يمر شهر رمضان ثقيلاً على ضحايا "زلزال الحوز" في المغرب، والذين يعانون للعام الثاني على التوالي من أوضاع صعبة نتيجة الحياة في الخيام، ويشتكون من قسوة الطبيعة وتأخر إعادة الإعمار بعد مرور سنة ونصف على وقوع الزلزال الذي وصف بأنه الأعنف في تاريخ البلاد الحديث.
وفي ليلة الجمعة 8 سبتمبر/ أيلول 2023، ضرب الزلزال خمسة أقاليم مغربية هي الحوز ومراكش وورزازات وشيشاوة وأزيلال، ليشهد من بقي على قيد الحياة على الدمار الكبير الذي غيّر حياة الآلاف إلى الأبد.
يقول محمد النماوي، من جماعة تافنكولت بإقليم تارودانت، لـ"العربي الجديد": "لسنا على ما يرام، ولا نشعر بأي شكل من الاستقرار، وقد طال أمد عيشنا في الخيام من دون أي تغيير. يحظى رمضان بمكانة خاصة في قلوب المغاربة، لكننا نجد أنفسنا غير قادرين على استقبال الشهر الكريم بالطريقة المناسبة. جربنا في العام الماضي قضاء رمضان في تلك الظروف الصعبة، لكن رمضان هذا العام أصعب من جراء تساقط الثلوج وهطول الأمطار، مع غياب الكهرباء، ونقص الماء. الخيام لا تستوعب أفراد الأسرة، ولا تسمح بزيارة الأهل والأصدقاء، ما يجعل طقوس الشهر الكريم محدودة".
ضحايا زلزال الحوز يواجهون مصيراً مجهولاً مع تأخر إعادة الإعمار
يضيف النماوي: "تغير نمط العيش من البيوت إلى الخيام البلاستكية قلص اللمة الرمضانية التي تعد أحد أجواء الشهر الأساسية. جميع ضحايا الزلزال يواجهون مصيراً مجهولاً مع تأخر إعادة الإعمار، ويعيشون أوضاعاً نفسية صعبة مع دخول شهر رمضان، خاصة أنه يفتح باب ذكريات فقدان أقاربهم. نتمنى أن يكون رمضان هذا العام شهر خير، وأن نبدأ حياة جديدة. نتسلح بالصبر، لكننا نريد حلاً عاجلاً ينهي معاناتنا".
وفي حين يمثل شهر رمضان مناسبة دينية واجتماعية للتقارب الأسري، ويحرص المغاربة على الاجتماع على مائدة الإفطار وتشارك الأوقات، لكن الظروف الاستثنائية التي يفرضها العيش في الخيام قلصت ذلك، وجعلت المتضررين يتكيفون مع واقعهم الجديد.
تقول فاطمة أوهنو، من شيشاوة، إن واقع العيش في الخيام قلص عادة دعوة الأهل والأصدقاء إلى مائدة الإفطار، فالظروف غير ملائمة لإعداد تلك المائدة داخل الخيام، وصعوبات عديدة تواجه النساء بالتزامن مع فترة شديدة البرودة في جبال الأطلس الكبير. وتوضح لـ"العربي الجديد"، أن "أحد أوجه الصعوبات هو جلب الماء لقضاء الاحتياجات اليومية. على الرغم من توفر مستلزمات مائدة الإفطار إلا أنها لا تسعد أحداً، فالرغبة في الأكل غائبة في ظل استمرار المعاناة التي تضاعفت مع تساقط الثلوج".
تتابع أوهنو: "العيش داخل الخيام صعب في مختلف الأوقات، سواء كنا في رمضان أو في غيره، وسواء كانت درجات الحرارة مرتفعة أم منخفضة. نتمنى أن تنتهي المعاناة، فهناك من تسلموا منازل في إطار إعادة الإعمار، والعديدون لا يزالون ينتظرون دورهم".
من جانبه، يؤكد رئيس "الائتلاف المدني من أجل الجبل" (غير حكومي)، محمد الديش، أن العديد من الأسر في المناطق المتضررة من الزلزال لا تزال تعيش في ظل ظروف غير إنسانية، خصوصا مع حلول شهر رمضان، والذي يتطلب بيئة مهيأة، ويتضمن طقوساً خاصة تساعد على تجمع العائلات.
