ذكرت خمسة مصادر مطلعة لوكالة رويترز اليوم الأحد، أن الولايات المتحدة تجري مشاورات مع الحكومة اللبنانية لاختيار الحاكم الجديد لمصرف لبنان (البنك المركزي). ويُعد إدلاء واشنطن برأيها في المرشحين للمنصب الأعلى في تشكيل السياسة النقدية للبنان أحدث مثال على النهج الأميركي غير المعتاد في التعامل مع البلد الذي يشهد أزمة مالية مستمرة منذ أكثر من خمس سنوات أدت إلى انهيار اقتصاده.
ويظهر التدخل الأميركي أيضاً استمرار تركيز الولايات المتحدة على إضعاف جماعة حزب الله المدعومة من إيران، والتي تقلص نفوذها على الحكومة اللبنانية بعد العدوان الإسرائيلي على لبنان العام الماضي. وانتخب لبنان منذ ذلك الحين جوزاف عون، المدعوم من الولايات المتحدة، رئيساً للجمهورية، وتولت حكومة جديدة السلطة دون دور مباشر لحزب الله. ويتعين على هذه الحكومة الآن شغل المناصب الشاغرة، ومنها منصب حاكم مصرف لبنان، الذي يديره حاكم مؤقت منذ يوليو/ تموز 2023.
وقالت ثلاثة مصادر لبنانية ودبلوماسي غربي ومسؤول من إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب إن الولايات المتحدة تراجع ملفات عدد من المرشحين لهذا المنصب. وتحدثت المصادر إلى رويترز لمناقشة دور واشنطن في عملية الاختيار، شرط عدم نشر هويتها. ولم تنشر تفاصيل عملية الاختيار من قبل.
وقال اثنان من المصادر اللبنانية والمسؤول من إدارة ترامب إن مسؤولين أميركيين التقوا بعض المرشحين المحتملين في واشنطن وفي السفارة الأميركية في لبنان.
وذكرت المصادر اللبنانية أن المسؤولين الأميركيين طرحوا على المرشحين أسئلة، مثل كيف ينوون مكافحة "تمويل الإرهاب" عبر النظام المصرفي اللبناني، وإذا كانوا على استعداد لمواجهة حزب الله. ولم تردّ وزارة الخارجية والبيت الأبيض ومكتبا الرئيس اللبناني ورئيس الوزراء بعد على طلبات للتعليق.
وقال مسؤول إدارة ترامب إن الاجتماعات جزء من "الدبلوماسية المعتادة"، لكنه أضاف أن الولايات المتحدة توضح للحكومة اللبنانية توجيهاتها بشأن مؤهلات المرشحين. وأوضح المسؤول أن "المبادئ التوجيهية هي: لا لحزب الله ولا لأي شخص متورط في فساد. هذا أمر ضروري من منظور اقتصادي". وأكمل: "أنتم بحاجة إلى شخص يقوم بالإصلاح ويدعو إليه ويرفض غضّ الطرف كلما حاول الناس ممارسة أعمالهم كالمعتاد في لبنان".
وقالت المصادر اللبنانية إن المرشحين الذين يُنظر فيهم بجدية هم كميل أبو سليمان وزير العمل السابق، وفراس أبي ناصيف الذي يترأس شركة للاستثمار، وفيليب جبر وكريم سعيد، وكلاهما يرأس شركتين مملوكتين له لإدارة الأصول.
وسيلعب حاكم مصرف لبنان القادم دوراً مهماً في أي إصلاحات اقتصادية ومالية، التي تعهد عون ورئيس الوزراء نواف سلام بإعطائها الأولوية لمساعدة لبنان على الخروج من الانهيار المالي الذي بدأ عام 2019.
تعيين حاكم مصرف لبنان قريباً
وقال حاكم مصرف لبنان بالإنابة، وسيم منصوري، في حوار مع "العربي الجديد" نُشر الخميس الماضي، إن "بعض التعيينات الأساسية ستتم قريباً، على أن تستكمل التعيينات الأخرى في جلسات لاحقة، ومن ضمنها تعيين حاكم جديد لمصرف لبنان". وأضاف أن مدة حاكميته تنتهي قريباً، و"بالتالي يقتضي تعيين، في أسرع وقت، حاكم جديد للمصرف المركزي، لإجراء عملية التسليم والتسلم بشكل مريح، ويتسلم كل الملفات بشكل مريح، ويتمكن من إكمال الفترة القادمة بشكل دقيق، ويتعاون مع الحكومة كما نتعاون بشكل إيجابي، وأنا متأكد أن هذا الأمر سيحصل".
ويشهد لبنان أزمة اقتصادية غير مسبوقة منذ عام 2019، بات معها غالبية السكان تحت خط الفقر، بحسب الأمم المتحدة. واشترط المجتمع الدولي على السلطات تنفيذ إصلاحات ملحة في قطاعات عدة، بينها إعادة هيكلة القطاع المصرفي، للحصول على دعم مالي. وأعلن صندوق النقد في نيسان/إبريل 2022 اتفاقاً مبدئياً مع لبنان على خطة مساعدة بقيمة ثلاثة مليارات دولار على أربع سنوات، لكنّ تطبيق الخطة كان مشروطاً بالتزام الحكومة تنفيذ إصلاحات مسبقة، لم تسلك غالبيتها سكة التطبيق.
