حذر محامي الحقوق المدنية، والناشط الحقوقي الأميركي، روبرت باتيلو من أن سياسات الهجرة الحالية والتعديلات والقرارات الجديدة التي تتخذها إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب في ما يخص المقيمين داخل الولايات المتحدة قانونياً أو المقيمين دون أوراق ثبوتية، خلقت فئة "مواطنة درجة ثانية" داخل البلاد. وأوضح في تصريحات لـ"العربي الجديد"، أن الأفراد الذين يمتلكون أوراق إقامة قانونية في الولايات المتحدة يواجهون خطر الاعتقال والترحيل دون إجراءات قانونية كافية أو استخدام حق الطعن القانوني، مضيفاً أن القرار الجديد الذي تخطط إدارة الهجرة لتنفيذه بالوصول إلى حسابات التواصل الاجتماعي للأشخاص طالبي اللجوء، أو من يتقدمون للحصول على البطاقة الخضراء (الإقامة الدائمة للعيش والعمل) أو الجنسية، سيساعد الحكومة أكثر على تعقبهم، بما يؤثر بأوضاعهم في البلاد.
وأعلنت دائرة خدمات الجنسية والهجرة الأميركية (USCIS)، في 5 مارس/ آذار الحالي، مشروع قرار يتضمن الوصول إلى حسابات وسائل التواصل الاجتماعي لأي شخص يتقدم بطلب للحصول على الجنسية أو الإقامة أو اللجوء في الولايات المتحدة، ومراجعتها. وذكرت أن الخطوة ضرورية للامتثال لأمر تنفيذي وقعه ترامب بشأن الهجرة، يوم تنصيبه في 20 يناير/ كانون الثاني الماضي، يحمل عنوان "حماية الولايات المتحدة من الإرهابيين الأجانب ومن التهديدات الأخرى للأمن الوطني والسلامة العامة". وبحسب مشروع القرار، حُدِّدَت الحاجة إلى جمع المعلومات من وسائل التواصل الاجتماعي الخاصة بالمتقدمين، التي ستساعد في إجراء التحقيق في كل ما يتعلق بـ"الهوية، والأمن القومي والسلامة العامة، والتدقيق، وعمليات التفتيش ذات الصلة". وكانت جماعات حقوقية أميركية قد حذّرت من أن هذا الأمر التنفيذي الذي يعيد إلى الأذهان قرار ترامب حظر السفر في 2017، خلال ولايته الأولى، باسم "حماية الأمة من دخول الإرهابيين الأجانب إلى الولايات المتحدة"، وعرف بـ"حظر المسلمين"، سيفرق أسراً أميركية عن أحباء لها، ويخفض من معدلات الالتحاق بالجامعات في الولايات المتحدة.
فترة صعبة
وفقاً لتقديرات دائرة خدمات الجنسية والهجرة الأميركية، فإن العدد الإجمالي للمتقدمين الذين سيتأثرون بهذه الخطوة، 3.57 ملايين شخص. وفي السياق، ذكر المحامي روبرت باتيلو في حديثه لـ"العربي الجديد"، أن هذه فترة صعبة أيضاً للأسر والمجتمعات المهاجرة بأميركا، إذ "يُزرَع الخوف في نفوس الأفراد الذين ليس لديهم أوراق عمل أو تأشيرات، من أنه قد يُقبض عليهم ويُحتجَزون ويُرحَّلون دون اتباع الإجراءات القانونية الواجبة، كذلك "لا يمكنهم الذهاب إلى المحاكم". وأوضح باتيلو أن "البنية التحتية للمحاكم غير مهيأة للتعامل مع هذه القضايا"، مضيفاً أن "الرئيس السابق جو بايدن، حاول العام الماضي تعيين مئات القضاة الإضافيين في محكمة الهجرة، وآلاف المحامين المتخصصين القادرين على التعامل مع هذه المطالبات، لكن إدارة ترامب لم تفعل ذلك". وبالتالي "لا توجد حتى الآن طريقة منطقية أو عملية حقيقية لهم (الأشخاص المستهدفين بالقرار) للجوء إلى المحاكم".
باتيلو: من المتوقع الطعن على خطة إدارة الهجرة للوصول إلى بيانات التواصل الاجتماعي
روبرت باتيلو: القرار يتعارض مع الدستور
وفي ما يخص الحاصلين على بطاقة خضراء، قال روبرت باتيلو إن "هؤلاء في وضع جيد، لكن إذا كان لديك طلب بطاقة خضراء غير مكتمل وفي طور المعالجة، وإذا تجاوزت مدة التأشيرة، وإذا كنت تفتقر إلى أي وضع قانوني للبقاء هنا، فستتأثر مباشرةً". وتوقع الطعن على خطة إدارة الهجرة للوصول إلى بيانات التواصل الاجتماعي لتعارضها مع التعديل الأول من الدستور ("وثيقة الحقوق عام 1791 وتحدد حقوق الأميركيين في ما يتعلق بالحكومة وتضمن الحقوق المدنية والحريات للأفراد)، معتبراً أن هذه القضية وغيرها ستشق طريقها إلى المحكمة العليا. إلا أنه أبدى تخوفه من تشكيل المحكمة بهيئتها الحالية التي تضم ستة قضاة محافظين عيّن ترامب ثلاثة منهم في فترة ولايته الأولى، مقابل ثلاثة ليبراليين فقط. وقال: "لقد رأينا أشخاصاً يُعتقَلون بسبب منشورات على وسائل التواصل الاجتماعي".
