رسوم ترامب على الصلب والألمنيوم ستكلف الصناعات الأميركية غالياً

منذ ١ يوم ٣٩

دخلت الرسوم الجمركية التي فرضها الرئيس الأميركي دونالد ترامب على واردات بلاده من الصلب والألمنيوم بنسبة 25% حيّز التنفيذ، اعتباراً من فجر أمس الأربعاء، لتخطو بذلك الولايات المتحدة خطوة إضافية نحو حرب تجارية مع شركائها الرئيسيين عبر معركة الفولاذ التي تستنفر الكثيرين ضد واشنطن.

وكان ترامب وقّع في العاشر من فبراير/ شباط الماضي أمرين تنفيذيين فرض بموجبهما رسوما جمركية بنسبة 25% على واردات بلاده من الصلب والألمنيوم من كل الدول، وذلك اعتباراً من 12 مارس/آذار "دون استثناءات أو إعفاءات". ومن المرجّح أن تؤدّي هذه الرسوم الجمركية الباهظة على هذين المعدنين إلى زيادة تكلفة إنتاج كل شيء تقريباً في الولايات المتحدة، بدءاً بعلب المشروبات والأغذية وصولاً إلى الأجهزة المنزلية والسيارات، ممّا يهدّد برفع أسعار المستهلكين في المستقبل.

لطالما كانت حماية صناعة الصلب الأميركية في قلب السياسات التي انتهجها الرؤساء من كلا الحزبين السياسيين الديمقراطي والجمهوري في الولايات المتحدة على مدار سنين طويلة ماضياً. لكن لم ينتهج أي رئيس مثل هذه الإجراءات التي يتبناها ترامب عبر فرض رسوم جمركية قاسية لتحقيق هذه الغاية. وفي ولايته الأولى، فرض ترامب رسوماً جمركية بنسبة 25% على واردات الصلب و10% على الألمنيوم، غير أنه منح إعفاءات لبعض الشركاء التجاريين، بمن في ذلك البرازيل وكوريا الجنوبية.

لكن الرسوم الجمركية الإضافية التي دخلت حيز التنفيذ، أمس، تطاول الجميع دون استثناءات، بينما من غير المرجح أن تؤدي هذه الإجراءات إلى زيادة الإنتاج المحلي من المعادن، بل ستسبب أيضاً ضرراً للعديد من الشركات الأميركية. وتستورد الصناعة الأميركية حصة كبيرة من المعادن التي تحتاجها. ووفق بيانات صادرة عن بنك الاستثمار "مورغان ستانلي"، تشكل الواردات الصافية الأميركية أكثر من 80% من متطلبات البلاد من الألمنيوم، ونحو 17% من احتياجاتها من الصلب، حيث تتصدّر كندا الشركاء التجاريين في المجالين بفارق كبير عن غيرها.

وبينما يُعرب بعض رؤساء شركات المعادن عن سعادتهم بالرسوم الجمركية الجديدة التي فرضها ترامب، إلا أن الكثير من الصناعات الأخرى تعرب عن قلقها الكبير من ارتفاع التكاليف، لاسيما مع استغلال الشركات الأميركية قيود البيت الأبيض على الواردات ورفع الأسعار. وفي يناير/كانون الثاني الماضي، أعرب ليون توباليان، رئيس شركة "نوكور" (Nucor)، أكبر شركة لتصنيع الصلب في الولايات المتحدة، عن استيائه من الإعفاءات الجمركية التي منحها ترامب خلال ولايته الأولى (2017 ـ 2021)، ودعا إلى توسيع نطاق الرسوم الجمركية.

ومنذ إعلان ترامب في فبراير/شباط الماضي عن نيته القيام بذلك، رفعت شركة "نوكور" الأسعار بالفعل، كما فعلت شركتا "يو إس ستيل" وكليفلاند كليفس"، وهما شركتا صناعة الصلب الأميركيتان الكبيرتان الأخريان. كما ارتفع سعر الألمنيوم. وفي الشهر الماضي، أشار جيسي غاري، رئيس شركة "سينشري" وهي أكبر شركة مُنتجة للألمنيوم في أميركا، إلى أن شركته تتوقع أن يكون للرسوم الجمركية "تأثير ملموس" على الأرباح.