وقالت وزارة المالية اللبنانية في بيان الأربعاء الماضي، نقلاً عن الوزير ياسين جابر إن الحكومة عرضت أولوياتها في الفترة المقبلة على صندوق النقد الدولي، ومنها تعيين حاكم لمصرف لبنان (البنك المركزي). وقال جابر إن صندوق النقد الدولي سيزور لبنان مرة أخرى في أوائل إبريل/ نيسان إذا عُين حاكم جديد لمصرف لبنان. وأضاف جابر، وفقاً للبيان، أنه سيكون هناك اتفاق جديد بين لبنان وصندوق النقد الدولي. ولم يكشف الوزير عن تفاصيل الاتفاق، لكنه قال إن الحكومة مكلفة وضع خطة جديدة مع البنك الذي يتخذ من واشنطن مقراً.
وقال رئيس بعثة الصندوق إلى لبنان إرنستو راميريز ريغو، في بيان الخميس الماضي، في ختام زيارة لبيروت استمرت أياماً، إنه أجرى "مناقشات مثمرة" مع المسؤولين اللبنانيين "بشأن سياساتهم وأجندتهم الإصلاحية". وأضاف: "رحّب الفريق بطلب السلطات برنامجاً جديداً مدعوماً من صندوق النقد الدولي لتعزيز جهودها في مواجهة التحديات الاقتصادية الكبيرة التي يواجهها لبنان".
واضاف راميريز ريغو أن الإجراءات التي اتخذتها السلطات، وبينها استقرار سعر الصرف وانخفاض التضخم، "غير كافية لمواجهة التحديات الاقتصادية والمالية والاجتماعية المستمرة". وأكد راميريز ريغو أن صندوق النقد "يقف على استعداد، بالتعاون مع المجتمع الدولي لدعم جهود السلطات في مواجهة هذه التحديات"، وسيبقى موظفوه على "اتصال وثيق بالسلطات لمساعدتها في وضع برنامج إصلاح اقتصادي شامل يركز على استدامة المالية العامة والديون، وإعادة هيكلة القطاع المالي، وتحفيز النمو الاقتصادي" من بين إصلاحات أخرى.
وكان الرئيس اللبناني جوزاف عون، قد وضع الخميس الماضي، مجلس الوزراء في أجواء لقاءاته مع وفد صندوق النقد. وخلال تلاوته مقررات مجلس الوزراء، نقل وزير الإعلام بول مرقص عن عون إشارته إلى تركيز صندوق النقد على "ضرورة التوصل إلى برنامج مع الصندوق قبل حلول الصيف"، موضحاً أن "الأساس هو استعادة الثقة بلبنان، داخلياً وخارجياً، التي تتطلب إصلاح الأوضاع الاقتصادية والمصرفية والمالية".
وقال عون، وفق مرقص، إن الصندوق شدد على إقرار قانونَي السرية المصرفية وإعادة هيكلة المصارف. وأكد رئيس الحكومة نواف سلام خلال لقائه وفد الصندوق أنّ "هدف لبنان هو الوصول إلى برنامج مع الصندوق في أسرع وقت ممكن، وأنه خلافاً لما جرى في السابق، هناك فريق موحد مع رؤية موحدة تقع على عاتقه مهمة التفاوض مع الصندوق".
واصطدمت المحادثات السابقة مع صندوق النقد بتباين الآراء بين الحكومة والبرلمان إزاء تقدير حجم الخسائر وكيفية إقرار الإصلاحات المطلوبة. ونهاية فبراير/ شباط الماضي، نالت الحكومة اللبنانية برئاسة نواف سلام ثقة مجلس النواب بتصويت 95 نائباً لصالحها من أصل 128، وذلك بعد محادثات استمرت أكثر من 3 أسابيع مع مختلف الأحزاب السياسية حيث تُوزع المناصب الحكومية بنظام المحاصصة.
وبعد فراغ رئاسي تجاوز عامين نتيجة خلافات سياسية، انتخب البرلمان اللبناني في 9 يناير/ كانون الثاني الماضي، عون رئيساً للبلاد، بحصوله على دعم 99 نائباً من أصل 128. وفاقم العدوان الإسرائيلي الأخير على لبنان الأوضاع الاقتصادية سوءاً في لبنان، بعدما خلف دماراً واسعاً في الوحدات السكنية والبنى التحتية. وقدّر البنك الدولي الأسبوع الماضي كلفة إعادة الاعمار والتعافي بنحو 11 مليار دولار. وقال إن "التكلفة الاقتصادية للصراع في لبنان تقدّر بنحو 14 مليار دولار".
(رويترز، العربي الجديد)