وأوضح أن التعديلات الجديدة ستؤثر كثيراً بشريحة معينة، وأنه قد تُرفض طلبات اللجوء والمتقدمين للحصول على الإقامة الدائمة أو الجنسية من خلال التدقيق في منشوراتهم على مواقع التواصل الاجتماعي، إذا اعتبرت آراؤهم معادية لسياسات الولايات المتحدة أو داعمة لفلسطين. وأضاف أن "أي شخص أيضاً يحاول الحصول على تأشيرة للقدوم إلى الولايات المتحدة، فقد يتم بشكل كبير رفض قبول طلبه أو منعه من دخول البلاد إذا أدلى بأي تصريحات عامة، أو شاركوا صورة ساخرة أو صورة لدعم الشعب الفلسطيني وشعب غزة". وشدد على أن "أي فرد عبّر عن وجهات نظر مؤيدة للفلسطينيين على وسائل التواصل الاجتماعي، فمن المؤكد تقريباً أنه لن يُسمح له بدخول البلاد لأي سبب الفترة المقبلة".
باتيلو: اعتقال الطالب الفلسطينيتماشي مع رؤية ترامب لعدم التفريق بين سكان غزة وحماس
وفي ما يخص اعتقال الطالب الفلسطيني محمود خليل، يوم الأحد الماضي على خلفية قيادته احتجاجات تضامنية بجامعة كولومبيا العام الماضي، تنديداً بالإبادة الجماعية التي ارتكبتها إسرائيل في قطاع غزة، أوضح روبرت باتيلو أن عملية الاعتقال "ضمن إطار سياسات الإدارة الحالية التي تخطط لاعتقال طلاب في جامعات أميركية بسبب مشاركاتهم في احتجاجات مؤيدة لفلسطين". كذلك تتماشى مع رؤية ترامب الذي ذكر خلال حملته الانتخابية أنه لا يفرق "بين سكان غزة والفلسطينيين وحماس، وأن دعم الشعب الفلسطيني هو دعم لحماس وبالتالي معاداة لإسرائيل". ولفت إلى أن ترامب "وجه رسائل هذا الأسبوع تفيد بأن أي فرد كان محتجاً في التظاهرات، فهو مؤيد لحماس، وأن طلاب الجامعات لن يتمكنوا بعد الآن من الاحتجاج"، متوقعاً أن "تصل قضيته إلى المحكمة العليا للبت فيها".
مع العلم أن قاضي المحكمة الجزئية الأميركية، جيسي فورمان، أول من أمس الاثنين، قرر "منعاً مؤقتاً" لترحيل خليل، وحدد جلسة الأربعاء 12 مارس الحالي، للنظر في طعن قدمه الناشط الفلسطيني، المقيم في البلاد ويحمل بطاقة خضراء ومتزوج أميركية. وخرجت مسيرتان في نيويورك وواشنطن، أول من أمس، للمطالبة بالإفراج الفوري عنه، فيما وقّع حتى مساء أمس، 2,238,194 شخصاً على عريضة على الإنترنت للإفراج عنه.
وفي تعليقه على الاعتقال، توعد ترامب على منصته تروث سوشال بأن "هناك المزيد من الطلاب في كولومبيا وجامعات أخرى بأنحاء البلاد الذين شاركوا في أنشطة مؤيدة للإرهاب ومعادية للسامية ومعادية لأميركا. وإدارتي لن تتسامح مع ذلك". فيما كتب وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو على منصة إكس: "سنلغي تأشيرات أنصار حماس في أميركا أو بطاقاتهم الخضراء حتى يمكن ترحيلهم". من جهته، أشار ستيفان دوجاريك، المتحدث باسم الأمين العام للأمم المتحدة، خلال مؤتمر صحافي أمس الثلاثاء، إلى أن الأمم المتحدة على علم بحادثة الاعتقال، مضيفاً أن "من الضروري للغاية لنا تأكيد أهمية احترام حرية التعبير وحق التجمع السلمي".
واعتبر روبرت باتيلو أن التعديلات الجديدة لإدارة ترامب الخاصة بالمهاجرين، سواء خطط الترحيل أو خطة الوصول إلى منصات التواصل الاجتماعي للمقيمين الشرعيين من أجل حصولهم على البطاقة الخضراء والجنسية تعكس "ازدواجية في معايير حرية التعبير، إذ لم يعد التعديل الأول من الدستور الأميركي الذي يكفل حرية الرأي التعبير يطبق بشكل متساوٍ عندما يتعلق الأمر بالقضايا الفلسطينية". وأضاف أنه "يُحرَم المؤيدون للفلسطينيين هذه الحقوق، ويخضعون للمراقبة، وقد يُرحَّلون إذا كانوا مقيمين بشكل غير دائم". وبرأيه فإن "هذا النهج قد يؤدي إلى معارك قانونية تصل إلى المحكمة العليا للبلاد"، محذراً من أن "هذه الإجراءات قد تؤثر في الجاليتين المسلمة والعربية في الولايات المتحدة". ودعا "إلى اتخاذ خطوات قانونية لمواجهتها".