غموض حول زيادة الإنتاج والعمالة

إلا أن مدى تأثير ذلك على زيادة الإنتاج، وفرص العمل لا يزال أقل وضوحاً، وفق تقرير لمجلة "إيكونوميست" البريطانية، أمس الأربعاء. ولسنوات، ظل إنتاج الصلب الأميركي يراوح حول 75% من طاقته الإنتاجية. وتسعى إدارة ترامب إلى رفع هذه النسبة إلى 80%. ومع ذلك، لم يشهد إنتاج كل من الصلب والألمنيوم أي تغير يُذكر بعد الجولة الأولى من الرسوم الجمركية التي فرضها ترامب عام، بل تراجع في السنوات الأخيرة.

وعندما كشفت إدارة ترامب الأولى عن الرسوم الجمركية على الصلب والألمنيوم، كان الهدف جعل الولايات المتحدة أكثر اكتفاءً ذاتياً. لكن في عام 2024، تبين أن إنتاج صناعة الصلب في الولايات المتحدة كان أقل بنسبة 1% عما كان عليه عام 2017، أي قبل الجولة الأولى من الرسوم الجمركية التي فرضها ترامب، فيما أنتجت صناعة الألمنيوم أقل بنحو 10%.

ورغم إعلان شركة "سينشري" للألمنيوم عن بناء أول مصهر أولي في الولايات المتحدة منذ ما يقرب من نصف قرن، مما ضاعف الإنتاج الأولي المحلي، إلا أن هذا القرار يُعزى جزئيًا إلى منحة قدرها 500 مليون دولار من وزارة الطاقة العام الماضي. وفي هذا السياق، قال بيل أوبلنجر، رئيس شركة "ألكوا" (Alcoa)، وهي شركة كبيرة أخرى لإنتاج الألمنيوم في تصريحات في فبراير/شباط الماضي، إن الرسوم الجمركية لن تكون كافية لإغراء شركته بإعادة فتح منشآتها في أميركا، مشيرا إلى أن أسعار الكهرباء تُشكّل عائقاً أكبر. وأضاف أوبلنجر أنه من الصعب اتخاذ قرارات "دون معرفة مدة سريان الرسوم الجمركية"، لأن شركته تُخطط "لفترة تتراوح بين 20 و40 عاماً".

وفي خارج دائرة مصنعي الصلب والألمنيوم، يُعاني المُصنِّعون الأميركيون، الذين يعتمدون على المعادن في كل شيء، من حالة عدم اليقين التي تُولِّدها تهديدات ترامب المُتذبذبة بفرض رسوم جمركية، ويُقيِّمون حجم الضرر الذي ستُلحقه بهم. ووفقاً لمجموعة بوسطن الاستشارية (BCG)، فإن الرسوم الجمركية على المعادن، التي أُعلن عنها في فبراير/ شباط، ستضيف 22 مليار دولار إلى تكلفة واردات الصلب والألمنيوم، وما يصل إلى 29 مليار دولار على المنتجات المُشتقة، من قطع غيار الطائرات إلى شفرات الجرافات.

وستُشكل رسوم ترامب عقاباً خاصاً للشركات التي تعد المعادن جزءًا كبيراً من تكاليفها، منها معدات البناء. ووفقاً لبنك باركليز، يُشكل الصلب أكثر من عُشر تكلفة السلع في معدات مثل الحفارات والجرافات. كما ستشهد شركتا "كراون" و"بول"، وهما شركتان تُصنِّعان علب الألمنيوم للمشروبات الغازية والبيرة، ارتفاعاً في تكلفة علبة 12 أونصة بنحو العُشر، إذ يشكل ل المعدن القابل للطرق حوالي ثلثي التكلفة الإجمالية. وستتضرر صناعة النفط الأميركية أيضاً، إذ يُستورد حوالي 40% من أنواع الفولاذ المختلفة المستخدمة في حفر آبار النفط.