ويقول الديش، لـ"العربي الجديد "، إن "الأسر المتضررة لم تتمكن من استعادة مستوى معيشتها الذي كان متدنياً في الأصل، والوضع تفاقم نتيجة توقف الأنشطة الاقتصادية التي كانت تلك الأسر تعول عليها لكسب قوت يومها، وزادت المعاناة مع حلول شهر الصيام. يعيش الناس بين الركام، وهناك من استفاد من الخيام، لكنها لم تعد قادرة على إيوائهم، وإن كانت آوتهم في ظروف استثنائية بعد وقوع الزلزال، فإنه لا يمكن أن نقبل بها بصيغة المؤقت الذي يدوم، وهذا هو الإشكال الذي يخشاه المتضررون".
ويلفت إلى أن "الطقس البارد يشكل مشكلة رئيسية، ورغم المساعدات التي تقدمها مؤسسات حكومية، إلا أنها تظل مؤقتة، وغير كافية لتغطية احتياجات السكان بالكامل. الظروف التي يعيشها سكان المناطق الجبلية، خاصة المتضررة من زلزال الأطلس الكبير، تجعلهم يشعرون بأن هناك تقصيراً كبيراً، خصوصاً في ظل البرد القارس الذي لا نقوى على تحمله داخل منازلنا، فما بالكم بالناس الذين يعيشون داخل الخيام".
يتابع الديش: "في ظل الأوضاع الحالية، يبقى المطلب الأساسي للأسر المتضررة هو توفير السكن اللائق الذي يضمن لهم الحد الأدنى من العيش الكريم، ونشدد على ضرورة إيجاد حل دائم لهذه الوضعية في أقرب وقت ممكن، يشمل توفير إيواء مناسب للمتضررين، واسترجاع الأنشطة الاقتصادية للمساهمة في استعادة جزء من حياة الناس اليومية".
وبلغ عدد المتضررين من "زلزال الحوز" نحو 2,8 مليون نسمة، ويعيش المئات منهم منذ 7 سبتمبر 2023، محنة مضاعفة داخل خيام بلاستيكية أو حاويات تحولت إلى منازل مؤقتة، لكنها لا توفر لهم الوقاية من حرارة الصيف ولا من برد الشتاء.
وقررت السلطات المغربية في إطار برنامج الطوارئ، منح مساعدة مالية بقيمة 30 ألف درهم مغربي (3000 دولار) للفئات الأكثر تضرراً، و140 ألف درهم (13.500 دولار) تعويضاً عن المساكن التي انهارت بالكامل، و80 ألف درهم (7700 دولار) لتغطية أشغال إعادة تأهيل مساكن انهارت جزئياً، وفق إحصائيات رسمية.
كما أعلنت الحكومة إطلاق ورش لإعادة إعمار القرى التي دمرها الزلزال، بميزانية مقدارها 120 مليار درهم (11.7 مليار دولار) على مدى خمس سنوات، تستهدف 4.2 ملايين نسمة، وقررت فتح اعتمادات بقيمة 2.5 مليار درهم (نحو 250 مليون دولار)، من أجل المباشرة الفورية في مشاريع إعادة الإعمار العاجلة في مجالات التعليم، والصحة، والتجهيز، والثقافة، والسياحة، والفلاحة، والأوقاف.
وبينما يثير تأخر عملية إعادة إعمار المناطق المتضررة جدلاً واسعاً، أكدت وزيرة إعداد التراب الوطني والتعمير والإسكان وسياسة المدينة، فاطمة الزهراء المنصوري، في 6 يناير الماضي، استكمال بناء 60 ألف منزل خلال الستة أشهر القادمة، وأوضحت في تصريحات صحافية، على هامش جلسة الأسئلة الشفهية بمجلس النواب الغرفة الأولى للبرلمان المغربي، وجود إكراهات مهمة تواجه عملية إعادة الإعمار، وأن المعدل الدولي لإعادة البناء بعد الزلازل هو ثلاث سنوات.
