه منازل» وربما إلى خيام، لكن أمارات الفرح كانت بادية على وجوههم، وقد أفشلوا كل محاولات التهجير، ولسان حالهم يقول: «لا نكبة بعد الـ48 ولا تهجير بعد اليوم».
«ريحة غزة بترد الروح» قال النازح العائد حسن عبد ربه، مبيناً أن فكرة التهجير كانت أحد أهداف كيان الاحتلال في خضم حربه العدوانية على قطاع غزة، لكن صمود المواطنين، والموقف الحاسم لكل من مصر والأردن، أفشل هذه المخططات.
يوالي وقد هدّه التعب بعد قطع مسافة طويلة مشياً: «هذا السيل البشري العائد إلى غزة، بعد أن شردته الحرب لأكثر من 15 شهراً، جاء ليوصل رسالة إلى ترامب وإدارته، بأن الشعب الفلسطيني يرفض الرحيل عن أرضه، بل إنه اليوم أكثر تمسكاً بها رغم قتله وتجويعه، وقطع كل مقومات الحياة عنه».
غير بعيد، باح العائد محمـد أبو دقة بمشاعر جياشة، وهو يسلك طريق العودة: «خرجنا بواحد ورجعنا باثنين» في إشارة إلى طفله الذي رزق به خلال النزوح إلى جنوب غزة قبل عدة أشهر، في رسالة جليه تجدد رفض أبناء غزة للتهجير، أو تكرار مشاهد نكبة العام 1948، أو نكسة العام 1967.
وكان من الطبيعي أن تثير دعوة الرئيس ترامب، ترحيل أهل غزة إلى مصر والأردن، ردود فعل غاضبة في الشارع الفلسطيني، والغزّي على وجه الخصوص، لكونها تتوافق مع المخطط الإسرائيلي الذي كان أعلنه وزراء إسرائيليون متطرفون، أمثال بتسلئيل سموتريتش وإيتمار بن غفير، بتشجيع هجرة الغزيين، أو قتل أعداد هائلة منهم، والدعوات الأخيرة هذه صدرت عنهما إبّان الحرب.
من الوجهة السياسية، يرى الباحث المختص في الشؤون الإسرائيلية مهند مصطفى، أن أهل غزة أطاحوا بكل محاولات تهجيرهم، وأصروا على البقاء على أرضهم، رغم ما تعرضوا له من تجويع وتعطيش وحرب إبادة لاحقتهم إلى داخل خيامهم، مشدداً: «هم أصحاب القرار في تقرير مصيرهم».
وتبدو أجندة الوسطاء الذين تتقدمهم قطر، مزدحمة بقائمة طويلة ومتعددة في إطار تثبيت الهدنة في قطاع غزة، لكن الدعوة إلى الترحيل هذه قفزت إلى السطح، وسط رفض فلسطيني عربي، وتشجيع إسرائيلي.
ومع بدء تداعيات الحرب العدوانية بالانحسار بعد التوصل إلى هدنة، وتنفيذ المرحلتين الأولى والثانية من صفقة تبادل الأسرى، يرى مراقبون أن خطة ترامب ترحيل الفلسطينيين، ليست سوى مرحلة جديدة من خطة أعدّت سلفاً، وأخذت فصولها تتوالى، وتهدف في نهاية المطاف إلى تقليل أعداد الفلسطينيين في قطاع غزة على وجه الخصوص.
ولكن في المقابل، يصر الفلسطينيون على دحر كل محاولة تستهدف اقتلاعهم من أرضهم، ولهم في ذلك تجارب عدة، أكان في قطاع غزة، أو بعض أحياء القدس المحتلة كالشيخ جراح وسلوان، أو في مناطق الضفة الغربية كالأغوار وريف الخليل، ويريد أهل غزة الخروج من دوامة الدعوة إلى التهجير من خلال «يوم العودة» كما أطلقوا عليه.