في خطوة جديدة وغير مألوفة، يواصل نجم البوب البريطاني روبي ويليامز مساره في عالم الفنون التشكيلية من خلال معرض فردي جديد عنوانه "صراحة مطلقة" (Radical Honesty)، وهو مصطلح يشير إلى ممارسة نفسية قائمة على الصراحة المطلقة، بلا مجاملة أو تجميل. يُقام المعرض المستمر حتى نهاية يوليو/تموز الحالي في متحف موكو في قلب العاصمة البريطانية، إذ يأتي بعد تجربتين سابقتين مع المتحف نفسه في برشلونة وأمستردام. يقدّم روبي ويليامز هذا المعرض بوصفه امتداداً صريحاً لتجربته الشخصية، فيسرد عبر اللوحات والمنحوتات حكاية قلقه وعزلته وصراعه مع الصورة النمطية للنجم الشهير. يتضمن المعرض، الذي افتُتح في أجواء أقرب إلى حفلات موسيقى البوب، نحو عشرين عملاً فنياً تتنوع بين لوحات رقمية مطبوعة ومنحوتات تميّزها الرمزية والتعبير الذاتي.
جمهور الافتتاح لم يكن جمهور الفن المعتاد، بل ضمّ مزيجاً من المعجبين والمشاهير وأصدقاء ويليامز، في مشهد يعكس الهُوية المزدوجة لصاحب الأعمال، بوصفه نجماً جماهيرياً وفناناً، يبدو أنه يبحث عن شرعية في عالم الفنون المعاصرة.
تتمحور الأعمال المعروضة هنا حول عدد من القضايا الشخصية، مثل القلق، والانطوائية، واضطرابات الهوية، وأزمات الصحة النفسية. وتُرجم هذا المحتوى إلى لغة بصرية ساخرة أحياناً، ومباشرة أحياناً أخرى، وقد تحمل عبارات مكتوبة على اللوحات بأسلوب قريب من منشورات وسائل التواصل الاجتماعي. من هذه العبارات، ما كُتب على لوحة تحمل صورة شريط كاسيت: "مجرد أنك تعاني من الديسلكسيا لا يعني أنك لست غبياً"، في جملة تجمع بين التهكم والمرارة. وفي عمل تركيبي آخر، خصص الفنان كرسياً للانطوائيين، تدعمه لوحة تحمل تعليمات صارمة بعدم الاقتراب من الجالس عليه.
إحدى أبرز القطع تحمل عنوان "هوية موصوفة"، وهي منحوتة على شكل سترة بغطاء رأس، مزوّدة بجيوب صغيرة مطرزة بأسماء أدوية نفسية، في إشارة مباشرة إلى تاريخ ويليامز مع الإدمان ومحاولات العلاج الذاتي. أما العمل التركيبي "أُعجب وشارك"، فهو شاهد قبر رخامي كُتب عليه: "لقد مت، تفضّل واضغط إعجاب وشارك"، في نقد ساخر لثقافة مواقع التواصل الاجتماعي وهاجس الشهرة الرقمية.
يبدو أن روبي ويليامز لا يسعى في هذا المعرض إلى تقديم نفسه فناناً محترفاً، بقدر ما يحاول توثيق رحلة طويلة مع الألم الشخصي. منذ التسعينيات، بدأ بالرسم هوايةً خاصة خلال جولاته الغنائية، حتى بدأ لاحقاً بمشاركة هذه الأعمال عبر وسائل التواصل الاجتماعي، ما لفت انتباه مؤسسي متحف موكو. بحسب تصريحاتهم، فإن ما جذبهم في أعمال ويليامز هو المزج بين الفكاهة والبوح الشخصي، وقدرته على خلق حوار صادق مع الجمهور حول مسائل الصحة النفسية.
لكن هذا الطرح لم يمرّ من دون انتقاد، فبينما رحّب بعضهم بجرأة ويليامز في فضح هشاشته النفسية، رأى آخرون أن الأعمال المقدّمة تفتقر إلى العمق الفني، وتبدو أشبه برسائل تحفيزية مُعلبة أكثر من كونها تعبيرات تشكيلية مكتملة. واعتبر بعض النقاد أن عرض هذه الأعمال في متحف يسوّق لنفسه مؤسسةً فنية جادة، يُثير تساؤلات حول حدود الشرعية الفنية.
من الواضح أن روبي ويليامز لا يدّعي أنه رسام أو نحات تقليدي، بل يقدّم ما يمكن تسميته بيوميات بصرية، تعكس مسيرة شخصية مضطربة يتشابك فيها العديد من التجارب المؤلمة والسعيدة، من محنة الإدمان والعلاج، إلى النجومية والانعزال. وهو يصرّح بذلك صراحةً في نصوص المعرض قائلاً: "في عالم مهووس بإظهار المثالية، قد يكون احتضان الفوضى هو أكثر الأفعال ثورية". هذه الفوضى قد تكون صادقة، وربما مؤثرة، لكنها تضع المتلقي أمام سؤال مُربك حول طبيعة الفن، وهل يكفي الصدق وحده لصناعة عمل فني؟ وهل يتحول الألم الشخصي إلى فن بمجرد تحويله إلى لوحات على الجدار؟ هذه الأسئلة تُعيدنا إلى جدل قديم يتجدد اليوم مع دخول المشاهير إلى دوائر العرض الفني، خصوصاً حين ترتبط أسماؤهم بمؤسسات تسعى إلى ترسيخ حضورها في سوق الفن المعاصر.
يُذكر أن متحف موكو نفسه يواجه انتقادات مماثلة حول هويته، فهو أقرب إلى مؤسسة تجارية من كونه متحفاً أكاديمياً، ويضم أعمالاً لفنانين مثل بانكسي وموراكامي وكاوس، تُعرض جنباً إلى جنب مع أعمال ويليامز، في تركيبة هجينة تعكس التباساً بين الثقافة الجماهيرية والفن المعاصر.
في النهاية، سواء اتفقنا أو اختلفنا مع الطرح الفني لروبي ويليامز، فإن معرضه الأخير يقدّم حالة تستحق التأمل، فهو فنان شهير يتخلّى عن صوره المنمقة، ويتقدّم بأخطائه وهشاشته، طالباً من الجمهور أن يراه كما هو. فهل هذا يكفي؟ وهل علينا، جمهوراً ومؤسسات، أن نعيد النظر في معايير التقييم حين يكون العرض صادقاً، حتى وإن لم يكن عميقاً؟