صناعات أميركية تتحول إلى مدخلات بديلة

وستخفف بعض الشركات من وطأة الرسوم الجمركية بالتحول إلى مدخلات بديلة. وقد صرّحت شركة كوكاكولا بأنها ستُضيف على الأرجح المزيد من مشروباتها الغازية إلى زجاجات بلاستيكية. لكن الكثيرين لن يحظوا بهذه الرفاهية. وفي رسالة إلى ترامب الشهر الماضي، أشار معهد مصنعي العلب، وهو مجموعة تُمثل مصنعي العلب ومورديها، إلى أن رسوم عام 2018 الجمركية، برفعها أسعار المدخلات، سحقت مصنعي الفولاذ المصفّح بالقصدير، وهو صفيحة رقيقة من الفولاذ مطلية بالقصدير تُستخدم عادةً في الأطعمة المعلبة. وقد أوقفت الصناعة تسعة خطوط إنتاج، "على عكس ما هو مقصود" من الرسوم. ولم يتبقَّ الآن سوى ثلاثة خطوط. وقد يتذمر المستهلكون قريباً من ارتفاع أسعار المواد الغذائية المعلبة، وفق "إيكونوميست".

وأشار تحليل اقتصادي نشرته لجنة التجارة الدولية الأميركية، وهي وكالة مستقلة من الحزبين، وفق تقرير لصحيفة نيويورك تايمز، أمس، إلى أن التكاليف التي تكبدها الاقتصاد الأميركي من الدفعة الأولى من الرسوم الجمركية على المعادن التي فرضها ترامب خلال ولايته الأولى (2017 ـ 2021) تفوق المكاسب. وخلصت الدراسة إلى أن الرسوم الجمركية على المعادن التي فُرضت عام 2018 شجعت مشتري الفولاذ والألمنيوم على شراء المزيد من المصادر الأميركية، وأدت إلى ارتفاع الأسعار المحلية للمعادن، بينما زادت إنتاج الفولاذ الأميركي بنحو 2% فقط بين عامي 2018 و2021، وهما العامان اللذان تناولهما التقرير.

ارتفاع تكاليف شركات السيارات والآلات الصناعية

لكن التحليل وجد أيضًا أن الرسوم الجمركية رفعت تكاليف الإنتاج للشركات المُصنّعة للسيارات والأدوات والآلات الصناعية، مما أدى إلى انكماش الإنتاج في هذه الصناعات وغيرها من الصناعات التحويلية بنحو 3.48 مليارات دولار في عام 2021. ولم ينتج قطاعا الصلب والألمنيوم سوى 2.25 مليار دولار إضافية من المعادن في ذلك العام بسبب الرسوم.

وفي محاولة للتخفيف من هذه العواقب الوخيمة، وسّعت إدارة ترامب نطاق رسومها الجمركية على الصلب والألمنيوم هذه المرة لتشمل مختلف السلع التحويلية، أو "المنتجات المشتقة"، المصنوعة من الصلب والألمنيوم، مثل قطع غيار الجرارات والأثاث المعدني والمفصلات.

وقال تشاد باون، الزميل البارز في معهد بيترسون للاقتصاد الدولي، وهو منظمة بحثية، إن هذه الخطوة تُعدّ "اعترافًا ضمنيًا" بمعاناة بعض الصناعات بسبب الرسوم الجمركية السابقة التي فرضها ترامب. وأضاف أن الرسوم الجمركية خلقت "حلقة من الحمائية المتتالية" حيث ستطلب المزيد من الصناعات ضمانات حكومية، وأنه "قد يكون من الصعب إيقافها" بمجرد أن تبدأ. وتساءل باون: "أين ينتهي هذا؟".

كما شجع احتمال ارتفاع التكاليف صناعات أميركية أخرى، مثل شركات صناعة السيارات، على الضغط من أجل فرض رسوم جمركية على منافسيها الأجانب لحماية أعمالهم. وقد صرّح ترامب بأنه يخطط لفرض رسوم جمركية على السيارات الأجنبية في 2 إبريل. وبالنسبة لشركات صناعة السيارات، تُهدد الرسوم الجمركية على المعادن برفع التكاليف في الوقت الذي تقترب فيه أسعار السيارات والشاحنات الجديدة بالفعل من مستويات قياسية. ووفقًا لمجموعة "إدموندز" لأبحاث السوق، بلغ متوسط سعر السيارة الجديدة في يناير/كانون الثاني الماضي أكثر من 48 ألف دولار. وقالت جيسيكا كالدويل المحللة في إدموندز: "تُعدّ القدرة على تحمل التكاليف مصدر قلق كبير لمشتري السيارات الأميركيين في ظل ارتفاع الأسعار وأسعار الفائدة".

قراءة المقال بالكامل